من يكون الفاروق؟ الفاروق أبو حفص ، عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزَّى القرشي العدوي ، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ( 40 عام قبل الهجرة ) ، عرف في شبابه بالشدة والقوة ، وكانت له مكانة رفيعة في قومه اذ كانت له السفارة في الجاهلية فتبعثه قريش رسولا اذا ما وقعت الحرب بينهم أو بينهم و بين غيرهم وأصبح الصحابي العظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل صاحب الفتوحات وأول من لقب بأمير المؤمنين. إسلامه أسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية المشرفة ، فقد كان الخباب بن الأرت يعلم القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الإسلام ورسوله ، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة حتى صاح صيحته المباركة ( دلوني على محمد )،وسمع خباب كلمات عمر ، فخرج من مخبئه وصاح ( يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه،فإني سمعته بالأمس يقول ( اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك ، أبي الحكم بن هشام ، وعمر بن الخطاب ) فسأله عمر من فوره ( وأين أجد الرسول الآن يا خباب ؟) وأجاب خباب ( عند الصفا في دار الأرقم بن أبي الأرقم )،ومضى عمر إلى مصيره العظيم ففي دار الأرقم خرج إليه الرسول فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل السيف فقال ( أما أنت منتهيا يا عمر حتى يُنزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الدين بعمر بن الخطاب ) فقال عمر ( أشهد أنّك رسول الله )،و بإسلامه ظهر الإسلام في مكة اذ قال للرسول والمسلمون في دار الأرقم ( والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك ) وخرج المسلمون ومعهم عمر ودخلوا المسجد الحرام وصلوا حول الكعبة دون أن تجرؤ قريش على اعتراضهم أو منعهم ، لذلك سماه الرسول ( الفاروق ) لأن الله فرق بين الحق والباطل. لسان الحق و أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن علماء الصحابة وزهادهم ، وضع الله الحق على لسانه إذ كان القرآن ينزل موافقا لرأيه ، يقول علي بن أبي طالب ( إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه ) كما قال عبد الله بن عمر ( ما نزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر )،عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله( لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون ، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ) وزاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال النبي ( لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ) قال ابن عباس -رضي الله عنهما- ( من نبي ولا محدث ). لا يخشى في الحق لومة لائم كان قويا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، فقد استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله وعنده نسوة من قريش ، يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله فدخل عمر ورسول الله يضحك ، فقال عمر ( أضحك الله سنك يا رسول الله ) فقال النبي عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ) فقال عمر ( فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ) ثم قال عمر ( يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله فقلن ( نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله ) فقال رسول الله ( إيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غيرفجك )،ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمون يخرجون سرا ، وقال متحديا لهم ( من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي ) فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه. خلافة الفاروق رغب أبو بكر -رضي الله عنه- في شخصية قوية قادرة على تحمل المسئولية من بعده ، واتجه رأيه نحو عمر بن الخطاب فاستشار في ذلك عدد من الصحابة مهاجرين وأنصارا فأثنوا عليه خيرا ومما قاله عثمان بن عفان ( اللهم علمي به أن سريرته أفضل من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله ) وبناء على تلك المشورة وحرصا على وحدة المسلمين ورعاية مصلحتهم،أوصى أبو بكر الصديق بخلافة عمر من بعده ، وأوضح سبب اختياره قائلا (اللهم أني لم أرد بذلك إلا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم ، واجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم ) ثم أخذ البيعة العامة له بالمسجد اذ خاطب المسلمين قائلا (أترضون بمن أستخلف عليكم ؟ فو الله ما آليت من جهد الرأي ، ولا وليت ذا قربى ، واني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ) فرد المسلمون (سمعنا وأطعنا) وبايعوه سنة ( 13 ه ). انجازاته استمرت خلافته عشر سنين تم فيها كثير من الانجازات المهمة لهذا وصفه ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال ( كان إسلام عمر فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت إمامته رحمه ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا)،فهو أول من جمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان سنة ( 14 ه ) ، وأول من كتب التاريخ من الهجرة في شهر ربيع الأول سنة ( 16 ه ) ، وأول من عسّ في عمله ، يتفقد رعيته في الليل وهو واضع الخراج ، كما أنه مصّر الأمصار ، واستقضى القضاة ، ودون الدواوين ، وفرض الأعطية ، وحج بالناس عشر حِجَجٍ متوالية ، وحج بأمهات المؤمنين في آخر حجة حجها وهدم مسجد الرسول وزاد فيه ، وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد ، ووسّعه وبناه لمّا كثر الناس بالمدينة ، وهو أول من ألقى الحصى في المسجد النبوي ، فقد كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ، فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق ، فبُسِط في مسجد الرسول،وعمر -رضي الله عنه- هو أول من أخرج اليهود وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام ، وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة. هيبته وتواضعه وبلغ -رضي الله عنه- من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الأفنية ، وكان الصبيان إذا رأوه وهم يلعبون فرّوا ، مع أنه لم يكن جبّارا ولا متكبّرا ، بل كان حاله بعد الولاية كما كان قبلها بل زاد تواضعه ، وكان يسير منفردا من غير حرس ولا حُجّاب ، ولم يغرّه الأمر ولم تبطره النعمة. استشهاده كان عمر -رضي الله عنه- يتمنى الشهادة في سبيل الله ويدعو ربه لينال شرفها ( اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك) وفي ذات يوم وبينما كان يؤدي صلاة الفجر بالمسجد طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ( غلاما للمغيرة بن شعبة ) عدة طعنات في ظهره أدت إلى استشهاده ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ولما علم قبل وفاته أن الذي طعنه ذلك المجوسي حمد الله تعالى أن لم يقتله رجل سجد لله تعالى سجدة ودفن إلى جوار الرسول وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في الحجرة النبوية الشريفة الموجودة الآن في المسجد النبوي في المدينةالمنورة.