التجربة بنت الذاكرة.. مسلمة لا مندوحة من تأكيدها، وما تجلت في موضع قدر تجليها في حرفة الكتابة التي ظلت في جدارية الزمن العربي حقا رجوليا لا نصيب فيه للمرأة، حتى إذا ما تناهض الوعي النسوي لدينا بقضايا الإنسان الكبرى وسال حبر ذاكرتهن المثخن بالجراح والهموم والمثقل بالآلم والأوجاع، انقشع وميض خافت في دهليز الأفق العربي تمزق سديم صمته وظلامه أصوات أنثوية تعزف بكلمات من العقل وأخرى من أصقاع الروح، أجمل ترانيم قصة الإنسان في كامل ربوع أزمنته الوجودية، الحاضر منها والماضي والمستقبل. جميلة طلباوي، رنين من ذاك الصوت الرومانسي المسموع على الأثير والمقروء في الكتب يرنوا بدلالاته وجمالياته إلى إمتاع المتلقي بوفير مكنوناته في المعرفة والوعي بالتاريخ عبر جناحي الأدب والصحافة، سألنا جميلة واستمتعنا حقا في أجوبتها بما سبق وأسلفنا القول.. ** كتبت الخاطرة ولازلت أكتبها في هامش ما، والبدايات كانت متعة مع الكلمة وأنا التي تغذى خيالي على كتابات جبران خليل جبران بما تحمله من معاني المدرسة الرومانسية وظّفتها في ذلك البوح التلقائي على شكل خواطر. ومع تنوع القراءات والغوص أكثر في معاناة الإنسان في هذه الحياة، بدأت تتشكل الأحداث في أوراقي وتتخذ أشكالا متعدّدة من قصيدة نثرية إلى قصة إلى رواية. ** أكيد الفضاء السردي يمنحك تلك الحرية للغوص أكثر في النفس الإنسانية، للتصالح مع الذات، مع التاريخ، مع الآخر.. يمنحك ذلك المجال للحوار وتحريك أكثر من شخصية وإبراز أكبر للتجارب الإنسانية، والتوغل أكثر في أنفاق الذاكرة، بل أنّ السرد يشمل الشعر والخاطرة بطريقة ما لإعطاء متعة القراءة وشعرية النص، وإلا لما سمّيت الرواية بديوان العرب الجديد. ** كل جديد يثير جدلا وتباينا في الآراء، إن لم أقل كثيرا ما يرفض الجديد خوفا على ضياع ما هو موجود أو موروث. الرواية الجديدة في الجزائر جاءت بعد مخاض عسير وتحوّلات كبيرة شهدها المجتمع الجزائري، بما فيها تلك العشرية السوداء التي خلقت آليات لدى المبدع الجزائري من جيل الشباب بالأخص للإجابة عن تساؤلات كثيرة ملتصقة بواقع دام، إنها نصوص تحفر في عمق الذات والمجتمع. وإن أبدى بعض النقاد تحفظا حول شكل الرواية الجديدة في الجزائر وذهب البعض لاعتبارها لونا من السيرة الذاتية، فالبعض الآخر اعتبرها إضافة نوعية للرواية العربية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أقف عندما كتب الأديب التونسي حسين العرباوي في جريدة الصباح التونسية: ياسمينة صالح اسم يبدأ الآن ولن ينتهي، لأنّه ارتبط بالإبداع الجميل الذي يمضي هادئا وثائرا، إنّها الدم الجزائري الجديد الذي لا يخشى مواجهة الماضي والتاريخ معا، وهي ببساطة بحر صمت من التميّز. وبحر الصمت كنموذج عن رواية الجيل الجديد من الروائيين، نالت بها الأديبة المبدعة ياسمينة صالح جائزة مالك حداد عام 2001م، ونالت ياسمينة صالح جوائز في السعودية، العراق وتونس. هذا كنموذج للترحيب الذي تحظى به الرواية الجديدة في الجزائر، لأنّها فعلا نجحت في التجديد، ملتصقة بواقع المجتمع وموروث الأمة، متطلعة إلى الآفاق الرحيبة. وهنا أستحضر كلمة للروائية الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي حين قالت: وحده الوقت وأكاد أقول الموت هو الذي يحكم لكتاباتنا أو عليها حتى يخيّل إلي بأنّنا نحتاج إلى موتنا كي ندرك إن كنّا حقا كتّابا. ** تمنّيت لو طرح السؤال على أحد النقاد الأفاضل، أو بالاطّلاع على ما كتب حول "أوجاع الذاكرة" التي صدرت في طبعتين، الأولى عن مطبوعات دار الثقافة لولاية بشار، وطبعة عن منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق في ديسمبر 2008م. النقاد اعتبروا "أوجاع الذاكرة" أكثر نضجا من "وردة الرمال" الصادرة عن الجاحظية عام 2003 ومن "شاء القدر" الصادرة عن الجاحظية عام 2006م، سواء على المستوى الفني أو على مستوى الفكرة التي أسست لأحداث هذه الرواية القصيرة. ** بيئتنا الصحراوية بيئة شعرية وللغة الشعر خصوصية مرتبطة بحياة البداوة وأصالة الخيمة، لذا نجد أغلب الشعراء والشاعرات يقولون أشعارهم باللهجة الدارجة وعددهم كبير جدا، لاسيما على ضفاف وادي قير بدائرة العبادلة التي تبعد عن مقر الولاية بحوالي 88كم عند قبيلة دوي منيع، وعلى ضفاف وادي الساورة، خاصة في دائرة أولاد خضير في أقصى جنوب ولاية بشار عند قبائل الغنانمة، الشعر موجود بقوة ومازال الشاعر في هذه المناطق يحتفظ بهيبته ووقاره، وهنالك شعراء وشاعرات يقولون شعرا فصيحا جميلا، لكنّهم لم يبرزوا لعدّة عوامل، أهمّها المناخ الاستهلاكي الذي ساد كوضع عام، فقليلون هم الذين يقبلون على المنابر الثقافية كمشاركين أو كجمهور. في جامعة بشار مثلا، يوجد نادي ابن خلدون يضمّ شعراء شباب ممتازين. لكنّهم اختاروا الظل إلى إشعار آخر، عند ذلك الحين سيغمرون الساحة بأفراح كلماتهم، مثلما فعل الشاعر القدير من مدينة تندوف، عبد الله الهامل. ** هناك مجموعتان، الأولى قصصية والثانية شعرية، ستأخذان الطريق إلى الطبع إن شاء الله. ** شكرا جزيلا على هذه المساحة التي خصصتموها لبوحي ولكلماتي، متمنية لكم ولجريدتنا الغرّاء "الأمة العربية"مزيدا من النجاح والازدهار.. وكل عام والإبداع بخير في الجزائر الحبيبة.