تخيلوا معي أيها السادة الكرام مقدار الألم الذي يعانيه شخص أرهقه الجوع وفتكت به قلة الصحة وهو يعاني ألما مضاعفا، وضغطا رهيبا لحظة مدافعته لشيء لا يمكن أن يلازمه طوال الوقت .. شيء أفتى الفقهاء ببطلان صلاة المواطن المسلم وهو يدافعه، وحذروا القاضي من الحكم وهو يعاني ألمه، ونصح الخبراء والنفسانيون الطلبة بالتخلص منه أو منهما قبل دخول قاعات الامتحانات ومقابلات التوظيف المصيرية .. شيء أصله طيب ثابت .. ممتع منعش وثماره ألم وألم .. أوليس الأمر كذلك أيها النظارة الكرام ويا سيادة الوزير؟. أذكر يوما قبل سنتين أو ثلاث على هامش نشاط رسمي كنت حاضرا فيه سيدي الوزير بصفتك مسوؤلا على قطاع آخر غير قطاع المآزر البيضاء والبنايات الزرقاء والسيارات المؤشرة بالهلال .. وأنا أعاني من هذا الأمر .. الألم بادية ملامحه على وجهي .. قادتني رجلاي بشعور مني وبلا شعور إلى المكان المفضل للتخلص من ذلك الألم .. وتعود بعدها البشاشة إلى وجهي وتلزم فرائسي أمكنتها الطبيعية .. بعدما نال منها التعب جراء الرقصات المتهورة واللاشعورية. وأنا أهم بالخروج صادفتك كالعادة .. حييتك .. بادلتني التحية متبلة بابتسامة .. لكنها لم تكن كالابتسامات السابقة .. -ربما لا تذكرني الآن (لا يهم)- .. ابتسامة أخفتها الأحوال الجوية التي فرضتها آلام ذلك الشيء على مساحة وجهك الجميل .. سقت هذه الصورة المستوحاة من الواقع سيدي الوزير لك ولي وللقراء، لنكرس اتفاقنا على أن زوال الألم لذة وسعادة ونشوة، في زمن صنع تضاريسه فكر غريب نظّرت له ربما المادية والتحول الاقتصادي .. فكر قيصري من زمن القياصرة .. قياصرة ما قبل الثورة البلشفية .. جعل من الآلام موردا هاما للكسب السريع كصنيع المستثمرين الأجانب وهم ييممون وجوههم شطر الجزائر لبناء قاعدة صناعية بالمياه المعدنية و''الياؤورت" ... آلام غير الآلام الأولى .. آلام ربما تضاهي سكرات الموت لا ندري- إلا أنها سكرات توهب بعدها الحياة .. إنها آلام مخاض أمهاتنا وهن يتجولن من مشفى إلى مستشفى إلى مشفى آخر، علهن ينلن مكانا في البنايات الزرقاء وتصيبهن الرحمات من أصحاب المآزر البيضاء .. وهن تحت طائلة الألم والآلام .. مستشفى يرفض .. وآخر يتمنع .. وآخر يصم الآذان ويغلق الأعين .. لست أنا من يقول هذا الكلام فالجرائد طافحة بمثل هذه الأخبار .. ''امرأة ولدت في سيارة الإسعاف .. وثانية في رواق المستشفى .. وأخرى وضعت في قارعة الطريق، وأخرى، وأخرى ...". إلى هنا الأمر عادي لأنه لا فرق بين مجيئي أنا وآلاف من أمثالي في الجزائر العميقة حيث ''اللاءات العديدة والمتنوعة''، وولادة هؤلاء، لكن الألم المضاعف في هذا الارتفاع الرهيب في نسبة الولادة بالعملية القيصرية في الجزائر .. والكلام لأحد أصحاب المآزر البيضاء، الذي أخبرني أن البعض من زملائه لا يتورع في إرسال المرأة الحامل إلى ''القيصر'' تقليلا لصداع الرأس وإزالة للألم، أو من باب تقديم خدمة لطبيب خاص يأخذ عليها أجرا يضاهي ويقارب المبلغ الواجبة فيه الزكاة. وغير العادي الذي نود أن يبت فيه أهل الإخلاص من أصحاب المآزر البيضاء والاختصاص ما يروج من أن من تتعرض لمقص القياصرة أكثر من مرتين عليها أن تودع نعمة ''البنون''، وأن بعض الدارسات العلمية توصلت إلى تصنيف العلاقة العاطفية بين الأم ''المقيصرة'' والابن نتاج ''القيصرية'' في خانة الضعيفة، بخلاف العلاقة بين الأم وابنها الخارج خارج معادلة ''القيصرة''، رغم إصرار بعض الزملاء على تحميل مسؤولية ازدياد نسبة الولادات القيصرية في الجزائر إلى مغالاة النساء في ''التسرول'' .. والعهدة على الراوي .. ''لا يهم'' .. وننتظر إجابة أهل الاختصاص .. وبما أن الأمر يحتاج إلى وقفة .. فهذه مجرد رسالة قيصرية لتمتين العاطفة بين الكتابة والقارئ .. وأحمد الله أن لا ناقة لي ولا جمل في الأمر كله، فقد ولدتني أمي بعد أن مكثت في بطنها تسعة أشهر على أرجح الروايات، في ''دشرة'' نائية أقرب مستشفى أو عيادة منها -لا أذكر حكايات والديّ بتفاصيلها- يكفي لعلماء ''النازا'' أن يرسلوا بعثة لاستكشاف المريخ وتعود البعثة دون أن تتمكن والدتي من الوصول إلى ذلك المشفى، فضلا أنني ساعة ميلادي كنت في صحة جيدة لا يستدعي خروجي من عالم الأرحام إلى عالم ''أولاد الحلال وأولاد الحرام'' إشرافا من أصحاب المآزر البيضاء، الذين نابت عنهم إحدى عجائز ''الدشرة'' البالغة من الكبر عتيا .. فأرجو منك سيدي الوزير أن لا تصنف دردشتي هذه في خانة الانتقام لنادي المقيصرين على أيادي القياصرة، بقدر اعتباره نداء ملحاح و''صامط'' للاقتصاص من هؤلاء القياصرة بعملية قيصرية، قد تكون أنت لها قبل فوات الأوان ويخرج لنا جيل العاصفة بلا عاطفة !!!..