مرت علينا قبل سويعات ذكرى إعلان الدولة الفلسطينية من قبل الرمز ياسر عرفات على أرض الجزائر بحضور خلف ثورة الحسيني وفي حضن مفجري وخلف ثورة الفاتح نوفمبر المجيدة، في الوقت الذي أدار فيه الكثير من العرب أيامها ظهرهم للقضية، وأبدوا تخوفهم من استضافة من كانوا يعتبرون رؤوس قوائم الإرهاب الأمريكي. التذكير بهذا المنعطف التاريخي ليس القصد منه المن على من أملى الواجب والقيم نصرتهم، بقدر الإلحاح والإصرار على مركزية القضية الفلسطينية في الضمير والوجدان الجزائري، والكل يعرف مواقف الجزائر من القضايا التحررية والعادلة في العالم، والذي جنى عليها الكثير، فلقد كان يمكنها بيع المقابلة كما فعل البعض والاستفادة من امتيازات آنية كما فعل بعض الأشقاء، لكنها كانت مدركة تمام الإدراك بالضريبة المتوقعة جراء هكذا مواقف، وهو ما حصل بالفعل، وبقية الحكاية معروفة للجميع. صحيح أن تسارع الأحداث العالمية وانهيار المعسكر الشرقي، وتفرد سكان العالم الجديد بالعالم كان له الأثر في سيرورة الصراع على أولى القبلتين الشريفتين، وتحامل الكثيرين على الفلسطينيين المشتتين حول أرض الميعاد، لاسيما بعد دعم منظمة التحرير الفلسطينية لعراق صدام حسين في حرب الخليج الثانية، خاصة مع تهاطل صواريخ العباس والحسين على عاصمة الكيان الصهيوني الغاصب تل أبيب، لكن الأدهى بعد ذلك تلك الأيادي المختلفة التي ما فتئت تحاول تحرير موقع قدم لها في الساحة الفلسطينية من أجل توجيه الصراع، أو تصفية حسابات ضيقة على حساب مصلحة الفلسطينيين ومركزية قضيتهم في ضمائر احرار العالم في مختلف الأصقاع، وهو ما بات أمرا واقعا بعد الانقسام الداخلي الذي عرفته الساحة الفلسطينية. فبغض النظر عن مجريات الأحداث، كان الأولى بالفرقاء الفلسطينيين رص الصف الداخلي والتنازل عن كثير من المواقف للوصول إلى حجر الزاوية، وملتقى الطرق، وتغليب المصلحة الوطنية وفقا للسياقات المحلية والدولية الراهنة، محاولين جميعهم استغلالها بما ينصر القضية، ويحقق لها مزيدا من المكاسب في شتى المجالات. هذا ما يحلم به كل مؤمن بهذه القضية، لأنه لا يمكن التعويل على دعم الجزائر مثلا من باب نصرة فريق على آخر من مكونات البيت الداخلي الفلسطيني، بقدر ما الجزائر في انتظار اللبنة الأساسية من داخل هذا البيت، والارتقاء بالقضية من الاهتلاك الداخلي إلى تسجيل نقاط إضافية على حساب العدو. وعلى الفلسطينيين في هذا الجانب استحضار الجيش العرمرم من الضعفاء والأحرار في العالم لوضع حد نهائي للمزج بين مصلحة الوطن كحقيقية، والوطر من الوطن كمكاسب شخصية وتنفيذا لأجندات مشبوهة، لأنه وبكل صراحة أصبح الوضع الداخلي الفلسطيني أعقد من الملف النووي الإيراني.. فهل من مبادرة لتحرير أعصاب الملايين من شيعة القضية الفلسطينية من اللعبة الدوارة ''وطن ووطر''.