توغل الباحث حسن مرموري في أعماق المجتمع الترقي من خلال مؤلفه الصادر مؤخرا عن المجلس الأعلى للغة العربية الموسوم ب''التوارق .. بين السلطة التقليدية والإدارة الفرنسية في بداية القرن العشرين''، ويعد المؤلف ابن مدينة جانت من بين الباحثين القلائل الذين قدموا أبحاثا عن مجتمع الترقي وثقافته الضاربة في عمق تاريخ الإنسانية. استعرض حسن، من خلال هذه الدراسة الأكاديمية، أسس التنظيم السياسي للسلطة التقليدية للحكم الترقي وكذا العوامل الداخلية والخارجية التي أثرت وتؤثر في نشأة وبنية هذا التنظيم، مبرزا علاقات هذا الأخير على صعيدين المحلي والخارجي في فترات زمنية معينة، مستندا في ذلك إلى أحداث سياسية وتاريخية التي طبعت تلك المرحلة المهمة في تاريخ حياة قبائل التوارق أسطورة الصحراء الكبرى لما له من خصوصية مميزة لسكان الصحراء الجزائرية. وجاء في هذا الكتاب أن منطقة التوارق كانت مسرحا لسيرورة طويلة سلكتها السلطة التقليدية منذ ظهورها إلى غاية اصطدامها بالإمبراطورية الفرنسية وقوانينها المتسلطة، وأخذت السلطة التقليدية السابقة الذكر استنادا إلى ذات المؤلف أشكالا ونظما متعددة، وتوصلت هذه الدراسة إلى أن الصحراء الجزائرية لم تكن ذات أهمية اقتصادية في نظر الإدارة الفرنسية أثناء احتلالها للجزائر، بقدر ما كانت تعتبرها موقعا استراتيجيا مهما، إذ تتوسط بين مستعمراتها في شمال إفريقيا ومستعمراتها في السودان والساحل الغربي لإفريقيا مما أكسب هذه المنطقة هدفا عملت الإدارة الفرنسية كل ما بوسعها من أجل إخضاع الإقليم الجنوبي للجزائر تحت حكمها. ولتسهيل مهمة الولوج إلى ثنايا هذا البحث اعتمد صاحبه إلى تقسيمه إلى ستة فصول، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة، حيث تناول حسن في الفصل الأول الإطار النظري لأدبيات البحث وتحديد اتجاهه، وأهم تساؤلاته في الإشكالية، وكذا منهج التقنيات المتبعة أثناء الدراسة، وشرح المفاهيم العلمية التي تناسب موضوع هذه الدراسة، في حين شمل الفصل الثاني التعريف بالظاهرة الاستعمارية وأهم المراحل التي مرت بها منذ ظهورها إلى غاية الاستقلال ونهاية الاستعمار التقليدي، وما صاحبها من سياسات استعمارية تجاه السكان المحليين، وخصص الفصل الثالث للسلطة التقليدية التي تحكم منطقة الصحراء قبل الدخول الفرنسي للجزائر، أما الفصل الرابع فقد تضمن حركة المغامرين ومساهماتهم الكبيرة في توفير المعلومات اللازمة في الميادين الجغرافية والمناخية والأنتروبولوجية، في حين تطرق في الفصل الخامس الى كيفية استعمال الدين كوسيلة للغزو الروحي.