طبّي يؤكّد أهمية التكوين    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    استئناف نشاط محطة الحامة    السيد بلمهدي يبرز بتيميمون امتداد الإشعاع العلمي لعلماء الجزائر في العمق الإفريقي والعالم    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    مجلس الأمن: الجزائر تعرب عن "قلقها العميق" إزاء التدمير المتعمد لخطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    قرار محكمة العدل الأوروبية رسالة قوية بأن كفاح الشعب الصحراوي يحظى بدعم القانون الدولي    إيطاليا: اختتام أشغال اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    لبنان: الأطفال في جنوب البلاد لا يتمتعون بأي حماية بسبب العدوان الصهيوني    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7 بإيطاليا: مراد يلتقي بنظيره الليبي    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7: السيد مراد يتحادث مع نظيره الايطالي    مجمع سونطراك يؤكد استئناف نشاط محطة تحلية مياه البحر بالحامة بشكل كامل    ضبط قرابة 94 كلغ من الكيف المعالج بتلمسان والنعامة قادمة من المغرب    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    زيارة المبعوث الأممي لمخيمات اللاجئين: الشعب الصحراوي مصمم على مواصلة الكفاح    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم قصر الباي    الأعضاء العشرة المنتخبون في مجلس الأمن يصدرون بيانا مشتركا بشأن الوضع في الشرق الأوسط    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    السيد بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للمشاركة في أشغال اللجنة الأممية الرابعة    أدوية السرطان المنتجة محليا ستغطي 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية نهاية سنة 2024    تبّون يُنصّب لجنة مراجعة قانوني البلدية والولاية    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    يوم إعلامي حول تحسيس المرأة الماكثة في البيت بأهمية التكوين لإنشاء مؤسسات مصغرة    السيد حماد يؤكد أهمية إجراء تقييم لنشاطات مراكز العطل والترفيه للشباب لسنة 2024    ليلة الرعب تقلب موازين الحرب    لماذا يخشى المغرب تنظيم الاستفتاء؟    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للشريط المرسوم    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    افتتاح صالون التجارة والخدمات الالكترونية    ديدوش يعطي إشارة انطلاق رحلة مسار الهضاب    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    شرفة يبرز دور المعارض الترويجية في تصدير المنتجات الفلاحية للخارج    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: سينمائيون عرب وأوروبيون في لجان التحكيم    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هل الشعر ديوان العرب..؟!    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب:الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    تدشين المعهد العالي للسينما بالقليعة    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    قوجيل: السرد المسؤول لتاريخ الجزائر يشكل "مرجعية للأجيال الحالية والمقبلة"    إعادة التشغيل الجزئي لمحطة تحلية مياه البحر بالحامة بعد تعرضها لحادث    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    حرب باردة بين برشلونة وأراوخو    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    الحياء من رفع اليدين بالدعاء أمام الناس    عقوبة انتشار المعاصي    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما يكتب ليس أدبا.. هو شهادة ميدانية .. إعلامية.. استعجالية.. انطباعية..
ربيع الثورات العربية وسرديات الميادين


الخالص منها لحظة الحرية فقط
"الكتاب يحرر.." يبدو أن اختيار شعار الصالون هو ركوب الموجة العربية بالتمام والكمال، وربما هو المعكوس الصحيح لواقع الكتابة العربية بعد الثورة العربية أو الربيع العربي الذي لابد أن يقابله ربيع أدبي ينتهل من واقع الأحداث ويعيد صياغتها سرديا..
الظاهرة طفت على كتابات الصالون واجتاحت أجنحته.. وأكدت على أننا أمام موضة أدبية جديدة، ولنقل أمام خيار أدبي جديد.. لكن هل يمكن أن ندرج هذه الكتابات في خانة الأدب؟؟ هل كل هذا الزخم أدب استعجالي لا يتجاوز البلبلة الإعلامية؟؟ أم أنها شهادة تاريخية ستوثق الثورات العربية يوما ما على صفحاتها؟؟
في معرض الجزائر التقت "الفجر" أصوات كتبت في هذا الخيار الجديد.. وأخرى قرأت..
واسيني لعرج..
لم أقرأ عملا أدبيا يتحدث عن الربيع العربي..
لحدّ الساعة، لم أطلع على نص يتناول الثورات العربية. قرأت أعمالا تتحدث عن شخصية الدكتاتور.. الوضع العربي العام.. الفقر.. السجون.. وكل الممارسات السابقة للنظام الذي أسقط أو يحاول الثوار إسقاطه. قرأت أعمالا لها رؤية للمستقبل الذي ينتظر الأمة العربية، بناء على هذه الأوضاع، لكن لم أقرأ عملا يتحدث عن الربيع العربي.
الفكرة موجودة لدى جيل كامل من المبدعين والكتّاب والشباب الذين يعايشون هذه اللحظات التي تمر بهم، ولكن ما تناوله هؤلاء في كتبهم التي صدرت لحد الساعة، أغلبها عبارة عن تدوينات يومية لما عاشه هؤلاء أيام الثورة، كالتونسيين والمصريين ولكنها مجرد يوميات تتحدث عمّا كان يحدث أثناء فترة الثورة، وهي في الغالب يوميات يطغى عليها الطابع الذاتي والرؤية الذاتية للأمور. المختصون في الأصناف الأدبية الواسعة يعتبرون هذه التدوينات أو الإصدارات التي كتبت وخرجت للعلن، جزء من الثقافة العامة ولكن لا يصنفونها ضمن الرواية الجادة. ربما هي تدخل في المفهوم العام للأدب لأنها تشبه المذكرات والسيرة الذاتية لكن الأدب بالمعنى الكلاسيكي لا زالت بعيدة عنها، ولكن يمكن لهذه الإصدارات أن تتحول في الفترة الماضية بعد الاشتغال الجيد والكبير عليها من أن تكون ضمن أحد الأصناف الأدبية، لأن الكتابة الأدبية عادّة لا تكون آنية وتحتاج إلى التريث في استشراق وتدوين كل الأحداث المحيطة بهذه القضية.
لكن هذا لا يعني أنه من الصعب تصنيف هذه الكتب ضمن الأدب وليس الأدب الإستعجالي الذي أصبح يطلق مؤخراً بكثرة في الأوساط الأدبية، والتاريخ يحتفظ لنا بالنص الموسوم ب"الدون الهادئ"، لميخائيل شولوخوف الذي كتبه إبّان الحرب العالمية الثانية وكتبه في خضم أحداث الحرب، وأصبحت مرجع ثقافي وتاريخي لتلك الأحداث، وهناك أيضا كتابات نجيب محفوظ التي عاشتها مصر في عهده، ولكن التقييم الأدبي بين تلك الأعمال وما يكتب اليوم عن ربيع الثورات العربية مختلف، فالكثير من النصوص الأدبية لا تتحدد بالفترة الزمنية، ولكن تتحدد بالقيمة الأدبية، ورؤية الكاتب نفسه.
شخصيا لا أؤمن بأن النص ينشأ في الثانية نفسها والدقيقة نفسها والساعة نفسها، فالنص يحتاج إلى البعد الزمني لكن اللحظة التي يكتب فيها الكاتب يمكن أن تكون لحظة مصاحبة للأحداث المحيطة به، كثورات الربيع العربي، فالأدب مسألة معقدة وليس بالسهولة التي نعتقد.
طبعا هذا لا يعني بأنني مع فكرة الأدب الاستعجالي، لأنني لا أعمل به فهناك أما أدب أو لا، حتى حين أطلقت تسمية أدب استعجالي أول مرّة في مؤتمر بباريس سنة 1993 وكنت حاضرا فيه، أطلقت على أدب معين يكتب في لحظة من اللحظات مربوط بالعامل الشخصي وليس بالظرف الذي يكتب به النص، لذا النقاد وحدهم والقراء والصحافيون من يملكون الحق في تصنيف ما يكتب اليوم.
هشام الخشن:
" 7 أيام في التحرير" هي لحظة الكتابة الواقعية
الكاتب كائن اجتماعي أكثر منه سياسي.. ولأن جلّ كتاباته هي كتابة اجتماعية خالصة تتناول التركيبة الاجتماعية في مصر وتصور أحوال الناس والبلد.. فهي بذلك بعيدة عن السياسة والساسة وربما عكس ذلك كتابي الأول "ما وراء الأبواب" الذي يروي يوميات عائلة مصرية والصراع الدائر بين أفراد الأسرة.. الرواية الثانية "حكايات مصرية جداً" تعالج قضايا متعددة في المجتمع المصري.
بالنسبة لي شخصيا أعتقد أن موجة الربيع العربي التي اجتاحت الوطن العربي بصفة عامة ومصر بصفة خاصة ليست بالضرورة قراءة سياسية وإنما هو وصف للأحداث الواقعة في ميدان التحرير مثلا على غرار روايتي الأخير "7 أيام في التحرير" هذه الرواية سبقتها أفكار أثرت بشكل كبير في تفكيري منها الثورة الجزائرية المجيدة والعشرية السوداء التي مرت بها الجزئر سنوات التسعينيات، حيث إنني قرأت عنها وهي في مخيلتي..
لكن أن أكتب عن ثورة الحادي عشر فيفري وثورة الشباب المصري الذي انتفض ضد آل مبارك والحكومة المصرية كان أمر نابع من معايشة يومية وأكثر هو مكابدة يومية، والأهم هو هذا.. بدأت كتابة هذه الرواية في خضم الأحداث التي ألت الأوضاع في مصر ورغم أنها لن تأخذ مني الوقت في إنجازها.. حوالي أربع شهور فقط إلا إنني اعتبرها بمثابة شاهد على ما جرى، لأنها تسجيل للوقائع في ذات الوقت، خشية من أن تتناسى أو تضيع وتتلاشى مع مرور الزمن.
لكن من جانب أخر أرفض تصنيفي ضمن فئة الكتاب الذين ركبوا أمواج الكتابة الجديدة والباحثين عن الشهرة لأنه في اعتقادي هذا ليس أدبا استعجاليا البتّة بدليل ما ينشر على صفحات الأنترنت من مقالات ذات أفكار عالية أتت بعد تريث وقراءة طويلة للمتغيرات الراهنة، ربما في طريقة جديدة في التعبير.. سريعة وصريحة وقريبة من الواقع.
أمين الزاوي:
كل هذا أدب شهادة لا غير..
موضوع الثورات العربية والربيع العربي كما يسميه البعض والكتابة الأدبية المرافقة له..تبدو وكأنها مسلوقة لظرف معين لأن البحث في التغيرات العربية وما يحدث في الساحة العربية هي مسألة عادية جدا في الكتابة العربية، والذي يقرأ التاريخ ويقرأ المجتمع العربي يدرك بأن ما يحدث الآن كان متوقعا يعني تقرأ مثلا "شارع إبليس" تجد هناك إشراف وتلمس لما يمكن أن يحدث، هل هي ثورة؟؟ هل هو التغيير .. علامات استفهام كثيرة نجدها في الشارع وفي شارعنا العربي.
لا أظن أن التغيير يكون دائما إيجابيا، بل في بعض المرات تأخذ الأشياء شكلا خارجي ولكن الداخل تكون حقيقتها شيئا آخر تماما، لذا أقول ما كتب عن الثورات العربية سواء في الآداب أو السينما أو الفن التشكيلي يندرج ضمن أدب الشهادة لا غير، الذين شاركوا في هذه الثورات وكتبوا سواء قصائد أو أغاني لم تكن تشملهم صفة التأمل.. كتابات اللحظة دائما ممزوجة بالعاطفة الغالبة.. لهذا أرى أن ما كتب هو عبارة عن نصوص مسلوقة للاستهلاك الإعلامي فقط.
عز الدين ميهوبي:
نعم ..إنها كتابات انطباعية لا ترقى للأدب الحقيقي
يمكن أن نصنف ما كتب عن الثورات العربية ضمن ما يطلق عليه بالأدب الإستعجالي لأنه أدب ساخن وهو نتاج حالة سريعة، لذا أغلب الكتابات التي تصدر في مثل هذه الظروف هي كتابات انطباعية تستلهم قصصها ونصوصها من أجواء ما يحدث وما يعاش على أرض الواقع، إلا أن الكتابات الأكثر عمق ربما ستكون بعد سنوات بالإضافة إلى أن أغلب المحاولات جاءت على يد الشباب لأنهم شهود هذه المرحلة وهم بذلك يقدمون شهاداتهم الحقيقية لا غير، لكن هذه الكتابات هي نوع من الأدب أو بالأحرى هي كتابات مرحلة مثلها مثل الكتابات التي ظهرت أيام الحرب الأهلية في لبنان أو الكتابات التي تفاعلت مع سقوط جدار بلين وهي نصوص يمكن أن نقرأ من خلالها الحدث في زمانه، كما لم يخض في هذا الانفعال الثقافي وبشكل معمق كبار الأدباء الذين هم ربما بصدد التحضير لأعمال أدبية تفرغ الربيع العربي من خباياه وتعطيه بعدا أدبيا أوسع غير أنهم على الأرجح ينتظرون حتى تتبلور الصورة وتتضح أكثر، فليس بالضرورة أن يتفاعل الأديب مع ما يحدث في اللحظة الآنية وإنما الأهم هو ما سيكون بعد سنوات وما ستنتجه قريحته الأدبية وتجود به على الحقل الأدبي والمؤكد أن نتائج ما حدث ويحدث ستظهر بعد سنوات، كما لا يمكن إخضاع هذه الكتابات إلى مقاييس معينة على اعتبار أنها تفاعل مع حدث معين لذلك لا يمكن وضع الإنتاج الأدبي الذي صاحب الربيع العربي تحت المجهر وإخضاعه لمعايير نقدية معينة وخاصة صارمة لأن الحدث بعمقه نقرأه بعد سنوات والأدب الحقيقي يتمخض مستقبلا.
مليكة مقدم:
كتابات الربيع العربي مهمة من الجانب التاريخي.. حتى لا يُكتب التاريخ بالأيادي الخاطئة..
بالطبع يمكن اعتبار الكتابات التي تفاعلت مع الأحداث الأخيرة في الدول العربية على أنها أدب لكنها تتجاوز هذا الطرح لأنها عالجت مواضيع هامة في العالم العربي، ونقلت الصورة الحقيقية للأوضاع التي يعيشها العرب من خلال التفاعل الآني مع الأحداث، لكنني أعتقد أن هذه الثورة في حد
ذاتها استلهمت من الكتب وبالمعنى الأصح من الأدب بشكل عام ومن نظام تعليمي نوعي سمح بتمخض طبقة اجتماعية واعية أخذت على عاتقها كتابة تاريخها حتى لا تتركه في الأيدي الخاطئة والمكان الخطأ لذلك فهو أشبه بالذهاب والإياب من و إلى الأدب، وهو ما حصل في تونس فما كتب لحد الآن عن ثورة الياسمين مرده إلى الاهتمام الذي أولته الدولة لمناهج التعليم لذلك فما كتب يصنف في دائرة الأدب لأن له بناءً سليما، أما أدباء مصر فكانت لديها المادة الخام للكتابة فاستثمروها لصالحهم، لذلك الكتابات التي خرجت مع ثورة الياسمين وثورة ال 25 من يناير قد تلهم حتى المبدعين في مجال الصناعة السينمائية التي تتغذى من الكتب والإنتاج الأدبي بصفة عامة.
ولا يمكن القول أن الكتابة عن هذه الأحداث يأتي بالضرورة بعد سنوات في الوقت الذي يمكن التكفل بذلك اليوم ما دام هناك أشخاص يمكنهم التفاعل بسرعة مع الحدث، وحتى إذا صنفت هذه الكتابات ضمن الأدب الإستعجالي أو الظرفي فباستطاعتها صناعة كتب جيدة تكون شواهد أولى على مرحلة معينة، إلا أن هذا لا ينفي أن الأدب والثقافة بحاجة إلى وقت أطول وأعمق لأن الوقت مبكر للحكم على نوعية الإبداعات التي صاحبت الثورات العربية وهذه الأخيرة لم تنته بعد، بالإضافة إلى أن الكتابة السليمة تتطلب إلى جانب توفر الموضوع القدرة على التوظيف السليم والتحكم الجيد والصناعة الأدبية التي لا يملكها سوى الكاتب المقتدر الذي يتحكم في أدواته لأن الكتابة هي مجموعة من التبادلات التي تخدم بالدرجة الأولى الحقل الأدبي.
مايسة باي:
هي كتابات جميلة لأنها نابعة من لحظة حرية..
لم أوافق يوما على مصطلح الأدب الإستعجالي، غير أنني أعتقد أن الكتّاب لم يجدوا الوقت بعد للكتابة عن الثورات العربية، لأن التفاعل معها لا زال قائما فهم يعيشون لحظاتها إلى غاية اليوم، لذلك يجب الانتظار حتى تمضي العاصفة لجمع شتات ما خلفته ورائها، لكن ما يمكنني قوله أنه قبل الأحداث هناك العديد من الكتّاب الذين كتبوا عن هذا النوع من الحرية والنضال وهو رد لأولئك الذين طالما همشوا دور الأديب والمثقف في صناعة القرارات الهامة داخل البلد، كما أنني لم أقرأ لغاية اليوم كتابات عن أحداث مصر وتونس وجلها كانت محاولات شبابية لأنه جيل تفاعل مع الأوضاع ليس فقط بالكتابة وحتى بإبداعات أخرى كالغناء والشعر وغيرها من أساليب التعبير واستغلوا ذلك أحسن استغلال، إلا أن هذا لا يمنع من الاستماع لصوت الشباب الذي يصنع الحاضر والآتي وعلينا انتظار ما سيسفر عليه المستقبل، إلا أنني أعتبر هذه المحاولات الكتابية تفاعلية احتكت مباشرة مع حقائق معينة ويجب أن ننتظر حتى تتراجع هذه الكتابات لأن هذا التراجع بإمكانه خلق كتابة حقيقية أو بالأحرى حتى نتمكّن من قياس نتائج ما يعيشه الكاتب اليوم من اختلاط الأمور، والشيء الجميل أن ينطلق الفرد من الواقع في كتاباته حتى يتحصل على رؤيا جيدة يميز من خلالها بين الإيجاب والسلب، وهو ما حدث في الجزائر أين برز سنوات العشرية السوداء نوع كتابي سمي بالكتابة الظرفية أو الاستعجالية حاكت تلك المرحلة ثم اختفت وأنا لم أتفق مطلقا مع هذه التسمية لكن الفرد بحاجة للكتابة لتحرير غضبه وخوفه وحالة اللااستقرار التي يعيشها وأنا أفضل تسميتها الكتابة الجديدة عن الحرية.
الناشر عماد الغزالي:
من الضروري التأسيس للمرجعية التاريخية للثورة التونسية
هناك عديد الأقلام التي كتبت عن الثورات العربية وتواصلنا معنا كدار نشر، لها مكانتها في الوسط الثقافي في تونس، عدد من الكتّاب الذين تناولوا الثورة التونسية، منذ انطلاقها، وحاولنا نحن من خلال لجنة القراءة الموجودة بالدار، من انتقاء الأعمال التي جاءت نابعة من فكر وعن تتبع لمسار هذه الأحداث، من قبل مؤلفيها، وليس أعمال كتبت فقط من أجل أن يسجل كاتبها حضوره في المشهد الثوري والتاريخي لهذه اللحظات.
رفضنا كناشرين عدّة أسماء وعدّة أعمال لم نرى بأنها قدمت الشيء الجيد الذي يمكن اعتباره مرجعا لتاريخ الثورة التونسية، وفي نفس الوقت نحن مستعدون لطبع والتواصل مع أي كاتب نرى بأن ما يقدمه من منتوج لا يدخل ضمن الكتابة الاستعجالية التي ستموت بمجرد القراءة الأولية للعمل.
عبده وازن:
علينا الانتظار قليلاً.. حتى تهدأ الثورة أولاً
يمكن أن نطلق تسمية الأدب الإستعجالي على الإبداعات الأدبية التي صاحبت الثورات العربية وإلى غاية اليوم قرأنا قصائد كتبت عن ثورة الخامس
والعشرين يناير في مصر وعن ثورة الياسمين في تونس، ما عدا ليبيا التي لم نقرأ بعد عنها لأن الأمور لم تتضح بعد، لكن رغم الزخم الكثير من الشعر الذي ولد مع هذه اللحظة التاريخية، إلا أن ما قرأناه لم يكن جماليا وفنيا وشعريا بحجم هذه الأحداث التاريخية التي قلبت الأنظمة وسجلت حالة جديدة من الوعي الإنساني والوعي السياسي وكذا الدولي، وهناك العديد من القصائد التي كتبت في خضم الأحداث وتفاعلت مع الربيع العربي حتى أن هناك دواوين صدرت في القاهرة على ما أذكر منها ديوان أحمد سرير، وغيره من الشعراء بالإضافة إلى الكتابات الشبابية التي تنشر على صفحات الفايسبوك والوسائط الإلكترونية الأخرى لكن الملاحظ بشكل عام وهو رد فعل أبداه الكثير من النقاد وحتى بعض الشعراء أن هذه القصائد فعلا لم تتقبل الحالة القوية التي حملتها هذه الثورة من أفكار أو مواقف ورؤى. وأعتقد أننا يجب أن ننتظر قليلا حتى تتبلور أكثر أحداث هذا الربيع العربي شعريا وإبداعيا وحتى روائيا.
علي الفندري ممثل اتحاد الناشرين التونسيين:
جزء كبير من كتب الثورة هي في الأصل كتب ممنوعة في النظام السابق
رغم النقد الشديد الموجه له والجدال الدائر في الآونة الأخيرة عما يسمى ب"الأدب الاستعجالي "إلا أنني أعتقد العكس بالنسبة إلى بلد كتونس كانت الأفكار فيه مقيدة ومحصورة في نطاق معين وهي طاعة الوالي أو الحاكم. فيما مضى كانت هناك كتب كانت ممنوعة من الدخول إلى تونس من طرف السلطة الحاكمة لكن مع زوال نظام بن علي حررت وترجمت إلى اللغة العربية ومنها بعض الكتب التي انتقدت في وقت سابق النظام التونسي كالكتاب الناطق بالغة الفرنسية لكاتب فرنسي وسمه ب "صديقنا بن علي" والذي تم إصداره منذ سنتين حيث قدم الكتاب في حوالي 200 صفحة لكنه لم يرى النور ولم يعرف الطريق إلى تونس بسب عدم سماح السلطات له حينها بالدخول إلى المكتبات التونسية لأنه بكل بساطة ينتقد نظام المرحلة السابقة من حكم بن علي، لكن بعد ثورة الياسمين تم إدخاله وترجمته إلى اللغة العربية، إضافة إلى كتاب "الثورة التونسية" للكاتب نزار شقرون منع هو الآخر لأنه كتاب سياسي بالدرجة الأولى ينتقد سياسة بن علي والحزب الواحد كما يتناول الخروق الأمنية التي حدثت إبان فترة الرئيس المخلوع وغيرها من العناوين والكتيبات الصغيرة الصادرة مؤخرا عن اتحاد الناشرين التونسيين لبعض الأحزاب السياسية ك "تونس في التاريخ من جديد" و" ي نظام سياسي لتونس".
عز الدين التازي:
الإبداع يحتاج إلى مسافة في الذاكرة من أجل استعادة اللحظة وإعادة تشكيلها
الإبداع الروائي والشعري يحتاج دائما إلى مسافة في الذاكرة من أجل استعادة اللحظة وإعادة تشكيلها إبداعيا، لذلك أنا قد استمعت إلى عدد من الأصوات التي كتبت عن ربيع الثورات العربية، خاصة من مصر. وقد حدثني الكاتب المصري الشهير إبراهيم عبد المجيد عن مشروع كتابة حول ميدان التحرير وقال بأنه إذا لم ينجح في التمكن من اللحظة التاريخية وتخييلها روائيا فلن يكتب عن هذا الموضوع مطلقا.
من خلال رؤيته العميقة هذه، يتبيّن لنا أن الإبداع ليس من شأنه أن يستعجل الكتابة حول وقائع ربما لم تتبيّن ملامحها الكبرى بعد وبالنسبة لي فإن كل من يكتب عن اللحظة في سخونتها في طرواتها هو يستعجل الكتابة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالجنس الروائي ربما الشعر من طبيعته أن يستجيب بسرعة للأحداث لأنه يقوم على انفعال وعلى عاطفة. أما بخصوص الأعمال الأدبية الأخرى فهي تقوم على التفاصيل وهذه التفاصيل لا يستطيع الروائيين اقتناصها إلا بعد مرور مسافة زمنية بينها وبين فعل الكتابة عنها، وغير ذلك فكل ما يكتب من نصوص أدبية حول الثورات العربية التي لا زالت لم تتبلور ملامحها بعد فهو أدب استعجالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.