المتتبع للتطورات التي عرفتها الساحة الكروية الجزائرية، منذ إسدال الستار على الموسم المنقضي قبل حوالي 40 يوما، سيصل إلى قناعة راسخة مفادها أن الخروج من دوامة المهازل التي لازمت مختلف المنتخبات الوطنية لكرة القدم مايقارب ثلاثة عقود من الزمن لن يكون غدا. وقد جاء قرار المدرب الوطني رابح سعدان، بترك العارضة الفنية للخضر شهر ديسمبر المقبل، وتحميله رئيس الفاف والمكتب الفدرالي المسؤولية المباشرة في انتقال الوضع من سيئ إلى أسوء بسبب تماطلهم في تنفيذ خطة الإصلاحات التي وعدوه بها. ليكشف النقاب عن إصرار المسؤولين المباشرين على الاستمرار في سياسة '' البريكولاج '' ، المتبعة منذ الثمانينيات والتي يعرف الكل نتائجها الكارثية. سعدان الذي كشف عن ندمه بقبول العودة إلى قيادة الخضر، قال إنه غير مستعد مجددا لتحمل تبعات الفشل لوحده مثلما حدث له عقب مونديال ,86 عندما هدد حتى في حياته وحياة أفراد عائلته. وهو الذي تلقى ضمانات من الوزير الهاشمي جيار بالمساعدة على تنفيذ برنامجه الإصلاحي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو لماذا لم يتجه سعدان إلى جيار ليشكو له حاله، وفضل بالمقابل التوجه إلى الرأي العام، ليبوح بما ضاق به صدره، من تصرفات حداج وجماعته؟. إقدام المكتب الفدرالي للفاف مطلع الأسبوع الجاري، على اتخاذ قرار الإبقاء على نفس نظام المنافسة واستبعاد الذهاب إلى بطولة بيضاء، في اتجاه معاكس تماما كمقترح عدد كبير من الفاعلين في الشأن الكروي الوطني، الذين نادوا بضرورة إعادة التأسيس السليم للكرة الجزائرية، من خلال اعتماد إصلاحات جذرية، من شأنها القضاء على كل الآفات والشوائب الضارة التي التصقت بها من عنف ورشوة وانتهازية. دليل آخر على سياسة الهروب إلى الأمام التي ما جنينا منها إلا المهازل والفضائح أمام فرق ومنتخبات كانت بالأمس القريب مغمورة، وتحلم بمحاكاة طريقة الأداء الجزائرية وليس الانتصار علينا على أرض المليون شهيد والتأهل على حسابنا، لنكون مناصرين لها في المونديال بحكم واجب الانتماء للقارة السمراء. صحيح أن إدخال أي تغيير على نظام المنافسة ورفع عدد أندية القسم الأول، استجابة لضغط الشارع، ليس بالرأي الحكيم والسديد، لأن ذلك سيفتح بابا من الصعب غلقه، كونه قد يتحول إلى عرف، والعرف أحد مصادر القانون، مثلما هو متعارف عليه عند الفقهاء المختصين في هذا المجال، ثم إن البطولة البيضاء من شأنها أن تغيب اسم الجزائر في المحافل الكروية الدولية، في زمن أصبحت الرياضة من القطاعات التي لا يمكن الاستغناء عنها، لما لها من تأثير في علاقات الدول والأمم. إن الاستمرار في الخطأ سيتحول مع الزمن إلى خطيئة، وتعفن عضو في جسم ما سيؤدي إلى تعفن كل الجسم، إذا ما لم يتم معالجة ذلك التعفن بوصفة من حكيم أو بتر كل عضو أصابه التعفن. وبالتالي فإنه مهما اجتهد المكتب الفدرالي للفاف في اتخاذ قرارات '' ترقيعية '' لحالة كرتنا المستعصية لن يخرجها من عنق الزجاجة التي هي فيه، فالمطلوب تدخل السلطات العليا لاتخاذ قرار حاسم لإرجاع الأمور إلى نصابها، بعد استشارة أهل الاختصاص الحقيقيين الذين وحدهم من يستطيع تشخيص الداء وليس مكتبا فدراليا تتجاذبه الولاءات والمصالح.