الاعتداءات التي يمارسها بعض النواب والمسؤولين على المواطن لم تكن حالات عابرة بالمرة ، فقد تكررت في أكثر من مناسبة ووصل الأمر ببعض النواب أن أشهروا سلاحهم في وجوه المواطنين، ورغم إدراكنا أن مثل هذه الحالات تعد قليلة جدا إلا أنه لم يكن من الممكن تفويت الأمر وجعله وكأنه ظاهرة عادية. وقد اتفق كل النواب الذين اتصلت بهم "الأمة العربية" على رفضهم لهذه الظاهرة معتبرين أن الاعتداء الجسدي على المواطن أو الموظف مهما كانت مببراته أمر مرفوض جملة وتفصيلا . اعتبرت النائب في المجلس الشعبي الوطني نعيمة فرحي أن ظاهرة اعتداء بعض النواب أو المسؤولين على الشعب أو الموظفين ظاهرة مرفوضة، متسائلة " إن كان نائب في البرلمان يتصرف بهذا الشكل ، ماذا سيكون عليه الأمر لباقي الشعب ..؟ " موضحة أن مثل هذه الظاهرة تبطل الثقة بين النائب والمواطن الذي انتخبه ويصير التمثيل النيابي بلا جدوى ، وهذا ما يصيب المواطنين بالإحباط ويشعرهم أنهم أخطأوا في اختيارهم وهذا ما يؤدي حسب فرحي إلى عزوف الكثير من شرائح الشعب لمعاودة الانتخاب في العهدة التالية لاعتقادهم أن النواب على شاكلة واحدة، وعن تجربتها في المجلس النيابي وعلاقتها بالشعب، صرحت نعيمة فرحي أنها بدأت حملتها الانتخابية من الشوارع وبين الشعب وجلست معهم على الأرض واقنعتهم بجدوى التصويت عليها، فلا يعقل أن تخذلهم بالاعتداء عليهم ، وتواصل فرحي كلامها " وعلى افتراض أن المواطن هو الذي قام باستفزاز النائب، فالواجب على النائب أن يصبر ويحاول حل المشكل وديا، ولا ينسى أنه يمثل الشعب ويمثل وطنه وأن منصبه تكليف وليس تشريفا، وإذا اقتضت الضرورة ، يحتكم النائب إلى القضاء فهو أولا وأخيرا مواطن مثله مثل أي مواطن، وبين هذا وذاك عليه أن يراعي ظروف المواطن وما يعانيه . وتوضح نعيمة فرحي أنه حسب ما ورد إليها من معلومات أن هذه الاعتداءات حدثت بسبب أمور تافهة كان على النائب أن يترفع عنها ولا يعطيها أدنى اهتمام أو بإمكانه كسب ود المواطن بطريقة مهذبة ودبلوماسية ، مشددة على ضرورة تفهم النواب للشعب الذي يمثلونه، معتبرة أن الظروف الاجتماعية من فقر وبطالة والكثير من الأمور كلها تضع المواطن في بعض الأحيان في مواجهة النائب ، وعن سؤالنا عن تصرفها إذا ما تعرضت لموقف عنيف من طرف أي مواطن ردت نعيمة فرحي " أنها بطبعها دبلوماسية ولا تلجأ إلى العنف والأمر الثاني أنها محامية وقانونية وبالتالي ستحاول معالجة الموقف بطريقة دبلوماسية ، وأنها ستواجه "الشتيمة"التي يوجهها اليها أي مواطن بابتسامة عريضة ولن تنزلق إلى مستوى لا يشرف منصبها ولا يعطي صورة مشرفة عن شخصها وعن الشريحة التي تمثلها، مؤكدة أنها تدرك جيدا مسؤولياتها اتجاه الشعب واتجاه وطنها، لتختم كلامها بالقول أن النائب مهما كان هو بشر له عقلية المجتمع الذي ترعرع فيه، لكن في المقابل عليه أن يعي حجم مسؤوليته ويعرف مقام منصبه الذي لولا المواطنين البسطاء لما وصل اليه . نائب حركة مجتمع السلم بلخير طاهر اعتبر أن الظاهرة لها خلفيات ثقافية ، مؤكدا أن المجلس الشعبي الوطني يجمع الكثير من الشرائح من النائب الدكتور إلى النائب الأمي ، وبالتالي معاملة دكتور في البرلمان لمواطن هي غيرها لنائب أمي ، رافضا ظاهرة استغلال الحصانة من طرف بعض النواب لفرض منطقهم على الناس والاعتداء عليه بالضرب، لافتا النظر إلى أمر مهم وهو أن هناك من النواب من اشترى منصبه وأمثال هذه الشريحة من النواب ينسون أنفسهم ويعتقدون أنهم وصلوا بطريقتهم الخاصة، وهناك من انتخبه الشعب حقا والبون هنا شاسع حسب نائب حركة مجتمع السلم ، وأشار بلخير إلى أساس التربية والمنبت الذي نبت منه النائب، معتبرا أن النائب الذي ألف التعامل بالعنف قبل أن يكون نائبا ودأب على سلوكات شاذة من الطبيعي أن تظل عالقة به حتى وهو ممثلا للشعب ، ومن جهة أخرى أعتبر النائب أن النواب ليسوا ملائكة ولا يجب النظر إليهم على أنهم ملائكة يمشون في الأرض ، ولا يجب أيضا للمواطن أن ينظر للنائب على أنه " عامل " عنده يلبي له ما يريد وما يطلب وهذا حسب بلخير ما يؤدي بالنائب بالشعور أنه اسفتزاز من طرف المواطن لشخصه، مشددا على النواب أن يتميزوا بالصبر وأن يتفانوا في خدمة من انتخبوهم وعليهم أن لا يعتقدوا أنه يوجد من يشكرهم فقط من المواطنين فهناك دوما ناقدين لأدائهم وساخطين وعليهم أن يكونوا مهيئين لتقبل الآراء من المواطنين مهما كانت قاسية . استنكر ممثل الشعب عن حزب الأرندي ياسين داودي ظاهرة اعتداء بعض النواب على الشعب او الموظفين، معتبرا أن هذا الأمر ليس منطقا تعالج به الأمور ، معترفا أن مثل هذه الظاهرة تعد حالة شاذة لا يقاس عليها لأنها نادرا ما تحدث مقارنة بدول أخرى ولا يجب التعميم في مثل هذه الحالات يقول داودي ، ويضيف النائب أن الظاهرة منتشرة في عدة هيئات ومصالح وليست مقتصرة على النواب ، مشددا في نفس الوقت على الوظيفة الحقيقية للنائب في البرلمان الذي قال أن واجبه المراقبة والتغيير لما يخدم البلاد والعباد ، معتبرا أن الدستور فصل في مهام البرلماني وبين الوظيفة الحقيقية للنائب ، ورغم اعترافه بوجود اعتداءات على الشعب من طرف بعض النواب إلا أنه اعتبر أنها مبالغ فيها وهي لا تنطبق على النواب ككل ، مؤكدا على رفضه القاطع لطريقة الاعتداء الجسدي الممارسة من طرف بعض النواب وحتى من بعض المسؤولين على الشعب حتى ولو كانت الظاهرة شاذة ونادرا ما تحدث ، مستغربا في الوقت نفسه لجوء أي نائب مهما كانت حجته إلى استعمال العنف ضد أي مواطن . قالت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم أن القانون واضح فيما يخص اعتداء النواب على المواطنينن فحينما يكون الاعتداء من طرف النائب كبيرا وخطيرا مسببا أذى على المواطن " وفاة أو جراح بليغة "، على المجلس الشعبي الوطني أن يجتمع لدراسة نزع الحصانة من النائب المعتدي، وفي حالات أخرى تحفظ القضية إلى أن تسقط الحصانة تلقائيا بعد خروج النائب من المجلس الشعبي الوطني لتباشر العدالة عملها وتفتح القضية ووتبث فيها . معتبرة أنه لا يوجد مببر مهما كان ليعتدي ممثل الشعب على من انتخبوه تحت أي ذريعة كانت ، في الوقت نفسه كشفت المحامية أن الظاهرة لا تقتصر على اعتداء نواب ضد الشعب بل وصل الأمر باعتداء النواب على بعضهم بعض حين رفع بعضهم في وجه زملائهم السلاح ، الذي هو من المفروض سلم لهم للدفاع عن أنفسهم من الاعتداءات الإرهابية وليس على بعضهم أو على عامة الناس. اعتبر الأستاذ أحمد رميتة مختص في علم الاجتماع أن ظاهرة اعتداء بعض النواب والمسؤولين على بعض المواطنين أو الموظفين هي شكل من أشكال العنف المتفشي في المجتمع، ويوضح الأستاذ رميتة أن الظاهرة مرتبطة بأسباب تاريخية تعمقت وتجذرت مع التحولات السريعة التي عرفها المجتمع الجزائري بعد الإستقلال ، حيث دفعت سلوكات الأفراد في مختلف المستويات الاجتماعية إلى ممارسة العنف ، معتبرا أن ظاهرة العنف لم تعد حالة شاذة ومقتصرة على مستويات معينة لأنها ظاهرة تمس كل المستويات الاجتماعية حتى تلك التي لا يتوقع منها انتهاج العنف، مثل الطبقات المثقفة والمسؤولين ونواب الشعب التي من المفروض حسب الأستاذ رميتة أن تجنح إلى الحوار ، وأضاف أستاذ علم الاجتماع أن الظاهرة أيضا تعود إلى ثقافة الشخص، حيث كمجتمع لا نملك قاعدة ثقافية وضرب رميتة عدة أمثلة ، بابن الفلاح الذي يعيش في بيئة معينة وبعد سنوات يصير أستاذا جامعيا دون أن يغير من ثقافته التي تربى وشب عليها، والأمر نفسه ينطبق على النائب الذي ينقل معه سلوكات الشارع التي تربى عليها إلى المجلس النيابي، فضلا عن أمر مهم يتمثل حسب الأستاذ أحمد روميتة في تطور النخب السياسية عندنا، فالمتعارف عليه أن النخب السياسية في العالم تتكون خلال فترات طويلة ، أما عندنا فالأمر مختلف، حيث النخبة عندنا تنتقل بسرعة أحيانا من بيئة عادية إلى بيئة سياسية كما هو حاصل مع النواب في البرلمان الذي ليس له تكوين سياسي قوي . ورغم أن الكثير من النواب يعتبرون أن هذه الحالات شاذة ولا تعبر على قناعة البرلمانيين إلا أنهم لم يتخذوا موقفا منها والسؤال هنا ماذا لو اعتدى مواطن على نائب في البرلمان ، ..؟ وللمواطن كلمته اتفقت الآراء حول ظاهرة اعتداء المسؤولين او النواب على المواطنين بالضرب، عند الكثير من المواطنين ، فسعيد 23 طالب جامعي يرى أنه من غير المقبول بالمرة أن يعتدي المسؤول أو النائب على المواطن تحت أي ذريعة مهما كانت ، متسائلا ما الفرق بين مسؤول يقوم بضرب مواطن وبين أي " شاب من شباب الشوارع الذي يمارس العنف ضد الآخرين، أما عمي حميد 66 متقاعد ، فأكد أنه يرفض أي اعتداء يمارسه أي مسؤول ضده ، مضيفا أنه لم يقبل الإهانة من المستعمر ولن يقبلها من مسؤول حتى لو اقتضى وقوفه أمام العدالة وكرامتي فوق كل اعتبار، أما محمد 32 سنة خريج جامعي وبطال، فقد أكد لنا أنه سبق له وأن اعتدى عليه أحد النواب وممثل أحد التنظيمات الثورية حين، كان يعمل بائعا في إحدى المحالات، لأن محمد رفض أن يلبي طلبه قبل الزبائن الآخرين، وعن سؤالنا لماذا لم يرفع عليه دعوى قضائية، رد علينا بتهكم كيف يرفع دعوى قضائية على ممثل هيئة ثورية ونائب في البرلمان ، وختم كلامها بالقول أنا أعيش في الجزائر وليس في سويسرا .