من خلال النظر إلى الواقع المؤلم يتبين لنا مدى أهمية التربية كعامل أساسي في تنشئة جيل يعمل لخدمة الأمة، يتضح لنا أن البذور إذا اعتنينا بها خرج الزرع طيبا، فكذلك الطفولة إذا عني بها خرج لنا جيلا صالحا، أما اليوم وفي ظل البيئة السيئة وانهماك الوالدين في الأعمال المختلفة، أصبح الآباء بعيدون عن تربية أبنائهم وإذا جلسوا معهم إما أن يكونوا معكري المزاج فلا يجد الأولاد سوى الصراخ والعويل دون كلمة حانية أو بسمة رفيقة أو مداعبة رقيقة متناسين أن الأطفال هم بمثابة العود الأخضر الذي لابد من تنميته وتقويمه لأنه الجيل القادم الذي سيكون على عاتقه مسؤولية بناء حضارة المجتمع ومستقبله المشرق ومن بين القعدة التي تخلى عنها الآباء في "قعدة" حكاية ما قبل النوم أي "المحاجية"التي هي خير وسيلة للوصول إلى ذلك ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقص على أصحابه قصص السابقين للعظة والاعتبار وقد كان ما يحكيه مقدما بقوله: " كان فيمن قبلكم " ثم يقص صلى الله عليه وسلم على مسامعهم القصة وما انتهت إليه.كان يا ما كان في قديم الزمان لحتى كان.... "الستوت".."اللونجة بنت الغول".. "بقرة اليتامى"... "حيزية و ابن عمها سعيد" لازمة سمعناها من أفواه الجدات والأمهات وربما أحيانا كثيرا الآباء ولكنها غالبا ما ارتبطت بالجدات اللاتي حرصن على وجود عبرة في نهاية كل قصة...، وانتقلت تلك الحكايات عبر الأجيال وبقيت فنا عريقا فأحداثها من الواقع وإن كانت تمتزج بالخيال، ليبقى الأهم من هذا أنها تضم حكما ومواعظ فهناك من يجد مثله في شجاعة «عنترة بن شداد»، و معجزة "بقرة اليتامى"، ناهيك عن جمعة الجدة أو الأم من حولها وتحدثها عن حكايات الخيال والقصص الجميلة عن سندريلا، أو ليلى والذئب، والثلجة البيضاء واللونجة بنت الغول.. أما اليم فغاب هذا ليعوضه الانترنت والكمبيوتر وبرامج الفضائيات بمسلسلاتها وأفلامها التي لا تخلو من عنف وقتل حتى برامج الأطفال، وإلى الآن لا زال المختصون يشيدون بأهمية الحكاية والقصة في تنمية القدرات الذهنية لدى الطفل.وهناك عدة ركائز وأساليب يعتمد عليها في نجاح العملية التربوية وإيصالها إلى المستوى المطلوب، منها تنمية الإدراك عند الطفل من خلال قراءة القصة له، فما هو تأثير قراءة القصة عند الطفل؟ وهل للقصة دور في تنمية وعيه الإدراكي ؟ وما هو دور الأم في هذا الأمر؟ ولماذا نجد إن قراءة القصص للطفل من قبل الأم قد تضاءلت؟ الإجابة على هذه الأسئلة كان هذا الاستطلاع هو حصيلة جولتنا: عندما غابت الحكاية استعصت التربية بالرغم من أن قراءة قصة قصيرة للطفل قبل النوم قد تستغرق عدة دقائق، إلا أن آثارها قد تمتد لعدة سنوات في مستقبله، قفي ذاكرتنا، وذاكرة آبائنا والأجداد، أن الأطفال اعتادوا الاستماع إلى قصة ما قبل النوم من الأم أو الأب أو أحد افراد العائلة. «كانت قصة مميزة تتضمن كل مرة عبرة، عن الصدق أو الشجاعة أو الخير»، تقول صفية (34 سنة)، متذكرة قصة «الراعي والذئب» التي سمعتها أكثر من عشر مرات، بسياقات مختلفة، وأحداث مطولة وجديدة، تنتهي حين يأتي الذئب فعلا للقضاء على الخراف، لكن أحدا من أبناء القرية لا يأتي إلى نجدة الراعي، كونه كذب عليهم مرارا واستغاث كذبا فيهرعون إليه ولا يجدون ذئبا. الخيال تغير.. فصار ثلاثي الأبعاد. أما خالتي زوينة فقالت أن قصة ما قبل النوم عالم ساحر ينتقل إليه الطفل وهي بساط الريح الذي يحمله إلى آلاف الأمكنة وهي آلة الزمن التي تنقله إلى عصور مضت وأخرى قادمة على الطرق، وعن بناتها وحفيداتها تقول: لطالما عرفت بتنوع حكاياتي التي كنت أسردها لبناتي ولكن العصرنة غلبت قدراتي حيث بات أحفادي موصولين بهواتف آبائهم الخلوي، أو ال «آي بود»، قبل خلودهم إلى النوم. كلهم باتوا يغفون على أنغام الموسيقى الصاخبة، من غير قصة للأطفال تتلوها الأم أو الجدة على مسامعهم، فالموسيقى تفي بالغرض، وهذا يشير هذا السلوك اليومي إلى تغير نمط حياة الأطفال، وسط التطور التقني الهائل، وانفتاحهم على التقنيات المتعددة الوسائط فالخيال تغير وصار ثلاثي الأبعاد. "هاري بوتر" نال من "سندباد".. و"الغول" تحول إلى "شراك" أما يوسف أربعيني فقال: الأرجح أن الحكاية التقليدية لم تعد تلبي حاجات الأطفال، كأنهم يرونها عاجزة عن مجاراة خيالهم المعاصر، وسط ما يعتبرونه غياب "الواقع" عن مشاهدها، واقعهم هم، الحركة الدائمة والمغامرة التي تجعل سندباد يلهث وربما يوقعه التعب الذي لا ينال من "هاري بوتر" و "سيد الخواتم" وأطفال "نارنيا" وحتى "الغول" الذي تحول إلى "شراك" الذي أعادوا احتضانه اليوم إنما بنسخة سينمائية جديدة ثلاثية الأبعاد. القصص صارت أفلاما حورت فيها الشخصيات تناسب العصر أما سليم فقد أعرب عن رأيه قائلا: لازلت أحكي وأقرأ القصة لطفلتي وعودتها على ذلك كي أثير في نفسها التعاليم الصحيحة التي أريد زرعها في نفسها، فالفوائد التي يحصل عليها الطفل من القصة كثيرة جدا فهي تمنحه الكثير من المفردات والكلمات والمعاني وتساعده على التجاوب حيث تعطيه القصة أفكارا خيالية شفافة تمكنه من نمو شخصيته والتحدث والإثراء اللغوي والمعنوي".. وقد لاحظت أن غالبيتهم استغنوا عن القصص الشعبية، والخرافات التي كان يأنس لها أطفال حالمون بربيع دائم: ك"بياض الثلج والأقزام السبعة" و "سندريلا"، مسحتا من الحكايات المتداولة بنسختيهما المعروفتين، صارتا أفلاما حورت فيها الشخصيات لتناسب العصر. أين الذئب والأمير والساحرة؟؟..حكاياتهم لا علاقة لها بواقعنا وللطفل أيضا رأيه حيث لا يرى لقمان (9 سنوات)، في القصص التي تحاول أمه أحيانا أن تحكيها له قبل النوم "حقيقة"، فالمشاهد التي تخيلها "بعيدة جدا عما أشاهده يوميا، لا وجود لأمير، ولا لذئب، ولا لغابة". كان ينتظر تدخلا من الفضاء الخارجي، أو انتقالا سريعا على طريقة أفلام الكرتون، لكن أيا من هذين الاحتمالين لم يرد في القصة... فلم يعد يكترث لها.وفي ظل اكتظاظ الزمن الراهن بالوسائل الالكترونية، مصحوبة بضغط الحياة اليومية، تبدو عديدة أسباب عزوف الأطفال عن قصص ما قبل النوم التي تربى عليها كثيرون من آبائهم وأمهاتهم وناموا على إيقاع أحداثها. وقد يبقى بعض قصص الجدات حيا في ذاكرة الجزائريين، لكن غالبيتها تروى في هيئة حكم، في مجالس الكبار. احكوا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لما فيها من القيم والمبادئ وحول الموضوع تقول الأخصائية النفسانية مهني فضيلة أن من خلال قصة قبل النوم يمكن تربية الطفل وتنشئته تنشئة سليمة، من خلال أن يحكى له سيرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وسيرة أمهات المؤمنين، وصحابة رسولنا الكريم رضي الله عنهم جميعا، لما في قصصهم من قيم ومبادئ هامة جدا ليكتسبها الطفل، بجانب أن يحكى للطفل قصص القادة والعظماء أمثال صلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز ونور الدين الزنكي. العودة لمحاجية ما قبل النوم.. جد ضروري وقد ناشد أطباء علم النفس في العالم الأمهات في عالمنا المعاصر ضرورة العودة لمحاجية ما قبل النوم التي ترويها الأم بصوتها الحنون إلى طفلها بدلا من الاعتماد على ما تعرضه برامج التليفزيون وأشرطة الفيديو لان وجود الأم إلى جوار سرير ابنها قبل نومه يزيد من ترابط الطفل بأمه ويجنبه أي نوع من المخاوف أو الإحساس بالضيق ويمنع أي أحلام مفزعة أو كوابيس أثناء النوم.. فالطفل الذي يعيش بخياله أكثر من حياته لواقعها فهو يسرح كثيرا ويتأمل ويتصور الأشياء ويضيف إلى ما هو واقعي ملموس شيئا من الخيال حسب ما يتراءى له وفقا لحالته المعنوية وأحاسيسه الوجدانية كطفل يحلم أثناء يقظته ويتعامل مع اللعبة وكأنها حقيقة، فقد يكلمها ويأمرها ويحركها وقد يضربها في محاولة لتطويعها لإرادته ورغباته..وهذا التلاعب بالخيال هو سمة من سمات الطفولة وله أهمية في إثراء فكر الطفل وتنمية موهبته نحو التعبير عن نفسه. قصص الرعب تزرع أفكارا غير سوية في نفس الطفل "أما عن تأثيراتها السلبية فيقول الدكتور معفى جهاد أن أعظم الآثار السلبية لحكايات قبل النوم تقع علي عاتق القصص المخيفة أو المفزعة و التي قد تسبب اضطرابات النوم عند الطفل أو إصابته بالأحلام أو الكوابيس المزعجة..و هناك أيضا الأثر السلبي و الشديد الذي تتركه القصص التي يهدف منها الراوي زرع مبادئ أو أفكار غير سوية في نفس الطفل مثل إباحة السرقة أو ذكاء المحتال أو النصاب أو مشروعية مال الغير أو الاعتماد علي الحظ في تحقيق الآمال".