لا يخلو مجتمع من أعيان، ولا استقرار لمجتمع أو شعب دون دور لهؤلاء، الذين يعتبرون صمامات أمان، وملجأ الناس في المدلهمات، لاسيما في تركيبة مجتمعاتنا الشرقية، باعتبارهم أصواتا للحكمة، وممتصا للصدمات والشحنات الزائدة، في سبيل خيرية الأمة وتقدمها وازدهارها، وقد عرفت الحضارة الإسلامية بهم دورا فعالا تحت مسميات عديدة جمعت خيرة طاقات البلاد أهمها أهل الحل والعقد. والجزائر ليست بدعا عن مثيلاتها في مشارق الأرض ومغاربها، باعتبارها امتدادا لتلك الحضارة، وتواصلا مع تلك الثقافة، ولا ينكر إلا مكابر أو جاحد دور هؤلاء الأعيان في حفظ تاريخ البلاد وهويتها، ودعم حركات المقاومة الشعبية المنظمة وغير المنظمة ضد مختلف أنواع الاستعمار التي ضربت الجزائر، وساهموا بقسط كبير في إنجاح أعظم ثورة تحريرية أرخ لها القرن العشرون الميلادي. وإمعانا في إجلاء الدور الريادي لهؤلاء الذين يعتبرون ركنا أساسيا في استقرار الدولة وازدهارها، يعدد كثير من المراقبين والملاحظين، جملة أسباب ساهمت متعاضدة في الزج بالبلاد في النفق المظلم الذي عاشته قبل عشرية زمنية، بغياب هؤلاء عن الساحة أو تغييبهم، ويعددون من جانب آخر نجاح الجزائر في لملمة جراحها، والوقوف بعد جثي إلى دور لعبه هؤلاء الأعيان في شرق البلاد وغربها في مساندة وإنجاح مبادرات الخيرين في هذه البلاد لإعادتها إلى سابق عهدها تعيش الأمن والرخاء والطمأنينة بعد أن أصبح عملة نادرة، تشق من أجلها أكباد الإبل. ونحن في لحظة زمنية بعيد ساعات من الذكرى الأولى لرابع انتخابات محلية تعددية، لا بد من استذكار وتثمين ثمرتين من ثمار الإصلاحات التي عرفتها مختلف أجهزة الدولة الجزائرية، حيث أن أولاها متضمن في إصلاح قطاع العدالة، والذي تم بموجبه استحداث مبدأ الصلح بتوكيله إلى أعيان المنطقة التي تحتضن مجلس القضاء، والتي يمثلها مجاهدوها وأئمتها وعقلاؤها وعلماؤها وكبراؤها، الذين خبروا مختلف ميادين الحياة، ورجحت في رؤوسهم شعرات الشيب على شعرات السواد. ولا نريد الاسترسال كثيرا في هذه النقطة، لأنها بداية، واقع معاش لاسيما في المناطق الداخلية والصحراوية في البلاد، كما أن الإضافة التي قدمتها لهؤلاء هو تقنين لدور اجتماعي تاريخي مرتبط بهوية وثقافة الجزائري. وملمح الحكمة هو إرجاع دفة الرأي والمشورة لمن هم أهل لها في الحواضر الكبرى، التي عرفت نظرا لمعطيات عديدة تفشي عادات وسولوكيات لا صلة لنا بها، من قبيل العنف في الملاعب، واستفحال السطو والسرقة والاعتداءات في الأحياء الشعبية، وهو الأمر نفسه الذي أدى بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى استحداث منصب ''الإمام المحلف'' في القانون الأساسي لموظفي القطاع، بما يجعل من الفكرة أو دور الأعيان وتركيبتهم بقوة القانون ودعم الجمهورية. وفي الباب الثاني ما تسرب على لسان وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني، أو حتى لسان الوزير المنتدب المكلف بالجماعات المحلية حول مضامين قانون البلدية والولاية، والذي يسعى في مجمله إلى دعم الديمقراطية الجوارية والتشاركية على المستوى المحلي، من خلال إشراك أعيان وممثلي المجتمع المدني للبلدية أو الولاية في صياغة مقترحات المشاريع المحلية، والحلول للمشاكل اليومية التي تعترض السكان، والذي يعتبر بابا من أبواب إلزام المنتخبين المحليين بالإبقاء على الصلة مع المواطنين بقوة القانون، لا كما أشيع عن بعضهم معرفتهم بالمواطنين والتقاؤهم بهم دوريا كل خمس سنوات. ويبقى الرهان هو تثمين الخطوة، وحسن استغلالها، وإبعاد الانتهازيين وأصحاب العقد من الولوج تحت ظلالها، لقضاء حوائج في نفس غير يعقوب .. !