لا يعتبر الكثير من الأولياء أن السرقة التي يقوم بها أبناؤهم الصغار وما يخفونه عنهم أمرا مشينا. ويرد أغلبهم ذلك إلى حسن نية الأطفال الذين لا يقصدون السرقة، لكن الأمر قد يسوء ويتعقد إذا تمادى الطفل في انحرافه السلوكي . يجد الآباء أنفسهم في ورطة حقيقية عندما يكتشفون أن أحد أطفالهم قد قام بسرقة شيء ما من البيت، وقد تفنن في إخفاء الأمر عنهما وعن إخوته، ويحاولان جاهدين فهم السبب الذي جعله يسرق، وغالبا يكون جزاء هذا الطفل العقاب ليعرف أن ما قام به شيء غير مرغوب فيه، ولا يمكن العودة إليه مجددا. وهناك من الأولياء من يصمت على مثل هذه الأفعال وأغلبهم لا يعتبرون أن الأمر سرقة بل خطأ اقترفه الطفل لأنه كان يحب أن يسأل قبل أخذ الشيئ من البيت، لكن المشكل أن الكثير من الأطفال لا يكفون عن حمل أغراض لا تخصهم في أي مكان كانوا فيه، وتمتد هذه العادة السيئة لتدخل معهم إلى المدرسة التي لا يكف فيها الأساتذة كل يوم عن فك الشجارات التي تحدث بين التلاميذ نتيجة اختفاء الأغراض المدرسية بين الحين والآخر. ويلجأ الطفل للسرقة، كما تقول الأخصائية النفسانية غنية عبيب، نتيجة الغيرة من مولود جديد لكي يلفت الانتباه إليه، والسرقة سلوك شائع جداً لدى الأطفال في سن 4-5 سنوات، والغالبية العظمى من الأطفال سرقوا مرة أو مرتين على الأقل في مرحلة طفولتهم. السرقة عند الطفل مجرد رغبة في التملك وتقول الأخصائية النفسانية إننا أولا ولكي نستطيع أن نتكلم عن السرقة لدى الأطفال لا بد وأن يكون الطفل قد تكون لديه مفهوم الممنوع والمسموح به، بمعنى آخر أن يكون الطفل قد اكتسب مفهوم الفردية وبالتالي أصبح يميز ما يخصه (ما هو شخصي) وبين ما لا يخصه (يخص الآخرين)، تقول السيدة ربيعة إن ابنها البالغ من العمر سبع سنوات يقوم بسرقة أغراض إخوته أو أشياء أخرى من البيت، وأحيانا أعثر في حقيبته المدرسية على أدوات لم أقم باقتنائها له، والمشكلة أنه ينفي علمه بوجودها عنده أو يختلق قصصا ليبرر وجودها معه، والشيء الذي يخيفني هو أن يمتد سلوكه هذا إلى الكبر، وأمام عدم جدوى كل وسائل العقاب المتبعة فكرت في عرضه على طبيب نفساني بعد أن نصحتني بذلك شقيقتي. وتقول الأخصائية النفسانية السيدة عبيب إنه من الطبيعي أن ينزعج الوالدان من هذا السلوك، لكن الشيء المهم هو أن يدركا أن السرقة في هذه السن أمر شائع، يمكنهم أن يتداركوه دون اللجوء إلى ردود الأفعال العنيفة. فعند سن الثلاث أو الأربع سنوات يعتقد الطفل أن كل شيء حوله ملك خاص به إلا إذا قلنا له عكس ذلك، وبالتالي إذا رأى لعبة في محل أو مر بحلوى في سوق مثلاً، فهذه اللعبة وهذه الحلوى خاصة به، وهي له طالما ليس لديه إدراك أن هذه الأشياء إنما هي ملك لأشخاص آخرين. وتضيف إن إدراك الطفل بأن هناك شيئا شخصيا يخصه وأشياء أخرى خاصة بالآخرين لا يستطيع الحصول عليها إلا بموافقتهم يتطلب بعض الفهم والجهد وبالتالي بعض الوقت، ولذا فإن عقاب الطفل على فعلته هذه سيكون غير مفهوم له، وبالتالي سيشعر بالظلم الواقع عليه، بل سيسعى إلى أن يسرق ولكن في السر بحيث تصبح فعلته غير مكشوفة وبالتالي يتفاوت العقاب. فبدلاً من العقاب يستحسن في هذه السن أن يشرح الآباء للأطفال معنى كلمة الخاصة والعامة بشكل مبسط، يمكنهم من فهمه، بل عليهم أن يستفيدوا من أي حادثة سرقة صغيرة يرتكبها الطفل لترسيخ وشرح بعض هذه المفاهيم للطفل، مثل الملكية الخاصة والعامة واحترام الملكية العامة وكذلك مفهوم المشاركة. الغيرة، الخوف والحاجة إلى الحب تقول الدكتورة عبيب إنه من خلال تجربتها مع هذا النوع من الأطفال تأكد أن الأسرة تلعب دورا كبيرا في تخلي الطفل عن هذه العادة أو استمراره فيها والحل بين أيدي الأولياء، فإذا تصرف الآباء بحكمة إزاء هذه الحوادث الصغيرة تكون على العكس مفيدة إذ يحقق الطفل تقدماً في هذا الاتجاه وعلى الآباء أن لا يبالغوا في ردود أفعالهم وعدم معاقبة الطفل بقسوة أو كيل الاتهام له بأنه لص أو سارق.. وعدم معايرته بما قام به من فعل سيء ارتكبه كلما سنحت له الظروف، وعدم إهانته أمام أقاربه وأقرانه وبالذات إخوته المقربين منه. ولا يجب أن نسأل الطفل مباشرة وأن نتهمه بالسرقة أمام الناس فهذه الطريقة تدفعه إلى الكذب، أما إذا استمر الطفل في عمليات السرقة فيجب على الوالدين البحث عن أسباب قد يخفيها الطفل (مثل الشعور بالذنب، الخوف فقدان الثقة في الذات، القلق، التوتر، أو الرغبة في أن يكون مثل الآخرين أو الحاجة إلى الحب والحنان والعطف. إذا تكرر ذلك رغم كل المحاولات السابق ذكرها، يجب ألا يتأخر الوالدان عند هذا الحد من عرض الطفل على الطبيب النفسي قبل أن تلصق به صفة اللص الصغير.. خاصة إذا كان هذا الأمر مصحوباً بمجموعة أخرى من السلوكيات المرضية مثل الكذب والعدوانية مثلاً. والسرقة عند الطفل الصغير والتي ليست بالضرورة سلوكاً يؤدي إلى الجنوح عند سن المراهقة، ولذا لا يجب وصف الطفل الصغير بصفة اللص، ويجب أن تلعب الأسرة دورها في تحسين سلوك الطفل.