البحث العلمي يتحول إلى محرك اقتصادي: 80 شراكة مبتكرة و3249 براءة اختراع في سنة واحدة    سوناطراك توقّع عقود إنجاز ثلاثة مصانع كبرى لتحلية مياه البحر وتعزّز الأمن المائي الوطني    انطلاق إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد ببوفاريك في خطوة نوعية لتعزيز الأمن الصحي الوطني    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    هدر غير مبرر للكهرباء والغاز في فصل الشتاء    تبسة : وضع اللمسات الأخيرة على مشروع استراتيجي    أطفال غزّة يموتون برداً    من أزمة القيادة إلى مأزق الإرادة    الجزائر خاضت خلال عهداتها حروبا دبلوماسية حقيقية    دعوة إلى التعجيل بإصدار القانون التجاري الجديد    دراسة ومناقشة نصوص قوانين ووضعية الأسئلة الشفوية    أطفال يمارسون حرفاً متنوعة خلال العطلة الشتوية    نُثَمِّنُ " عاليا" جهود الدولة في مجال حماية وترقية الطفولة    تواجد ميداني للحفاظ على الأمن العمومي و السلامة المرورية    أعضاء النقابات مدعوون لتسوية وضعيتهم القانونية    ملتقى وطني للأدب الشعبي الجزائري بالجلفة    ينشر عرضا عن استعمال موارده المالية والبشرية لعام2025    الاستعمال العقلاني للمضادات الحيوية أولوية وطنية في إطار الأمن الصحي    رئيس الجمهورية يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء    إرادة جزائرية تتأكد في مرافقة إفريقيا في مشاريعها التنموية    القانون كرس إجراءات صارمة لكشف ومكافحة هذه الجريمة    نعمل بانسجام مع الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني    "الخضر" بالعلامة الكاملة في الدو الثمن النهائي    شبيبة القبائل تعود إلى سكة الانتصارات    مطار هواري بومدين ضمن أكثر 10 مطارات إفريقية استيعابا للمسافرين    مشاريع رقمية مبتكرة في الأفق    الرئيس تبون حريص على إشراك الشباب في بناء جزائر قوية    استكمال التسجيل وتصحيح الملفات المرفوضة قبل 6 جانفي    47 خدمة عصرية على البوابة الوطنية للخدمات الرقمية    حين تتحول الأرقام إلى واقع    كواشف الغاز.. بين جهود الدولة والسلوك غير المسؤول    انطلاق الأيام الوطنية التكوينية للمقاولاتية لذوي الهمم    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة اليوم    رفع التجريم عن أخطاء التسيير يؤسس لبيئة اقتصادية تنافسية    مبارك دخلة.. من رفوف "الكاسيت" إلى "التريند" الرقمي    مؤسسات الثقافة تحتضن الأطفال بأنشطة هادفة    تواصل الدورة السابعة للمهرجان الوطني للفرق النحاسية    الفريق يواصل هدر النقاط    عنابة تحتضن أبطال الشرق    بلومي يُصاب مجدّدا    تيميمون تحتفي بالطبعة 17 للمهرجان الوطني للأهليل وترسخ تراث الواحة الحمراء    سنفعل ما بوسعنا للفوز والإقناع    الاتحاد يقتنص نقطة    اختتام الطبعة ال33 لمعرض الإنتاج الجزائري    رفض عربي وإسلامي واسع لاعتراف الكيان الصهيوني ب"أرض الصومال" وتحذير من تداعيات خطيرة على الأمن الدولي    دار الثقافة ابن رشد بالجلفة تحتضن الملتقى الوطني الثاني للأدب الشعبي الجزائري    البليدة : افتتاح المهرجان الثامن لموسيقى وأغنية العروبي    الجزائر تهيب بكافة الأطراف اليمنية للتحلّي بروح المسؤولية    التصويت بالإجماع على قانون تجريم الاستعمار وفاء لرسالة الشهداء    تمديد مدة المرحلة الثانية للتلقيح ضد شلل الأطفال    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    التكفل بمخلفات المستحقات المالية للصيادلة الخواص المتعاقدين    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال من التاريخ.. ''باني مراكش''
نشر في الحوار يوم 24 - 09 - 2008

هذا الحديث عن عبقري من عباقرة التاريخ الإسلامي، وعن موقعة من أعظم المواقع الحربية في تاريخ الشرق والغرب، ولابد لي قبل الكلام على هذا الرجل العبقري، وعلى هذه الوقعة الفاصلة من شيء من التمهيد التاريخي . أعود بكم إلى القرن الخامس، وأذهب بكم إلى صحارى المغرب الأقصى . وقد كانت هذه الصحارى يومئذ لقبائل ( زناته )، فزاحمتها من الجنوب قبائل جديدة، أقوام بعدد الحصى والرمال يعرفون بالملثمين.
لأنهم يتلثمون أبدا في الحرب وفي السلم، ويذكرون في تعليله أن العدو أغار عليهم مرة، وكان الرجال بعيدون عن الحي، فلبس نساؤهم لباس الرجال، وتلثمن وركبن الخيل، فحسبهم العدو رجالا، وخاف وهرب . فلزموا اللثام من ذلك اليوم تبركا به، وكانوا جن الحروب، ومردة المعارك، وكانوا عجائب في الشجاعة والإقدام . وكانوا في الأصل على جهالة مطبقة، فأحب زعيمهم أن يعلمهم الإسلام وأن ينور به قلوبهم، فاختار فقيها من القيروان اسمه الشيخ عبد الله الجزولي، وكان هذا الشيخ وحده سبب هداية هذه الخلائق، ونقلها من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان، ومن الصحارى الإفريقية الجنوبية، إلى ملك المغرب كله والأندلس، وهو الذي جعل كل واحد من الملثمين، داعية إلى الله، ومجاهدا في سبيله كل طاغية يقف في وجه هذه الدعوى، ويمنعهها أن تسير، ولم يكن سبب هذا النجاح أنه كان أعلم الناس علما، وأنه كان أفصحهم فصاحة، فلقد كان في الناس من هو أعلم منه وأبلغ، ولكن سببه الأوحد أنه كان مؤمنا حقا، وكان متحمسا راغبا في الإصلاح، وأنه لم يكن يطلب الجاه ولا المال ولا الضياع ولا اللذات، بل يطلب الله والدار الآخرة . وكانوا يعرفون بالملثمين فسماهم المرابطين، وكان هذا الفقيه هو الحاكم، وهو الذي يصرف الأمر، ولكنه مع ذلك لم يدع الإمارة، بل تركها ليحيى اللمتوني، ولما مات ولى مكانه أخاه أبا بكر اللمتوني، وتوفي هذا الفقيه بعدما أسس الأسس، وأقام الدعائم لدولة المرابطين، التي ظللت رايتها فيما بعد المغرب كله، من تونس إلى البحر الأطلنطي والأندلس، وما خص نفسه يوما بطيب مأكل أو لين ملبس، ولم يكن له أرب في النساء. ومن هنا ترون أن عالما واحدا يعود إلى الله بإخلاص، يحيي به الله أمة كاملة . وانفرد أبو بكر اللمتوني بعد موت الفقيه الجزولي بالأمر، فجاء بشاب من بني عمه اسمه يوسف بن تاشفين، فولاه قيادة شطر من الجيش أبقاه في صحراء المغرب، ليتم العمل الذي بدأ به الشيخ الجزولي، وعاد هو إلى الجنوب، إلى بلاد قومه من (لمتونة) ، لأن امرأة من قومه ظلمت فنادت : لقد ضيعنا أبو بكر . فقال لها : لبيك . وأسرع إلى بلاده . يقيم الحق والعدل فيها ويصلح من أمرها، ويجاهد الكفار من حولها، وبقي ابن تاشفين في الشمال . ولا نعرف من أي جاء ابن تاشفين، ولا ندري كيف نشأ، ولا يحدثنا التاريخ عن ذلك شيئا، ولا نعرفه إلا يوم ولي هذه القيادة. ولي القيادة، ولم يكن للمرابطين إلا الصحراء يعيشون فيها بدوا رحلا، ويسيطرون على قبائلها، فسار بهم ابن تاشفين إلى المدن، إلى فاس، حاضرة المغرب، وكبرى مدنه، فافتتحها، وأقام عليها أميرا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله . ثم توجه إلى طنجة، في طريق ما سلكها قبله جيش، فافتتحها وأقام عليها أميرا . وما زال يفتح المدن، مدينة بعد مدينة، حتى فتح مدن المغرب الأقصى كلها، ثم ملك الجزائر، ثم توجه إلى تونس فغلب عليها . وكان في كل بلدة أمير، يظلم الناس، وحكومة تعيث في الأرص فسادا، فجعلها كلها حكومة واحدة . من تونس إلى البحر، البحر الذي بلغه من قبل الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع فخاضه بفرسه وقال : اللهم لولا هذا البحر لمضيت مجاهدا في سبيلك، حتى أفتح الأرض كلها أو أموت . وعاد ابن تاشفين، فاختار موضعا نزها، حوله جبال تطيف به من بعيد، اسمه مراكش، ومعناها بلغة البربر ( مر مسرعا ) لأنه كان مأوى للصوص وقطاع الطرق فبنى فيه مدينة مراكش، سنة 564 ه؛ وعاد أبو بكر فاستقبله ابن تاشفين وأظهر له الخضوع، ولكنه لما رأى ما بلغه من القوة والأيد، ترك الأمر له وعاد من حيث جاء، يجاهد في الصحارى الجنوبية حتى مات شهيدا، وانفرد ابن تاشفين بالأمر . وكان ابن تاشفين هذا نحيف الجسم، أسمر اللون، خفيف الحية؛ دقيق الصوت . يحسبه من يراه ويسمعه، رجلا ضعيفا مسكينا، فإذا خبره وجده الأسد قوة ومضاء، والصقر حدة بصر، وسرعة انقضاض؛ وكان محاربا ليس له نظير؛ وقائدا من الطبقة الأولى من القواد، وكان خيرا عادلا، يميل إلى أهل العلم والدين، ويكرمهم ويجعلهم أصحابه وبطانته، ويحكمهم في نفسه وفي بلاده، ويتبع حكمهم ما داموا يتكلمون بلسان الشرع، ويحكمون بحكم الله، وكان يحب الصفح، ويميل إلى العفو، مهما عظم الذنب وجلت الخطيئة، وكان زاهدا متقشفا لم يستأثر بمطعم ولا مشرب، ولم يرتفع في عيشه عن عيش أفقر رعاياه، فعاش حياته كلها لم يعرف القصور الفخمة، ولا الموائد الحافلة، ولا حياة السرف والترف، لم يأكل إلا خبز الشعير ولحم الإبل، ولم يشرب إلا لبن النياق، وكان قوي الجسم مشدودا، وبقي على ذلك حتى قارب المئة . وكانت الألقاب فاشية في الأندلس، فكل من حكم فيها بلدة، أو سيطر على ناحية من الأرض، اتخذ أبهة الملك، وألقاب السيادة، وهو قد أسس دولة من أكبر دول الإسلام وبنى مدينة من أجل المدائن، ومارضي بأن يكون المسلمون إلا دولة واحدة، وكتب إلى الخليفة العباسي يستمد منه الإمارة، فأرسل إليه بمرسوم الولاية على المغرب، وسمى نفسه ( أمير المسلمين ) ، وأعلن أنه تابع للخليفة في بغداد .
( يتبع )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.