تحتفل الجزائر في هذه الأيام بمناسبة انطلاقة ثورة التحرير الجزائرية، وهي مناسبة عزيزة على نفس كل عربي حر، يرفض سطوة الاستعمار ووطأة الاحتلال، تلك المناسبة التي تركت أثراً بالغاً ليس في الشعب الجزائري وحده بل في نفس كل عربي، بأن يطرق أبواب العزة والمجد، فهي طريق الانتصار والاستقلال، لأن الليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر. وتعرف الثورة الجزائرية باسم"ثورة المليون شهيد"، وهي حرب تحرير وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وكانت نتيجتها انتزاع الجزائر لاستقلالها بعد استعمار شرس وطويل استمرّ أكثر من مائة وثلاثين عاماً. لقد انطلقت الرصاصة الأولى للثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر 1954م معلنةً قيام الثورة بعد حوالي مائة وثلاثين سنة من الاستعمار الفرنسي للبلاد. وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزوّدين بأسلحة قديمة وبنادق صيد وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد وفي وقت واحد، حيث كانت الجزائر مقسمة إلى قادة مناطق وهي : الأوراس ، والشمال القسنطيني ، والقبائل ، والوسط، والغرب الوهراني. تلك الثورة لم تكن وليدة الأول من نوفمبر 1954م بل كانت تتويجاً لثورات أخرى سبقتها، ولكن هذه الثورة كانت أقوى تلك الثورات، وأشملها، وتمخض عنها إعلان استقلال الجزائر بعد ثمانية أعوام من القتال الشرس. قامت الثورة الجزائرية لترد وبلغة لا تعرف التأويل، بلغة الجهاد والاستشهاد، على ما قامت به فرنسا بإعلانها بأن الجزائر قطعة من فرنسا، مكرسة كل طاقتها لتطبيق هذا الحلم، وهو محو الشخصية ( العربية – الإسلامية ) بهدم المدارس ومراكز تعليم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم، وبفرض اللغة والثقافة الفرنسية على البلاد لتأبيد بقائها من جهة، ولقطع تواصل الجزائريين مع عمقهم الطبيعي العربي والإسلامي من جهة أخرى، ورغم كل ما قامت به فرنسا من أعمال في هذا المجال، فقد رد الشيخ عبد الحميد بن باديس عليهم قائلاً : شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب فثار الشعب الجزائري البطل ( بعربه وأمازيغه ) محبطاً محاولات المستعمر لتفريقه وتمزيقه، موحداً كل قوى وأحزاب العمل الوطني والإسلامي تحت راية جبهة التحرير الوطني ، تلك الثورة التي أتت امتداداً لثورات وانتفاضات أجيال سابقه، بدأت من القرن التاسع عشر ذوداً عن الهوية والحرية والوطن الجزائري العزيز، فالوطن مهاد لا بد منه، في ظله يأتلف الناس، وعلى أرضه يعيش الفكر وفي حماه تتجمع أسباب الحياة . إنها الجزائر جزائر العزة والكرامة والشموخ والكبرياء، بلد الشهداء، بلد المليون ونصف المليون شهيد، أمثال دويدش مراد ، والعربي بن مهيدي ، وهواري بو مدين ، إنها بلد العلماء أمثال : الأمير/عبد القادر الجزائري ، والشيخ / عبد الحميد بن باديس ، والبشير الإبراهيمي ، إنها بلد الجهاد والنضال التي شكلت نبراساً لكل الثوار في العالم . بلد الرئيس العزيز/ عبد العزيز بوتفليقة ذلك السياسي المخضرم الذي استطاع بحنكته ووطنيته، أن يرسو بسفينة الجزائر على بر الأمان، بعدما أدماها وأدمانا ما مرت به من عشرية سوداء . وما أن كتب الله النجاح والنصر للثورة الجزائرية العملاقة، وإذ بها تفتح ذراعيها لتحتضن فلسطين الشعب والقضية ، حيث أصبحت العلاقات الجزائريةالفلسطينية علاقة متينة ومتميزة، فقضية فلسطين قضية الجزائر الأولى، فقد كانت الجزائر من أوائل الدول التي افتتحت مكتباً للثورة الفلسطينية، كما كانت الثورة الجزائرية محط إلهام للشعب الفلسطيني، فالجزائر دولة ذات ثقل عربي ودولي، ولها تواجد مشرف في جميع المحافل الدولية، حيث اختلط الدم الجزائري بالدم الفلسطيني على أرض الجزائر الطاهرة، وفلسطين الحبيبة، ولا ننسى مقولة الرئيس الجزائري المرحوم / هواري بو مدين: ( نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ) ، كما أن الرئيس الجزائري الحالي السيد / عبد العزيز بوتفليقه هو أول من أسمع صوت الشعب الفلسطيني في الأممالمتحدة، حيث مكن الرئيس بوتفليقه سنة 1974م يوم كان وزيراً للخارجية ورئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة الرئيس الشهيد / ياسر عرفات – رحمه الله – من دخول الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفته قائداً للثورة الفلسطينية ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك مشاركة الجزائر في دعم النضال الفلسطيني عبر تاريخه الطويل في جميع المحافل العربية والإسلامية والدولية وبجميع الصور وبكافة الإمكانيات، كما أن أرض الجزائر الطاهرة شهدت إعلان الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية سنة 1988م خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني ، حيث كانت عيون كل الفلسطينيين تتجه إلى بلد المليون شهيد، كما أن الجزائر من أوائل الدول العربية التي توفي دائماً بالتزاماتها المالية لصندوق الأقصى التابع لجامعة الدول العربية لدعم الشعب الفلسطيني. ولا ننسى الموقف المشرف للرئيس / عبد العزيز بوتفليقه والحكومة والشعب الجزائري الشقيق خلال العدوان الأخير على قطاع غزة ،حيث أرسلت الجمهورية الجزائرية الطائرات الإغاثية للشعب الفلسطيني المحاصر، وكذلك إرسال الوفد الطبي الجزائري لتضميد الجراح لأبناء قطاع غزة، وكذلك إرسال مئات وحدات الدم لإسعاف الجرحى والمصابين، ليختلط الدم الجزائري بالدم الفلسطيني من جديد كما اختلط عبر التاريخ . كما توجد مئات حالات المصاهرة بين الشعبين الجزائريوالفلسطيني، وهذا يقوي الروابط الوثيقة أصلاً بين الشعبين الشقيقين، كما تحتضن الجزائر على أرضها الطاهرة المئات من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعيشون حياة آمنة مطمئنة، يتلقون تعليمهم، حيث إن الحكومة الجزائرية تقدم العديد من المنح الدراسية للطلاب الفلسطينيين لإكمال دراساتهم الجامعية والعسكرية ، كما ويمارسون أعمالهم في مختلف المجالات بكل حرية كأشقائهم الجزائريين . وأما الدرس الأهم لشعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة، فهو درس الوحدة فالثورة الجزائرية المجيدة لم يكتب لها النصر إلا بعد توحد جميع الجزائريين في بوتقة واحدة، عنوانها جبهة التحرير الوطني ، وهدفها تحرير الجزائر من دنس المحتل . وإننا في الأول من نوفمبر وفي ظل الهجمة الإسرائيلية المسعورة على المسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة ومدينة القدس بصفة عامة، لنتوجه إلى الأخوة في قيادات العمل الوطني والإسلامي في فلسطين، لأخذ العبرة من الثورة الجزائرية، بضرورة رص الصفوف وتوحيد الكلمة، وليكن شعارنا جميعاً: بوحدتنا نحمي مقدساتنا، ونحرر وطننا فلسطين . وبهذه المناسبة نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يجمع شملنا ، ويوحد كلمتنا، ويؤلف بين قلوبنا، وأن تحرر بلادنا المباركة، وأن يعود أسرانا الأبطال إلى أهليهم وذويهم، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحمي شعبنا، وبلادنا المباركة وقدسنا وأقصانا ومقدساتنا من كل سوء، كما نتضرع إلى الله بالدعاء أن يحفظ على الجزائر أمنها واستقرارها في ظل القيادة الرشيدة للرئيس/ عبد العزيز بوتفليقة حفظه الله ، إنه نعم المولى ونعم النصير . www.yousefsalama.com نوفمبر العربي ! بقلم: تامر المصري. في انسيابية العربي بما يشتهي نحو ماض يتلقفه، كسرا لجمود طموحات حاضره المعاند، في تمني المماثل، يعلو نوفمبر العربي، في ذكراه الخامسة والخمسين، حاملا ما يحمل من نوبات التأمل والاعتزاز، التي نتسرب فيها ومنها إلى حيث ارتفعت الراية، على أعناق مليون ونصف المليون شهيد، وما يزيد عن ثمانمائة ألف جريج، كانوا عنوان الجزائر الحديث، في وقت كانت فيه الجزائر عنوانا لانبعاث يأسر الهوى، تنشده كل العرب. ففي الفاتح من نوفمبر عام 1954م، كانت الجزائر قد أنهت استعداداتها، للبدء في سبعها السمان أو ما يزيد قليلا، ليأكلن بهمة الرجال، ويقضين على جور، ما جاوز ال120 عاما من السنوات العجاف، تحت سطوة الاستعمار، ووطأة الاحتلال الفرنسي البغيض، لتنطلق الثورة التي حملت في رحمها، من غير وهن على وهن، ووضعت بعد حين، مولودا من فئة الذكران، لا اسم له سوى الاستقلال. ولعل التجربة الجزائرية أثناء الثورة، وقبلها كما بعدها، من التجارب الأممية، التي تفرض نفسها على صاحب كل قضية، كإحدى مقتضيات الضرورة، علما واطلاعا، سيما أنها تمثل الأنموذج المحتذى، الذي تتناسل منه استخلاصات العبر، كلما تقادم الزمن، وصادفتنا العسرة على نحو من اليأس الجارح للكرامة حينا، والنازل بالطموح أحيانا، لتكون الجزائر بما كان منها وفيها وعليها، مهمازا يضبط المسافة بين الواقع والطموح، في الثبات على المبادئ .. وتلك أولى شارات الانتصار.لقد كانت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي اشتقت فيما بعد حركة التحرير الوطني الفلسطيني، اسمها منها، في ظن دون الإثم، حاضنة المشروع الوطني الجزائري، وقاعدة تتشكل من خلالها، المشاعر الوطنية الجزائرية، التي جمعت نفسها في روح الثورة لا سواها، لجهة خصخصة العلاقة الجماهيرية مع المحتل الفرنسي، من فوهة البندقية، دون استكانة أو خضوع أو استسلام، لتكون جبهة التحرير الوطني، ملهمة المرحلة وقائدة المسيرة، انطلاقا من حتمية زوال الاحتلال، والرجوع بالجزائر إلى حوضها العربي، بعد أن حددت الثورة ذلك ضمن أهدافها قبل اشتعالها، ووضعت اللمسات الأخيرة للتحضير لاندلاع الثورة التحريرية، في اجتماعي يومي 10 و24 تشرين الأول من عام 1954م، في عموم الجزائرالمحتلة آنذاك، من طرف لجنة الستة. ومما ينبغي ذكره، أن بداية الثورة قد كانت بمشاركة 1200 ثائر جزائري، على اتساع البلاد، بحوزتهم ما لا يزيد عن 400 قطعة سلاح، وبضعة قنابل تقليدية فقط، كما تؤكد المصادر التاريخية. بينما استهدفت الهجمات الجزائرية الثكنات العسكرية ومخازن الأسلحة ومصالح استراتيجية أخرى، بالإضافة إلى الممتلكات التي استحوذ عليها المستعمرون، وهو ما اعتمد بجملته، على عنصري التوقيت والمباغتة، الذي نتج عن تخطيط، بعد عناية في الدراسة، من خلال اختيار ليلة الأحد على الإثنين، في الأول من نوفمبر، كتاريخ انطلاق العمل المسلح، لعدة أسباب دخلت حيز المعطيات العسكرية التكتيكية، ومنها وجود عدد كبير من جنود وضباط جيش الاحتلال، في عطلة نهاية الأسبوع، يليها انشغالهم بالاحتفال بعيد مسيحي، وهو ما يوفر إمكانية المفاجأة جيدا، التي نجح فيها إعدادها المجاهدون. ومما يلفت الانتباه، في قراءة ما تيسر من ظروف وأسباب وحيثيات الثورة الجزائرية، هو كلمة السر التي توافقت عليها قيادة الثورة في ليلتها الأولى، المؤلفة من كل من قادة مناطق الأوراس، والشمال القسنطيني، والقبائل، والوسط، والغرب الوهراني، للبدء في الكفاح المسلح، يوم الفاتح من نوفمبر، والتي كانت (خالد وعقبة). ولعل رمزية كلمة السر في اختيار اسمي خالد وعقبة، ترتبط ارتباطا عضويا، بأهداف الثورة التي كان سقفها هو أرضية العمل أيضا، في التوحد داخل فكرة الخلاص والتحرير. فاسم خالد مستحضر من الاسم الأول للقائد العربي، والعسكري الفذ الذي لم تلحق به هزيمة في فتوحاته الإسلامية، خالد بن الوليد، وعقبة هو المقطع الأول لاسم الفاتح العربي المسلم، لشمال إفريقية وباني قيروانها، عقبة بن نافع. وكأن المجاهدون حينما حددوا أهداف ثورتهم ضد المحتل الفرنسي، كانوا قد استجمعوا عزائمهم النفسية، من داخل مركبهم التاريخي العربي، برموزه التاريخية التي تحمل دلالات لا تموت، كأن يكون من بين الأهداف الخارجية للثورة الجزائرية، هو تحقيق وحدة شمال إفريقيا داخل إطارها الطبيعي؛ العربي والإسلامي. بينما يمثل الاسمان العربيان المستوحيان، وحدة الروح العربية الجزائرية، في مواجهة كل محاولات الاحتلال لفرنسة الجزائر، واجتثاث لسانها العربي من جذور كل حلق تتوسده الضاد. لقد اضطر الاحتلال أن يعلن انسحابه من الجزائر، بعد استفتاء أكد فيه الجزائريون، على حقهم في الاستقلال التام، ليبعث الرئيس الفرنسي شارل ديغول، إلى السيد عبد الرحمن فارس، رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة للجمهورية الجزائرية، رسالة تحمل الاعتراف باستقلال الجزائر. واعتبر يوم الإثنين 5 تموز 1962م، التاريخ الرسمي لاسترجاع السيادة الوطنية الجزائرية، التي سلبت في ذات اليوم من سنة 1830م .. وتلك علامة من علامات الشعوب، التي إذا هبت، فإنها حتما ستنتصر.