بدأ الكتابة في بداية السبعينيات، اشتهر بالقصة القصيرة التي أبدع ولا يزال في ثناياها، لم تغرّه الأصناف الأدبية الأخرى عكس جيله بل ظل مشدود الخواطر لثوب القصة الموشح بجماليات المتعة والسرد الأصيل. يتميز بالقدرة على المواصلة والمثابرة في حقل الإبداع، وصف بالصحفي المبدع الشاب، ليجد الآن نفسه وبعد مسيرة حافلة في فضاء الثقافة والإعلام تجاوزت الثلاثة عقود، من القلة القلائل الذين حافظوا على صنع الاسم بخطى ثابتة وبروح واثقة. يشتغل في التعليم، ويشرف على إعداد حصص إذاعية، وهو عضو المجلس الوطني لاتحاد الكتاب الجزائريين ورئيس فرع ولاية تبسة لذات الهيئة. الحوار التقت صاحب هذه التجربة المتميزة الطيب عبادلية فكان لنا معه هذا الحديث الذي اعتبره رحلة إلى بداياته الأولى.. حدثنا قليلا عن مسيرتك الأدبية والإعلامية؟ -- كأنك تحيلني على التقاعد المسبق، لكن الأكيد أن واحدة منها تسبق الأخرى .. ففي رحم الكتابة كانت المضغة الأولى والتطور، فالإنجاب البكر، وان نهل الثاني من الأول كما الأطفال، ''القادم يستعمل أدوات الذاهب''. ما أذكره جيدا أنني بدأت الكتابة في بداية السبعينيات بتشجيع من أستاذي الفلسطيني ''قاسم أبو دخان'' الذي تولى نيابة عني مهمة الدفاع، بعد أن قدمت قصة قصيرة لزملائي في القسم، وتعرضت لهجوم عشوائي لم تصمد قلاع تجربتي أمامه، فتدخل قائلا وكأنه يصد كل تلك الهجمة الحميمية من زملائي، أكتب.. فيك رائحة الكاتب .. أنت تحمل موهبة الكتابة، أكتب واحذر أن تخاف الكتابة .. إقرأ وأنس ما تقرأ.. لحظتها أحسست أنني جواد يتحرر من كبت اللجام، وعصفور يكسر بجناحيه قضبان القفص، تزودت بالقراءة، وتسلحت بتجارب الآخرين، لم أشعر إنني تعبت من القراءة، بل زادت شهيتي وعطشي، وكانت بدايتي مع القصة القصيرة وتحددت معالم الكتابة عندي في المدرسة الواقعية برصد ومعايشة ومتابعة نبض الآخرين .. وهو ما سبب لي بعضا من المتاعب والمتابعات وحتى المضايقات، بعدها انتقلت إلى الخاطرة، فالنص النثري، وحتى الاعترافات، ثم الرواية، مع التأكيد على تسجيل حضوري الإعلامي والتعاون حتى عرفت في تلك الفترة بالصحافي الشاب. عرفت بمشاركاتك الكثيرة على مر السنوات في الملتقيات والتظاهرات الأدبية بمختلف ولايات الوطن .. ما هي أهم المحطات التي تستوقفك؟ -- لنبدأ من الأخير .. المحطات عديدة ومتنوعة فكل محطة أصبحت منارة وإن خفتت أضواءها، لكنها دخلت التاريخ بما أفرزت من ثمار وإنجاب، فهذه الثمار من تلك الجذور.. أما الملتقيات.. لنعترف أنها كانت ذات بعد ودلالة ووظيفة، ومع مرور الوقت أصبحت تنأى عن دورها وتتباعد عن مهمتها مما أدى إلى حدوث تفريغ للمحتوى فأصبحت ''زردات'' وإن قيل عنها ملتقى ثقافي إبداعي، فالملتقى الذي يتحول إلى تكريس التكريم لمن نحاول أن نحيلهم على التقاعد المبكر أو أولئك الذين انتهت مدة صلاحيتهم أو أولئك الذين نستنهض فيهم شيطان الغرور ونطفئ فيهم إشراقة الإبداع، الملتقيات حولت الثقافة إلى بطولة دون متنافسين.. كيف تقيم المشهد الثقافي في بلادنا؟ -- الثقافة في الزمن الجميل كانت رهان وأداة تصويب.. وتسديد حتى أنه قيل عن جيل من الأجيال المبدعة بأنه جيل شعار.. فكأن الانتماء أصبح تهمة، وشبهة، وقرينة أو كأن الكاتب عليه أن يلزم الحياد داخل مجتمعه أو يتنصل منه وينفصل عنه. إن زمن تفكيك وتفريغ القيم أصبح ميزة وحداثة.. لقد تواصلت حياة كل أولئك الذين طالهم الاتهام المجاني، بينما تعطلت ملكة التعبير عند الذين يحملون الجاهز وكل التهم وهم يحاولون بناء صرح ومقام على هيكل الاندثار، كان لذلك وكل ذلك التجاذب سبب في اختراق المزيف واجتياح الساحة، ليملأ الرفوف، يتصدر المسارح وكل المواقع، حتى تشابه علينا -البقر- المشهد الثقافي وان كان في عمقه واحدا، فيجب أن يقبل بالتشكل بهذا التنوع في التفرد.. نحن في الجزائر نستند على احتياط ثقافي هائل متنوع وزاخر، ولنا موروث وطني جميل ورائع ومعبر عن كل الحقب والمراحل، ومن ينكر أو يتنكر لذلك فان مآله الزوال، ومن لا يستعين ولا يوظف ولا ينهل من هذا الرصيد الثقافي فهو منتهي الصلاحية، علينا أن نوظف طاقتنا الثقافية من خلال استغلال الروافد الثقافية المحلية التي تصب وتغذي المشهد العام. إن غياب برامج واضحة فسح المجال لممارسات اعتباطية غاب عنها العمق وغلب عليها الشطح والفجاجة، فكانت النتائج عكس المخطط له، فانهار المعبد على المتعبد.. بما أنك عضو في المجلس الوطني لاتحاد الكتاب الجزائريين، ماهو تصورك لمستقبل هذه الهيئة التي عرفت أزمات كثيرة؟ -- حقا .. الاتحاد عرف أزمات، ومر بنكبات، وأصابته حالات من الوهن والتراجع وحتى كاد أن يتفكك ويندثر.. هو كهيئة بريء منها.. لأن هذه الانتكاسات لا تحدث إلا بفعل فاعل، والسبب أن الذين أسسوا الاتحاد في البداية لم يحصنوه، ولم يعززوا مناعته بالتطعيم ضد وباء الأنانية والذاتية، والربوبية، والجهوية، ولون الكتابة، وسياسة الكتابة... لهذه الأسباب وغيرها كان دائما عرضة لمثل هذه الهزات، وكأنه يقف على صفائح متحركة، الإيديولوجيات تتجاذبه إلى أحضانها حتى تمتطيه، ومع ذلك في صلب الاتحاد جينات المقاومة، وفكر الانعتاق، والحياد، من منطق الكتابة ثورة والثورة لا تمارس في الخفاء . الاتحاد أفراد أو أعضاء أو أطراف بما لها من انتماء أو مصلحة أو هواجس تريد أن تخوض حرب بعيدا عن ساحتها أو نيابة عن غيرها، فالكاتب الذي يحاول أن يصل على صهوة حزبه بدلا من قلمه فهو أداة .... نلاحظ غياب اتحاد الكتاب عن الحركة الثقافية محليا. ماهي أسباب هذا الغياب؟ - إن الغياب لا يعني الاتحاد لوحده، ولكن الغياب الذي له أسبابه ومبرراته وإن لم يقتنع بها الآخرون، فأي نشاط يحتاج من أجل تجسيده إلى دعم مالي الذي أصبح أكثر من ضرورة، فيخطئ من يتصور أن الثقافة تنجز بالمجانية وإنما تتم بأقل التكاليف وإخف الأعباء، فالتكفل بالمثقف ليس إيواء وإطعاما ولو حوصرت العملية في ذلك فبيوت الأصدقاء مفتوحة للأحباب، لقد تدخلت عوامل أخرى هي مساعدة ومحركة للفعل الثقافي كتعويض نفقات السفر مثلا، والفرع غير قادر على ذلك على الأقل في الوقت الراهن.. هذا من جانب، ومن جانب آخر تحتاج المبادرات إلى تكاتف الجهود وتلاقي الأفكار لتجسيد ما هو معقول ومقبول وملائم للمنطقة حتى نتحاشى الاستنساخ الثقافي والولائم التي لا لون ولا طعم ولا رائحة لها. نحن كفرع فتي، ومن خلال يومية الحوار، نعلن أننا نحاول تجسيد الطموح والرغبة الملحة في ترسيم ملتقى البعث الأدبي الذي نسجله في كل جلسة من جلسات المجلس الوطني للاتحاد بالإضافة إلى محاولة إحياء بعض المبادرات التي شهدها الركح الثقافي التبسي.. كثر بين كتاب ولاية تبسة هذه الأيام الحديث عن التهميش في عملية الطبع، متهمين في ذلك فرع اتحاد الكتاب بالإقصاء.. كيف تفسر ذلك بصفتك رئيس فرع الاتحاد؟ -- أولا أصدقكم القول إننا وبكل موضوعية ننقل إلى الأعضاء كل ما يصلنا من معلومات أو تعليمات من الأمانة أو المجلس الوطني، ثانيا فقد قمنا أنا وزميلي في المجلس وعضو الأمانة الوطنية بتبليغ هذه التوصية لكل من يريد نشر أعماله، فما عليه إلا أن يؤمن نسخة وقرصا مرنا، وحددنا لذلك آجالا نحن ملتزمون من خلالها مع الأمانة الوطنية، وسعينا للتأجيل والتأخير خدمة لهؤلاء الزملاء الذين تأكدنا من عدم جاهزية بعضهم للطبع، والمواعيد غير قابلة للتأجيل أو تمديد الانتظار، والمعنيون بالعملية أعضاء الاتحاد بفرع ولاية تبسة لا يتجاوزون اثني عشر عضوا، أما البقية الباقية ممن يحملون من هم ثقافي ومعاناة ومنتوج إبداعي يستحق الرعاية والعناية ومعترف لهم بذلك، فهم غير منخرطين في الفرع وعليهم أن يحددوا انتماءاتهم، وبعد ذلك ستكون لهم شرعية انتقادنا ومعاتبتنا وحتى محاسبتنا عن أي تقصير. ظهرت مؤخرا فكرة ما يسمى المجايلة بين المبدعين، ما وجهة نظرك، وهل ترى أن جيلك تواصل إبداعيا مع الجيل الذي أعقبه؟ -- إن تجييل الأدباء بين شدّ ومدّ... من يعترف بها.. ومن يتجاوزها.. ومن يكرس لها. عندنا في الجزائر جاءت فكرة التجييل لخوض غمار معارك وهمية جانبية معطلة لا دافعة.. تؤخر ولاتقدم. هناك أطراف تتولى بمهارة تحريك خيوطها وتغذي وهج لهيبها، فكلما خفت إلا وطالعنا أحدهم متطوعا للنفخ في الرماد.. إن التجييل أراه سببا في إذكاء الفتنة الثقافية والفكرية.. التجييل فرضه السن والمرحلة ولايمكن أن تفرضه العملية الإبداعية .. إن نكران الآخر يؤدي بالحتمية إلى نكرانك.. وتغييب الغير إنما هو تأسيس تبرير المعاملة بالمثل، فالتجييل إنما هو تواصل وتكامل وتطوير لتحقيق الازدهار. لماذا استوطن الطيب عبادلية القصة القصيرة؟ -- الارتباط العضوي والوجداني لتلك العلاقة الحميمية بيني وبين القصة القصيرة، لم تكن في يوم أو مناسبة تشكل حصارا أو تقييدا للتحليق خارج هذا الفضاء، خارج الوطن القصة عشت السياحة في محاولات أخرى، نثر خاطرة مقالة وصولا إلى الأغنية باللغة الثالثة وصولا إلى الرواية، ومع ذلك اعترف أنني استوطن القصة القصيرة كأنها الحب الوحيد.. والنبض المتسارع في شراييني .. وهي من باب كم منزل في الأرض يألف الفتى .. أو بعبارة أخرى أكثر تعبيرا .. وما الحب إلا للحبيب الأول. نلاحظ من حين إلى آخر ظهور أسماء مبدعة شابة، هل برأيك أن جيل الشباب قادر على إعطاء واضافة الجديد لساحتنا الثقافية أم أنه يعمل على استنساخ الأعمال سابقة؟ -- لا يمكن فصل الذات عن واقعها.. ولا يمكن أن تفصل الكاتب عن مجتمعه ومحيطه، فكل ما حول الشباب براق ومضيء.. ومبهر .. بدءا من الدرس في القسم وصولا إلى هذا التناسل الفوضوي في المركبات والسيارات والأطعمة والألبسة و... غيرها، العالم في سباق مهول نحو الهاوية، وكل جديد يومه هو قديم نموه، يعني أن مرة أو سن العمل محدود، فحتى العملية الإبداعية أصبحت منتوج بيوت مكيفة كلما تعاملت مع الهواء الاجتماعي العام أصابها الزكام القاتل. منتوج اليوم سعته التنفسية ومناعته الذاتية سريعة الانهيار، والجيل الشاب إذا أراد الوصول عليه أن يترجل من ركوب الموجة وعليه أن يتعلم كيف يعاند هذا التيار.. فالكتابة أمواجها عاتية عالية، وعليه دائما أن يحذر من الكوارث غير المتوقعة.. نعود إلى محتوى نصوصك، ماذا تعني المرأة في قصص الطيب عبادلية؟ -- المرأة قديس يسير بالحب .. ويدعو إلى المحبة.. ورحم يعلن الميلاد.. والمرأة إنما هي منابع الوجد وتفاعلات الحياة، رغم أنها عضو فاعل ومؤثر لأنها لم تكن في يوم من الأيام عبئا اجتماعيا، فهي رمز من رموز العطاء والتضحية.. ورغم أننا كمجتمع شرقي يتطور ويزدهر ومع ذلك تبقى مرجعيته العرف والتقاليد، أننا لا نغفر للمرأة أبسط وأتفه الأخطاء، رغم أننا نعدها بالجنة الخضراء.. المرأة في قصصي ضحية، مغلوبة، حائرة، مقهورة مكسورة ومصادرة العواطف.. عليها بحكم أزلي.. وان كانت المرأة هنا غير مسؤولة عن فشلها، فالمجتمع جلاد وهي ضحية، فقط هي مستسلمة لقدرها الاجتماعي، ومع ذلك فهي في أقدس الحالات، تلك المرأة الشقراء التي تسكن ضوضاء المدينة أو السمراء القادمة من أعماق الريف الهادي.. ولمن يقرأ عبادلية؟ -- كل ما هو في المتناول أقرأه.. وأتابعه.. ما زلت من حين إلى حين التزم بنصيحة أستاذي الفلسطيني حين قال لي ''هي عادة جميلة.. القراء متعة واستمتاع، والكتاب خير جليس'' أقرأ كذلك كتابات الأحبة والأصدقاء.. وأقرأ... التعليقات (3) هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته أرسلت بواسطة سوالمية رضا , June 21, 2008 تحية للزميل المتألق سليم دريد التقيت به مرتين وسمعت عنه مرات كنتُ أسمع عنه - حكايات جميلة حتى شغفني فضولاً لمقابلته إلتقيت به فكانت الحكايات ...ولن أكمل. ... أرسلت بواسطة مرا , August 02, 2008 لماذا لا تنشورون