أطلقت الباحثة و مديرة دار اللون السابع مليكه بودالية في كلمتها النار على الكتاب الشبه مدرسي الذي غزى سوق الكتاب بشكل رهيب ووقف عائقا أمام رواج الكتاب الحق خاصة ما تعلق منه بكتاب الطفل الذي تبقى الجزائر بعيدة جدا في هذا المجال بغياب ثقافة قراءة وأسمت غزو الكتاب الشبه المدرسي بتزوير الكتاب الأدبي وقالت في هذا المجال" كل تراثنا الأدبي مبسط ومزور ولهذا يستحيل أن يحب الطفل تلك الكتب التي لا تستهوليه بغياب الفنيات الأدبية لأن كل الكتب تكتب بتصرف وذلك لا يعمل إلا على قتل الكتاب الأدبي الحق فيهجر الجيل الصاعد القراءة نهائيا " ولذلك فقد أسمت المتحدثة هذا النوع من الكتب ب"الشبه كتاب" باعتباره يحمل لغة مزيفة لا هي عربية فصحى ولا أمازيغية ولا فرنسية بل هي فقط لغة وظيفية كانت ممنوعة في السبعينات وفي حقيقتها أنها لغة تستعمل للمعاقين. عن امتعاضها من الوضعية المزرية التي آل إليها محتوى الكتاب المدرسي، كما حذرت من التهديد الذي يحيط بالأسرة والمجتمع ككل جراء عرقلة نقل التراث وتشويهه. أكدت بودالية، أن أدب الطفل في بلادنا يعاني مشاكل خطيرة لا بد من وضع حد لها والبحث في إيجاد حلول ناجعة للتخلص منها، وأفادت بأن الحل يكمن في التخلي عن هذه الكتب و"رميها" مبررة كلامها بأن الساحة تغزوها أشباه كتب لا يمكن تسميتها بكتب مدرسية. وألحت مليكة بودالية ، على ضرورة الاعتناء بأدب الطفل حيث قالت:"لا بد من إعادة فتح خزانة الأدب التي أغلقت في وجه أبنائه منذ حوالي 40 سنة، فمجال الكتابة للطفل مهدد جراء تزييف المضمون وإبعاده عن التراث الأصيل والثقافة الفعلية التي من شأنها أن ترتقي بالطفل نحو بناء أفكار بناءة تساعد في إعداده كجيل صاعد". وأرجعت الناشرة مليكة بودالية سبب نفور الأطفال من الدراسة وشعورهم بالملل وهم في بداية الطريق إلى محتويات الكتب المدرسية التي لم تعد تروقهم، كونها تفتقد للفن الجمالي:"عندما نحاول جذب الطفل نغويه بالفن الجمالي، فالأم لدى حديثها مع طفلها الصغير تستخدم أسلوبا خاصا وكأنها تغني له حتى تستميل انتباهه، وكذلك الأمر بالنسبة للأسلوب في الكتب". وضربت المتحدثة مثالا بالبرنامج الدراسي المخصص للطفل الأوربي الذي يحتوي على 1000 قصة مختلفة، عوض الاعتماد على كتاب واحد يحشر مخيلته مثلما يشيع في منظومتنا التربوية، حيث أعابت على المسؤولين إدراج كتب لا ترقى في مضمونها لتوجيه جيل المستقبل، وبناء فكره على أساس التراث السليم والثقافة البناءة التي تفتقدها الكتب المدرسية الحالية، مؤكدة أننا لدى تخصيصنا كتابا معينا نكون قد حددنا سقف الثقافة التي تعتبر بحرا نسهم في حرمان الطفل من الغوص في أعماقه براحة وحرية". كما حمّلت المتحدثة، الجهات المعنية مسؤولية إبعاد الطفل عن المؤلفات الأدبية واستبدالها بمنتجات أجنبية بقولها:"الكتاب المدرسي أصبح بضاعة ووسيلة لممارسة التجارة، فهو يحمل بضاعة مستوردة لموظفين فرضوا منطقهم على حساب التراث...أبعدنا الطفل عن عالمه الخاص وأثقلنا كاهله بكتب لا تسعها محفظته ولا يطيق حملها جسمه الصغير، كما أن معظم المتوفر منها لا يمكن أن يسمى كتابا مدرسيا نتيجة الرؤى والأفكار التي يطرحها ويتناولها، ومقارنة بمعناه الحقيقي لم يعد للكتاب الجزائري وجود في الميدان التربوي، حيث تم تعويضه بالقصة مباشرة فعلى الرغم من المجهودات التي تبذلها دولة الجزائر في مجالات أدب الأطفال من أجل السمو بمستوى الطفولة الجزائرية ذهنيا ووجدانيا وحركيا، فمازال أدب الأطفال على مستوى الإنتاج ضعيفا وقليلا وهزيلا . بيد أن هذا الأدب الفتي يتفاوت في الجزائر كما وكيفا من كاتب إلى آخر، ومن مبدع إلى مبدع. وقد لاحظنا أيضا أن أدب الأطفال بالجزائر بدأ يعرف تراجعا وانحسارا بينا مع سنوات الألفية الثالثة بسبب انعدام التشجيع المادي والمعنوي بعد أن انتعش في سنوات السبعين والثمانين من القرن العشرين. كما بدأت مكتباته تغلق أبوابها بشكل متدرج مع انتشار الإعلام التلفزي والفضائي والرقمي. وفي هذا الصدد، اكدت الباحث مليكة على انه ينبغي للجزائر أن تبذل مجهودات جبارة في مجال أدب الأطفال عن طريق تخصيص الجوائز المالية والتقديرية لخدام أدب الأطفال وكتابه ومبدعيه سواء أكانوا من الجزائر أم من الوطن العربي كما تفعل قطر والإمارات العربية المتحدة في هذا الشأن. و على الجزائر أن تسهر أيضا على تنظيم مهرجانات ومسابقات مسرح الأطفال من فينة إلى أخرى ، وأن تكثر من بناء المكتبات عن عزوف الطفل عن القراءة، قالت بأن غياب الكتاب الجيّد من أهم أسبابه، معتبرة تقديمه الحالي لا يبعث الثقة في نفس الطفل ولا يشبع ميوله ورغباته، مما لا ينمي لديه الاستعداد للمتابعة والرغبة في الإطلاع والقراءة على حد تقديرها. و دعت إلى إنشاء هيئة رقابية على ما يصدر من أدب الأطفال للحد من الكتابات الرديئة.و أن تكون اللغة الفصحى المبسطة هي اللغة المعتمدة في مخاطبة الأطفال والكتابة لهم، والعمل على وضع رصيد لغوي متدرج لكتّاب أدب الأطفال، و الخروج عن نطاق المتعة والتسلية ونقل التراث و التوجه نحو أهداف أخرى أكثر عمقا وتناسبا مع طبيعة العصر الذي نعيشه، لحثه على تعلم مهارات التفكير الإبداعي. و من جهتها أكدت الباحثة على ضرورة التقيّد بالمراحل العمرية للطفل و مراعاة مستواه و درجة نموه و استيعابه و ذلك بحسن انتقاء الألفاظ السهلة و الواضحة، مع الابتعاد عن أسلوب الوعظ و النصح المباشر... و استدلت بعدد من الباحثين و الكتاب العرب من بينهم الكاتب العراقي الهادي نعمان الذي يلح على ضرورة الابتعاد عن الإطناب و الرطانة و العمل على تقديم الأفكار بصيغ أدبية لا ترهق الطفل.