انفجر لغم في المنطقة الحدودية الشرقية للوطن بتبسة، فقد على إثره راعي غنم ساقه، هز دوي انفجار قوي تسبب في بتر ساقي طفل كان مارا بجوار المنطقة ''المحفوفة'' بتبسة، عمار مختل عقليا بفعل انفجار لغم بقربه وهو صغير بالطارف، بسوق أهراس ، بتلمسان، بالنعامة، خنشلة، عنابة، بسكرة، وهرانوبشار وغيرها من المناطق في مختلف ربوع الجزائر الحدودية. إضافة إلى الألغام المضادة للأشخاص المزروعة في القرى، في المداشر والمجمعات السكنية فالاستعمار الفرنسي لم يلجأ إلى زرع الألغام على الشريط الحدودي فقط، بل في المداشر بمحيط الثكنات والمحتشدات العسكرية، كل هذه الأخبار كانت تأتينا تباعا خاصة في السنوات الماضية، فلم تكن نشرة أخبار إذاعية أوبصرية تخلو من هكذا خبر، أما اليوم وبعد 54 سنة على اندلاع ثورة نوفمبر المظفرة و46 سنة من الاستقلال لم تعد هذه الأخبار تتصدر الصفحات الرئيسية للجرائد ولا عناوين النشرات الإخبارية المتلفزة، لكن مثل هذه الأخبار أضحت لا تخرج عن نطاق القرية أو الدشرة التي وقع فيها الحادث بعيدا عن أعين الصحافة، ولغاية اليوم لازالت هذه الألغام وبشهادة سكان هذه المناطق تحصد أرواح الجزائريين، ولازالت العاهات تلازم ضحاياها، رغم التعويضات التي تمنحها الدولة لهم إلا أنهم اليوم يطالبون على لسان رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام السيد جوادي، السلطات بإعادة النظر في وضعيتهم وتعزيز التعويضات المالية، ورغم هذا تبقى وسائل الإعلام تنقل من حين لآخر صورا وشهادات الضحايا كأمثلة حية عن حجم الخسائر البشرية والاقتصادية التي لا زالت الجزائر تتحمل عبئها بعد ست وأربعين سنة من الاستقلال. رفعت الجزائر التحدي في نزع ثلاثة ملايين لغم مضاد للأفراد من أصل 11 مليون لغم زرعها الجيش الفرنسي خلال الحرب التحريرية الكبرى ما زالت مطمورة على طول الحدود الغربيةوالشرقية وهذا قبل حلول سنة .2010 ورغم هذا التحدي الكبير الذي رفعته الجزائر خاصة في ظل غياب خرائط تمكن من تحديد الهدف بدقة إلا بعد مرور 45 سنة بعد الاستقلال، في السنة الماضية فقط قبل أن تتدارك فرنسا وتقدم خرائط انتشار الألغام، حيث تحركت الجزائر مبكرا وقام الجيش الجزائري بعمل جبار وتمكن من تدمير جزء كبير من مخزون الألغام المضادة للأشخاص، وأنقذ أرواحا بشرية كبيرة وكانت السلطات الفرنسية قد سلمت الجزائر خرائط تشمل مواقع الألغام التي زرعها الجيش الفرنسي على طول الحدود الغربيةوالشرقية للبلاد خلال الثورة في الفترة الممتدة من 1954 إلى ,1962 وهذا بعد مرور خمس وأربعين سنة على استرجاع السيادة الوطنية، حيث لا زالت الأسلاك الشائكة وحقول الألغام تحصد يوميا العديد من الجزائريين والجزائريات على طول هذه الحدود. فقد وصل عدد الألغام المزروعة 35000 لغم في 11 كم2 بما يقارب 3000 إلى 4000 لغم في الكيلومتر المربع الواحد، وتتنوع الألغام من ألغام مضادة للأفراد ذات الحجم الصغير تتفتت عند تفجيرها إلى 400 قطعة حديدية، والألغام المضادة للمجموعات. وعن آخر الإحصائيات التي قدمتها المنظمة العالمية للمعاقين ''معاقون أنترناشونال'' الذي عرضت السنة الماضية النتائج الأولية للتحقيق الذي أعدته المنظمة بطلب من اللجنة الوزارية المختلطة التي تشتغل على ملف الألغام المضادة للأفراد، أشارت إلى أن الولايات التي تنتشر بها الألغام هي الواقعة على الشريط الحدودي ومنها 651 ضحية، بتبسة، 344 بسوق أهراس، 300 ضحية بالطارف، مقابل 577 ضحية بتلمسان، 104 ضحية بالنعامة، 103 ضحية بولاية بشار. ورغم هذا تبقى هذه الإحصائيات بعيدة عن أرض الواقع بشهادة سكان هذه المناطق الذين يجزمون بأن العدد تعدى هذا الأمر بكثير خاصة في ظل غياب إحصائيات دقيقة من قبل السلطات الجزائرية، لإزالة ما يسمى ''حقول الموت''، والتي لحد اليوم لم تعط حصيلة رسمية لضحايا الألغام في ظل تضارب الأرقام والأصوات المنادية برفع التعويضات للضحايا، رغم أن وزارة التضامن الوطني شرعت منذ السنة الماضية في إعداد بطاقية وطنية خاصة بالمعاقين وطبيعة الإعاقة لجرد عدد ضحايا الألغام، لتحديد آليات التكفل بهم خاصة وأن الضحايا يعانون غالبا من صدمات واختلالات عقلية. قد ''يثمن'' البعض موقف فرنسا الذي منحنا هذه الخرائط في الوقت بدل الضائع، لكنها تحفظت على خرائط الألغام المزروعة في القرى والمداشر بمحاذاة الثكنات العسكرية آنذاك، وعليه لا يمكن أن ننسى أن فرنسا من تسبب في هذه الإعاقات، في موت الجزائريين الذين لازالوا لغاية اليوم يدفعون ثمن غرس هذه الحقول بعد قرابة نصف قرن من استرجاع السيادة الوطنية.