يجمع الكثير من المواطنين على أن مهنة عمال النظافة من المهن المنبوذة في مجتمعنا الجزائري والتي ينظر إليها باحتقار واشمئزاز، بل قد تفضل البطالة عليها تجنبا لنظرات السخرية والازدراء، وهي من المهن التي يضرب بها المثل كناية عن سوء حظ الفرد وتعثره في الحياة، رغم أنها مهنة شريفة ولا تستقيم الحياة المدنية دونها. يعزف الكثير من الشباب الجزائري عن امتهان عمل تنظيف الشوارع حتى لا يلقبوا ''بالزبالين ''بدل المنظفين على الرغم من كون مهنة عون نظافة مهنة شريفة مثل باقي المهن، بل إنها من أهم المهن على الإطلاق ومن بين الوظائف الحيوية للمجتمع وحماية البيئة، رغم وضعيتها المتدنية في سلم الأجور لاحتلالها المراتب الدنيا رغم ما يبذله عمال النظافة من مجهودات وأخطار المرض ومختلف الإصابات أثناء القيام بمهامهم. مايزال الناس ينقصون من قيمة عامل تنظيف الشوارع ومايزال عامل النظافة بدوره يعاني من صعوبة الاندماج في عمق العلاقات الاجتماعية وعلى رأسها الزواج وتكوين أسرة وهو الحلم الصعب المنال والتحقيق على أرض الواقع بالنسبة لأغلب عمال هذا القطاع الحيوي الذين يشتكون خيبة أملهم في العثور على عروس تقبل ب''زبال'' . لسنا نحن من أوردنا مثل هذا الكلام بل هي مناقشة كلامية دارت بين عاملين كان أحدهما يشتكي همومه لزميله الذي يعاني من نفس المشكل حتى يخفف عنه ويتقاسم معه الأحاسيس '' إذ لا يحس بالجمرة إلا من اكتوى بها ''، فبعدما تقدم إلى خطبة فتاة قصد إتمام نصف دينه وتكوين أسرة خابت آماله عندما قوبل طلبه بالرفض القطعي بسب عمله ونظرة الاحتقار التي ينظر بها المجتمع له ولأمثاله، بالإضافة إلى الأمراض الخطيرة والحوادث التي قد تودي بحياته . ''بنات عمال النظافة ...قلما يتزوجن'' وهذه نوال طالبة في تخصص بيولوجي في جامعة باب الزوار ترى في الموضوع نقطة مهمة يجب أن نتطرق إليها:''نعم علي أن أحترم عامل النظافة كانسان لكن لا يمكنني أبدا أن أتصور عامل النظافة زوجا لي حتى لو بقيت طوال حياتي عانسا، فالمجتمع الجزائري يهتم كثيرا بالمظاهر، ويفرض علينا ذلك خصوصا وأنا متعلمة واطمح إلى الارتباط بشخص يساعدني على فتح مخبر للتحاليل الطبية بما أن اختصاصي يسمح لي بذلك ولكن قد تكون هناك من تخالفني في الرأي وتقبل بالزواج من عامل نظافة ''، يدعم موقفها سمير طالب في الطب قائلا ''كوني طبيب وأدري جيدا تلك الأمراض التي يعاني منها عمال النظافة ويورثونها دون شك إلى أبنائهم لا أرى أني سأوافق على الزواج من بنت عامل نظافة ولو كانت من الحسناوات وحاملة لأكبر الشهادات وذلك لا أعتبره تكبرا عليها أو لكوني طبيبا، وإنما لأن ذلك يسبب لي إحراجا كبيرا في عائلتي وأصدقائي كما أنني أخشى على أولادي أن يعانوا من أمراض مزمنة قد يرثونها من أمهم، ولذلك من السلامة الابتعاد وتجنب كل تلك المشاكل لأن من أكبر الأخطار التي يواجهها هؤلاء في الحياة، أنهم غالبا ما يصابون بمرض الالتهاب الكبدي الوبائي من نوع''ب'' و''س'' المتنقلين في الدم أو عن طريق مختلف أنواع القمامة التي تحمل من مخلفات أو بقايا المستشفيات التي يتكفل عمال النظافة بحملها كون المستشفى لا يملك محرقة فضلا عن التعفن والروائح الكريهة والفيروسات التي تنقلها الحشرات التي تعتبر الأوساخ موطنها الحميم، وهي التي تسبب أمراضا وبائية كالملاريا والالتهاب الكبدي الوبائي من صنف ''أ'' إلى جانب تعرضهم إلى وخزات ببقايا الحديد التي يكون قد أكلها الصدأ لتسبب مرض '' التيتانوس''، ونتيجة تعرضهم لمواد كيميائية أثناء حرق النفايات التي يتم جمعها يعانون من مرض الربو الحاد والحساسية الجلدية التي لا تكاد تفارقهم على مدار السنة وكذلك الطفح الجلدي الذي يظهر عليهم وضيق التنفس، كما يعانون من أعراض أخرى تلازمهم إذ قلما يشفون من الإسهال والحمى''. وأجابنا عصام مهندس بناء عن الموقف قائلا: ''بصراحة أنا ارفض بصفة قطعية خاصة أنني أهتم كثيرا بمبدأ التوافق الاجتماعي في المصاهرة، لذا فمن المستحيلات السبع أن أفكر مجرد التفكير بالزواج والارتباط بفتاة من هذا المستوى و حتى وإن تنازلت عن فكرتي فإن أهلي لن يقبلوا بذلك''. بالمقابل أجاب عبد الحق أستاذ علوم شرعية :'' لا أهتم أبدا بذلك فما يهم هو أن تكون الفتاة من عائلة محافظة ومتخلقة ، فانا لا أنظر بانتقاص إلى الفوارق الاجتماعية''. ''النظرة الدونية للمجتمع تحطم آمالهم '' وفي ظل غياب منظومة محددة تسهر على وقايتهم دوريا من الأمراض التي تفتك بصحتهم نتيجة ما يتعرضون إليه من روائح كريهة وحوادث مهنية زيادة على ما يعانونه من مرارة الحياة والتهميش من قبل المسؤولين والنظرة الجارحة والساخرة من المجتمع بالإضافة إلى العمل المرهق الذي يؤدونه وعدم احترام الناس لمواعيد إخراج نفايتهم مع عدم ربطه بإحكام زيادة إلى ذلك الأجر الزهيد الذي يتقاضونه مع صعوبة إيجاد شريكة لحياتهم وما يعانونه في علاقاتهم الاجتماعية، كل ذلك يجعلهم يتخبطون في الحياة. وفي الإطار هذا تقول السيدة نعيمة أخصائية نفسانية إن الكثير من الشباب يتراجعون عن خطبة فتاة ما عندما يعلمون أن والدها هو عامل نظافة أو عمل في هذا المجال سابقا حتى وإن كانت صاحبة شهادات عليا، ويواجه المعاناة نفسها الشاب عندما يريد الزواج فترفضه أغلب العائلات لامتهانه مهنة تنظيف الشوارع لأن هناك أسبابا خفية تقف حاجزا بين هذه المهنة وبين اندماجهم في المجتمع كالتفاخر والوضع الاجتماعي لذلك فالأعلى دائما في قمة الهرم وفي كل مجال ينظر لمن تحته بنظرة أقل احتراما و الوضع يزيد سوءا وحدة بالنسبة لعامل النظافة كون ترتيبهم المهني يحتل آخر المراتب ويقترن بأزهد الأجور.