ينظر الناس بعين الريبة والدهشة وحتى الاستنكار إلي كل شخص جاوز الخمسين من العمر ومازال يمارس ويصر على العيش وفق نمط شبابي أو حتى صبياني اتفق الناس علي وصفه بأوصاف مختلفة قاسية في كثير من الأحيان تبين رفض المجتمع لمثل هذه الظواهر، واتفق المختصون علي تسميتها بالمراهقة المتأخرة في حين يجمع الأخصائيون النفسانيون على تسميتها بأزمة منتصف العمر. يمر الإنسان بمراحل مختلفة خلال دورة الحياة تبدأ بالطفولة ثم المراهقة ثم الشباب والنضج وأخيراً الشيخوخة، وبينما ينتقل البعض من مرحلة لأخرى بسلاسة يكون هذا الانتقال لدى البعض الآخر مصحوباً بأزمات وعدم القدرة علي تقبل المرحلة الجديدة بشكل جيد. وتبدأ المرحلة لدى الرجال بعد سن الخمسين لا يريد الرجل حينها أن يحشره الآخرون في زمرة الكبار، رغبة منه في البقاء مع الشباب، وهذا ما يفسر صدمة الكثير من الفتيات عندما يتلقين المعاكسات في الشارع من قبل أشخاص كبار في السن تجاوزوا الخمسين من العمر وأكثرهم يتلقى وابلا من الشتائم التي يفرزها استنكار الناس لمثل هذه الأفعال، تأتي في مقدمتها العبارة الشهيرة ''الشيب والعيب''، حيث يتفق الجميع على أنها الأقدر على وصف مثل هؤلاء الأشخاص. تقول سمية طالبة بجامعة باب الزوار تصادفني الكثير من هذه المظاهر في الشارع خاصة بالقرب من الجامعات، لا اخفي اشمئزازي من أشخاص يطلبون مرافقة فتيات في عمر بناتهن وأحيانا حفيداتهن ويتلفظون بعبارات غزل وغيرها دون خجل. والأدهى من ذلك أنهم يبدون واثقين جدا من أنفسهم. أما صديقتها أمينة فترى أن مثل هؤلاء الأشخاص موجودون بكثرة بيننا، وقد تعود الناس عليهم واغلب الفتيات يستغللن معرفتهن بهم لغرض مادي بحت وكثير من الناس يردون تصرفاتهم إلى المراهقة المتأخرة مع أني لا أرى أن تلك حجة كافية لسقوط رجال من عالم الرشد إلى طيش الشباب والمراهقة. وبالإضافة إلى رأي أمينة وسمية فيكفي أن يقوم أي شخص بجولة بسيطة في الشارع ليكون شاهدا على كثير من هذه الظواهر التي بات الشارع مسرحا لها ويربطها الجميع بالمراهقة المتأخر التي تسيطر بإحكام على هؤلاء الأشخاص، تقول الدكتورة غنية عبيب أخصائية نفسانية إن المراهقة المتأخرة هي مشكلة تصيب الرجل عندما يكون هذا الأخير في قمة العطاء الوظيفي والنجاح ويرافق ذلك إحساس بالفشل في الحياة الخاصة وعدم الإحساس بالأمان أو الإحساس بأنه لا قيمة له وأن قطار الحياة قد فاته يحول تفكيره إلى جهة أخرى قد تعيد إليه جاذبيته التي افتقدها، ويحاول لفت انتباه الآخرين بصورة يراها هو صحيحة ومفيدة ويراها غيره أنها غريبة ولا ينبغي لأحد في هذا السن فعلها. ''حياتهم الزوجية غير مستقرة في الغالب'' وتضيف الدكتورة عبيب أن هؤلاء الأشخاص ينتابهم الخوف من المستقبل وتتميز حياتهم الزوجية بعدم الاستقرار. أما العوامل المؤدية إلي تفاقم أزمة منتصف العمر فترى الدكتورة أن الرجال يعانون من أزمة منتصف العمر خاصة إذا تزامنت مع وجود خلل في العلاقة الزوجية أو مع الأبناء، أو أن يحس الرجل بأنه لم يحقق كل ما كان يحلم به بالإضافة إلى تقييم الرجل لنفسه حيث يربط ذلك بنجاحه في عمله ومواجهته للفشل في هذه المرحلة قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير. كما أن عدم التوافق الثقافي والاجتماعي والفكري مع الزوجة، في مقابل احتكاكه بالأخريات في بيئة العمل أو الحياة الاجتماعية يشجعه على ربط علاقات جديدة في هذا العمر، كما أن الزواج وتحمل المسؤولية في سن مبكر مع استمرار الزواج لسنوات دون وجود لغة حوار بين الزوجين أو اهتمامات مشتركة فيشعر الرجل بعد أن وصل لمرحلة النضج بالرغبة في أن يعيش حياته من جديد، وقد يساعده على ذلك استقراره المادي فيبدأ بالبحث عن فتاة صغيرة. أما الممارسات الأكثر شيوعا والتي تظهر من خلالها ملامح المراهقة المتأخرة هو ما نلحظه لدى كثير من الأشخاص كمحاولتهم تجديد الشباب والتمرد علي الشعر البيض والتمسك بالطابع الشبابي في المظهر والملابس وتجديد المشاعر بالبحث عن امرأة أخرى يشعر معها بأنه مرغوب.