تعتبر الهجرة غير الشرعية أو '' الحرقة'' واحدة من الملفات المهمة التي لا يستقيم الحديث عن مشاكل الشباب دون التطرق إليها، وهو ما يؤشر لمسار تصاعدي يغذية تفاقم الازمات الاقتصادية في دول شمال البحر الابيض المتوسط، وارتفاع معدلات البطالة وتقلص حظوظ الرقي الاجتماعي. والجزائر من بين هذه الدول التي عانت ومازالت تعاني الأمرين من جراء استفحال هذه الظاهرة في أوساط شبابها الطموح والذي يسعى لتحقيق مساعٍ لم يستطع تحقيقها في بلده الأصلي. يأتي مصطلح '' الحرقة'' من الفعل حرق وهو مصطلح متداول وموجود في قاموس اللغة العربية، وهو بمعنى قام بعملية حرق أي شيء، أي قام بإشعال النار على شيء ما وحرقة أي قضى عليه، وبذلك نفهم أن هذا المصطلح مستخدم منذ القدم وحتى اليوم، فنقول مثلا ''هذا حرق الموقف'' أي تجاهل محطة الوقوف. كما نجده عند الشباب الراغبين في الهجرة غير الشرعية والتي كانت تعرف '' بالهدة'' ونستطيع أن نقول إنه حرق حياته، فالحراق يجازف من أجل الوصول إلى البلد الذي يحبه وذلك بطريقة سرية وغير شرعية لتحسين أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية وحتى العلمية، وبالتالي فهو يعني خرق الحدود وتجاوز القواعد والاعراف في سبيل تحصيل المراد والرغبات الشخصية بعيدا عن كل المبادئ. أما عن وجهة الحراقة فيتم الاقلاع من شواطئ السواحل الجزائرية في ساعات متأخرة من الليل للإفلات من قبضة الامن، وعلى قوارب خفيفة يتم شراؤها بين 50 و80 مليون دينار جزائري ويأخذون معهم بوصلة ونظام تحديد الموقع ''GPS''، وعادة ما يتم التوجه إلى ألميريا وسردينيا نظرا لقرب المسافة والتي قدرت ب 94 كلم بين عين تيموشنت وألميريا الاسبانية و180 كلم بين عنابة، كاب روزا وسردينيا الايطالية. وهناك شواطئ أخرى ينطلقون منها كبني صاف عبر طارقا، الهلال، ماداغ، رشقون، وهران عبر شواطئ طاب فالكون، بوزجار، الردانية، الطارف عبر: صخرى، البطاح، صفصاف، العيون. الفقر من ورائنا والبحر من أمامنا هذا ما يقوله '' الحراقة'' قبل أن يمخر القارب عباب البحر الهائج إلى مرسى الأمل المنشود في الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وهذا ما يلخص أن أسباب الهجرة غير الشرعية أو '' الحرقة'' تعود بدرجة أولى إلى الاوضاع الاقتصادية المزرية التي أصبح يعيشها الشباب دون بروز أي آفاق لمستقبلهم الذي يرونه مجهولا، وهذا ما أثر سلبا على الوضع الاجتماعي بتدني مستوى المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة ونقص فرص العمل، أضف إلى ذلك معاناة هؤلاء الشباب من الإحباط الشديد وحالة اليأس التي بلغت درجة قصوى لديهم، كل هذه المؤشرات جعلت شبابنا يفضلون المغامرة مع احتمال الموت على البقاء في الجزائر. الجزائريون على رأس القائمة حسب إحصاءات البحرية الجزائرية فإن أكثر من 2300 جزائري تم إيقافهم على السواحل الجزائرية وتم إنقاذهم من عرض البحر منذ 3 سنوات، كما أن إسبانيا قامت بترحيل أكثر من 540 جزائري صوب الجزائر، كما يقول الموقع الأوروبي Fortress Europe إنه مات على حدود أوروبا أكثر من 11120 مهاجر من بينهم 3870 فقد في البحر، وهو ما جعل دول حوض المتوسط تدق ناقوس الخطر. بدايات ظاهرة الحرقة على لسان المقدم يوسف زريزر.. من المصلحة الوطنية لحراسة الشواطئ لقد تحدث لنا المقدم زريزر يوسف عن بدايات الظاهرة، حيث قال إن الحرقة على متن قوارب الموت ظهرت في بداية 2004-2005 في الغرب الجزائري وبالتحديد في مدينة العامرية بعين تيموشنت، وكانت أولى هذه المحاولات بعد حديث دار بين شباب المنطقة: هل يمكن الذهاب إلى الضفة الأخرى بقارب ولوحدنا؟ وبعدما حاول أحدهم نجح واتصل بأصدقائه فانتشرت الظاهرة في معظم مناطق الغرب الجزائري كبني صاف ووهران.. إلخ، ولما شددت الحراسة انتقلت إلى الشرق الجزائري. أما الهجرة السرية عبر السفن التجارية فموجودة منذ الثمانينيات ولكن بنسبة قليلة، لترتفع في السنوات الأخيرة ثم عادت وانخفظت بفعل الإجراءات الصارمة التي وضعناها للتحكم فيها. إلى متى يموت شبابنا وهم ثروتنا التي نعوّل عليها؟ على غرار فكرة تمثال ''الجندي المجهول'' المعروفة عند نهاية الحروب، فقد تأتي يوما فكرة ''الحراق المجهول''، ولا ندري على أي صفة ينحت هذا التمثال، هل على صفة الذي ابتلعه الحوت؟ أم ذلك الغريق؟ أم ذلك المعتقل المكبل ب''كلبشات'' خفر السواحل وهو يرتعد من البرد؟ أم هو ذلك المفقود الذي لم يظهر له أثر ولا خبر؟ رغم الجهود الضخمة والإنجازات السوية التي قامت بها الدولة الجزائرية للحد من ظاهرة الحرقة، إلا أنها تظل محدودة النتائج، فالمطلوب هو العمل على وضع استراتيجية بعيدة المدى للقيام بإصلاحات اقتصادية عميقة على مستوى الدولة المنبع، وذلك يتطلب تنمية مستدامة قائمة على مشاريع وإنجازات ملموسة تسمح بتثبيت المواطنين في أماكن إقامتهم الأصلية.