الخليل بن أحمد الفراهيدي أحد أئمة اللغة والأدب و يرجع إليه الفضل في تأسيس علم العروض ووضع أول معجم عربي، وله ريادته في اللغة والنحو وعلم الموسيقى والرياضة، كان الفراهيدي زاهداً متقشفاً ورعاً واسع العلم، قال عنه سفيان بن عيينة '' من أحب أن ينظر إلى رجل خُلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد''. نشأته وعلمه هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي أبو عبد الرحمن ولد في عمان عام 718م، والتي تركها متوجهاً إلى البصرة فبها نشأ وتلقى العلم على يد علماءها مثل أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر وغيرهم، وحرص الخليل على النهل من اكبر قدر من العلوم، الأمر الذي أهله لأن يصبح أستاذ عصره في البصرة، وتلقى العلم على يديه العديد من الطلاب الذين أصبح لهم شأن عظيم في اللغة مثل سيبويه، والكسائي، والنضر بن شميل، والأصمعي وغيرهم. عرف الخليل بتواضعه وزهده وورعه فكان يحج كل سنتين مرة، هذا بالإضافة لعلمه الغزير قال عنه تلميذه النضر بن شميل: ''أكلت الدنيا بعلم الخليل وكتبه، وهو في خصّ لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال''. العِلُم يُذكي عُقولاً حينَ يَصحَبُها وَقَد يَزيدُها طولُ التَجاريبِ وَذو التَأَدُّبِ في الجُهّالِ مُغتَرِبٌ يَرى وَيَسمَعُ أَلوانَ الأَعاجيبِ مما يدل على زهده كان سليمان بن حبيب بن أبي صفرة والي فارس والأهواز يدفع له راتباً بسيطاً يعينه به، فبعث إليه سليمان يوماً يدعوه إليه، فرفض وقدم للرسول خبزاً يابساً مما عنده قائلاً مادمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان وقال: أَبلِغ سُلَيمانَ أَنّي عَنهُ في سَعَةٍ وَفي غِنىً غَيرَ أَنّي لَستُ ذا مالِ سَخّى بِنَفسي أَنّي لا أَرى أَحَداً يَموتُ هَزلاً وَلا يَبقى عَلى حالِ وَإِنَّ بَينَ الغِنى وَالفَقرِ مَنزِلَةً مَخطومَةً بِجَديدٍ لَيسَ بِالبالي الرِزقُ عَن قَدَرٍ لا الضَعفُ يَنقُصُهُ وَلا يَزيدُكَ فيهِ حَولُ مُحتالِ إِن كانَ ضَنُّ سُلَيمانَ بِنائِلِهِ فَاللَهِ أَفضَلُ مَسؤولٍ لِسُؤالِ وَالفَقرُ في النَفسِ لا في المالِ نَعرِفُهُ وَمِثلُ ذاكَ الغِنى في النَفسِ لا المالِ فقطع سليمان عنه الراتب فأرسل إليه الخليل قائلاً: إِنَّ الَّذي شَقَّ فَمي ضامِنُ الرِزقِ حَتّى يَتَوَفّاني حَرَمتَني خَيراً كَثيراً فَما زادَكَ في مالِكَ حِرماني و حين وصل ذلك إلى سليمان اعتذر من الخليل وأعاد إليه راتبه. علمه إنكب الفراهيدي على القراءة والدراسة فجمع أشعار العرب وقرأها ورتبها حسب أنغامها وجمع كل مجموعة متشابهة ووضعها معاً، وقام باستغلال علمه الغزير في وضع علم العروض هذا العلم الذي يرجع الفضل له في وضع أسسه، فكان يقضي الساعات في ضبط أوزان ما ينطق به من الشعر وتنسيقها، وتمكن من ضبط أوزان خمسة عشر بحراً يقوم عليها النظم حتى الآن، وقد قام الأخفش الأوسط بزيادة بحر الخبب فصارت ستة عشر بحراً. وبالإضافة لعلم العروض الذي أسسه الفراهيدي قدم أيضاَ معجم ''العين'' والذي يعد أول معجم أعترف به القدماء والمحدثون، والذي هدف من خلاله من اجل ضبط اللغة وحصرها، وقام في سبيل ذلك بإتباع الخطوات العلمية المدروسة، فبدأها بترتيب الحروف ثم قسم الأبنية وتقليب اللفظة على أحد أوجهها. وفي ترتيب الحروف نظر الفراهيدي إلى الحروف على أنها أصوات تخرج من جهاز النطق، ووجد العين أدخل الحروف في الحلق فقام بترتيبها في مجموعات بدأها بالعين وسماها على التوالي ''حلقية، لهوية، شجرية، اسلية، نطعية، لثوية، ذلقية، شفوية، هوائية''، وسمي معجمه بأول حرف فيه '' العين''. عقب ترتيبه للحروف قام بالاتجاه للغة والتي تتكون مادتها من هذه الحروف، وجد الفراهيدي أن كلام العرب مبين على أربعة أصناف ''الثنائي، الثلاثي، الرباعي والخماسي'' وأنه لا يوجد في اللغة العربية بناء يقل عن الثنائي أو يزيد عن الخماسي. انتقل بعد ذلك إلى الأبنية فوجد بها الصحيح والمعتل وفرق بينهما في كل بناء، فقام بتقسيم الأبنية على هذا الأساس، إلى ثنائي صحيح، وثلاثي صحيح، وثلاثي معتل، وثلاثي صحيح وثلاثي لفيف، ورباعي صحيح وخماسي صحيح ورباعي وخماسي معتلين، ثم انتقل بعد البناء إلى فكرة التقليب حيث وجد أنه إذا أخذ كل بناء من الأربعة وقلبه على جميع أوجهه الممكنة حصل على وعاء يضم جميع ألفاظ اللغة. عقب قيام الخليل بالانتهاء من بحوثه اللغوية قام بتطبيق منهجه وأشار في شروحه إلى القلب والنحت، والأضداد والمعرب، كما عالج بعض المسائل النحوية، واعتمد شواهد نثرية وشعرية وقرآنية وعني باللهجات واللغات، طبع كتابه العديد من المرات مطبوعاً ومشروحاً ومختصراً. الوفاة جاءت وفاته في البصرة عام 786م، ويقال أن سبب وفاته هو استغراقه في التفكير في طريقة تيسر استخدام الحساب على العامة، فدخل إلى المسجد وهو شاغل فكره في التفكير فاصطدم بسارية وهو غافل فكانت السبب في موته. قدم الفراهيدي عددا من المؤلفات وضع فيها كامل جهده وعلمه نذكر منها كتاب العين، جملة آلات العرب، النغم وغيرها. مما قاله الفراهيدي وَأَفضَلُ قَسمِ اللَّهِ لِلمَرءِ عَقلُهُ فلَيسَ مِنَ الخَيراتِ شَيءٌ يُقارِبُه إِذا أَكمَلَ الرَّحمنُ لِلمَرءِ عَقلَهُ فَقَد كَمُلَت أَخلاقُهُ وَضَرائِبُه يَعيشُ الفَتَى بِالعَقلِ في الناسِ إنَّهُ على العَقلِ يَجري عِلمُهُ وتَجارِبُه وَمَن كانَ غَلاباً بِعَقلٍ وَنجدَةٍ فَذو الجَدِّ في أَمرِ المَعيشَةِ غَالِبُه يَزينُ الفَتَى في النَّاسِ صِحَّةُ عَقلِهِ وَإِن كانَ مَحظُوراً عَلَيهِ مَكاسِبُه ويُزرِي بِهِ في الناسِ قِلَّةُ عَقلِهِ وإِن كَرُمَت أَعراقُهُ وَمَناسِبُه