تعاني المجتمعات الحديثة من تفشي حوادث المرور، هذه الآفة التي صارت تحصد آلاف الأرواح البريئة وتخلف خسائر مادية معتبرة تثقل كاهل الحكومات والدول، وباعتبار الجزائر من بين الدول النامية اقتصاديا واجتماعيا فإنها تشهد إفرازا ضارا بل وخطيرا وهو كثرة حوادث السير وما ينتج عنها من أضرار مادية معتبرة وآلام اجتماعية، غير أن هذه الحوادث تنتج عن نظام سببي متعدد العوامل يؤدي إلى نتائج وخيمة، خاصة وأن الوقاية من حوادث المرور عملية صعبة ومركبة، لذلك نجد جهود العاملين على الوقاية مركزة ومنصبة أساسا على العنصر البشري بغية تعويده على القواعد الأساسية للتعامل مع المحيط بشكل سليم، وذلك بغرس روح الانضباط والالتزام في نفوس النشء، بهدف التقيد بضوابط السلامة المرورية مع وجوب التحلي باليقظة والانضباط واحترام القانون دون إهمال عملية تكوين وتدريب المترشحين للحصول على كفاءة السياقة، خصوصا وأن وزير النقل مؤخرا كان قد كشف أن مؤسسات تعليم السياقة تعد عاملا رئيسيا في تفشي حوادث المرور. الحوار: رغم تطور وسائل النقل والمواصلات إلا أن حوادث المرور في ارتفاع متزايد، بما تفسرون الأرقام الضخمة لحوادث السير التي تقدمهما مصالح الدرك الوطني نهاية كل ثلاثي من السنة؟ ميلوس حسان: رغم التطور الذي عرفته وسائل النقل والمواصلات والتي حققت للإنسان منافع كثيرة، غير أن سوء استعمالها حولها من نعمة إلى نقمة تمثلت في ظاهرة حوادث المرور، حيث أصبحت الطرق تحصد آلاف الأرواح البشرية وتتسبب في العديد من المآسي الاجتماعية والخسائر الاقتصادية الضخمة التي تقدر بملايير الدنانير، كما أصبحت من أكبر المشكلات التي يجب أن تتظافر لصدها جهود الجميع سعيا إلى التقليل من آثارها الوخيمة، أما أهم أسباب هذا الانتشار المذهل لحوادث المرور فتتمثل في الأخطاء الإنسانية (السائقين والمشاة) بالدرجة الأولى يليها المحيط (الطريق) والمركبة وهذا بنسبة ضئيلة. من خلال كلامكم يمكن القول إن المسؤولية الكبرى في حوادث المرور يتحملها سائقو المركبات بالدرجة الأولى، ألا يعني هذا أن لمدارس تعليم السياقة دور بارز ؟ يجب أن يدرك الجميع أن العنصر البشري مهم في مسألة الأمن وسهولة حركة المرور، كما أن سائق المركبة يلعب دورا كبيرا أكثر من جميع فئات مستعملي الطريق، ويعتبر سبب الحادث وضحيته في نفس الوقت، غير أنه يمكن القول إن حوادث المرور ليست ناجمة دائما من سائق السيارة، حيث في غالب الأحيان تكون المسؤولية مشتركة بين مستعملي الطريق (السائقين، المشاة) لكن السيارة هي العامل القاتل، والتصرف السليم للسائق له أهمية كبيرة في الوقاية لأنه، هو من يستخدم واسطة النقل ويتصرف بها بشكل أو بآخر، كما يجب أن يكون واعيا لحد ما للمحافظة على البيئة التي يستخدم فيها مركبته، وهو بالتالي السبب في حوادث المرور، وعليه أن يراعي أنظمة وقواعد المرور وقد يجهلها أو يتجاهلها، مما يتسبب في القضاء على حياته من جهة وحياة الآخرين من جهة أخرى، كما أن شخصية السائق تلعب دورا مهما في حركة المرور، فالسائق الجاهل يربك حركة المرور، ويفسد كل شيء مهما كانت الإمكانيات المستعملة إلى جانب أمراضه النفسية التي تساهم بشكل كبير في حوادث المرور، ومسؤوليته كإنسان هي العامل الأول في تقليل الحوادث وتعاليم المرور وقوة الملاحظة والقدرة على التحكم في نفسه وفي قيادته. - هلا ذكرتم لنا الأسباب الفرعية الأخرى المرتبطة بانتشار حوادث المرور؟ الأسباب متعددة ومتداخلة لكن نختصرها فيما يلي: السرعة المفرطة، حيث لا يوجد تحديد واحد للسرعة وإنما هناك مجموعة من التحديدات، إذ ترتبط السرعة بحالة حركة السير العادية عن حالة السير أثناء سقوط الأمطار، وحالة السير بالمركبات الثقيلة والحافلات، كما ترتبط السرعة بحالة السائقين الشباب إلى جانب عدم احترام إشارات السير خاصة إشارة قف أو إشارة السير على الجهة اليمنى وغيرها من الإشارات التي يخالفها السائق من أجل تحدي الوقت من جهة وعدم إدراك خطورة الأمور التي يقوم بها من جهة أخرى. وفي ذات السياق فإن عدم احترام الأولوية سبب آخر من الأسباب المؤدية لحوادث السير لأن السائق أصبح اليوم يتعلم السياقة فقط ولا يتعلم أصولها ولا يحاول حتى التساؤل لماذا كل هذه الصرامة في قانون العقوبات متناسيا أن الأمر يتعلق بحياته، كما أن بعض السلوكيات المنافية للقيادة تتسبب في حوادث مؤلمة مثل العنف أثناء السياقة، عدم الشعور بالمسؤولية، استعمال الهاتف النقال يدويا، الأكل أثناء السياقة... إلخ. بالنسبة للوضع العام لحوادث المرور خلال التسعة أشهر الأولى من سنة ,2008 هل عرفت انخفاضا؟ رغم المجهودات المبذولة من طرف كل القطاعات المعنية بتوفير السلامة على الطرق مثل تحسين وتحديث المنظومة التشريعية وتشديد العقوبات على المخالفين لقواعد السلامة وقانون تنظيم المرور وفرض الفحص التقني على المركبات والسير على مراقبة حركة المرور، إلى جانب العمليات التوعوية والتحسيسية لمستعملي الطريق التي تنظم من طرف القطاعات المعنية، رغم كل ذلك فإن التسعة أشهر الأخيرة من سنة 2008 لا سيما في المناطق الريفية شهدت تطورا للظاهرة، والذي يظهر جليا في الإحصاءات المسجلة على المستوى الوطني مقارنة بالسنة الماضية، فعدد حوادث المرور 30845 حادث منها 13171 في المناطق الحضرية بأهمية نسبية تقدر ب 42.70 بالمائة و17674 حادث في المناطق الريفية بأهمية نسبية تقدر ب 57.30 بالمائة خلفت في مجملها 49746 جريح و3455 قتيل مقارنة مع نفس الفترة من سنة ,2007 حيث استخلصنا مايلي: 1 - ارتفاع في عدد الحوادث على المستوى الوطني ب 1588 حادث، أي بنسبة تقدر ب 5.32 بالمائة. 2 - ارتفاع في عدد القتلى على المستوى الوطني ب 3928 حادث أي بنسبة تقدر ب 8.57 بالمائة. 3 - ارتفاع في عدد القتلى ب 376 قتيلا أي بنسبة 12.21 بالمائة.