مكافحة الجراد الصحراوي: الجزائر تسخر إمكانيات هامة لمجابهة الآفة    عيد الفطر: تسخير أزيد من 54 ألف تاجر عبر التراب الوطني لضمان المداومة    صياغة قانون تجريم الاستعمار: تعيين نواب من العهدات التشريعية السابقة في اللجنة الخاصة    وزير المالية يعاين عدة هياكل خدماتية بميناء مستغانم    حج 2025: برايك يشرف على اجتماع تنسيقي مع وكالات السياحة والأسفار    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا الى 50183 شهيدا و113828 مصابا    وزارة التربية الوطنية تكشف عن رزنامة امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا دورة 2025    رخروخ يستقبل نوابا من المجلس الشعبي الوطني عن ولايتي تمنراست وعين قزام    الإذاعة الوطنية تنظم يوم الخميس الطبعة الثالثة من مبادرة "نحن أطفال الغد" لفائدة الأطفال المصابين بالسرطان    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شوال السبت القادم    النيجر: انطلاق الحفل الرسمي لتنفيذ قرارات الجلسات الوطنية لإعادة التأسيس    الجزائر وتنزانيا: شراكة متينة تعزز أواصر الصداقة والتعاون    عرض الفيلم التاريخي "زيغود يوسف" بأوبرا الجزائر    الجزائر-الموزمبيق (5-1)- وليد صادي : "فوز المنتخب الوطني هو رسالة واضحة للمشككين"    طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري    الإنجاز من شأنه "تعزيز مجتمع المعلومات والاقتصاد الرقمي الوطني "    نعم، لاستراتيجية فعالة تحقق أهداف تطوير كرة القدم الوطنية    ألنفط تؤهّل مازارين    مرّاد يشيد بجهود أجهزة الأمن    زروقي يستقبل شايب    اجتماع بخصوص الجامعية للنقل    إشادة بالرؤية الجديدة تجاه قضايا الشباب في الجزائر    مولوجي تؤكّد ضرورة تحيين المناهج    الجزائر تندد    الجزائر لن تخضع لأيّ محاولات ابتزاز    هذا موعد معرض الجزائر    مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية..ملف الجزائر تحوّل إلى ورقة دعائية في فرنسا    جبهة أخرى ضمن معركة الأمن المائي    اللحمة الوطنية درع الجزائر    أطماع المغرب في نهب ثروات الصحراء الغربية وراء إدامة احتلالها    قالمة..تكريم 6 فتيات حافظات للقرآن الكريم بعمرة للبقاع المقدسة    نحو تصنيف الفضاء كموقع عمومي    تعزيز التمسك بقيم التآزر والتكافل الاجتماعي    ترقية التعاون والشراكة مع بلجيكا في مجال الصحة    توتنهام يصّر على استقدام آيت نوري هذا الصيف    الروائع بكل تفاصيلها وسياقات إنتاجاتها    فرسان صغار للتنافس بمساجد قسنطينة    مفاجأة مدوية حول إصابة أنيس حاج موسى    الدعاء في ليلة القدر    ماجر: وفاة مناد صدمتني وعلاقتي به كانت قوية    المعتمرون ملزمون بالإجراءات التنظيمية    الفاف تدعو العاملين في مجال كرة القدم الى ضرورة المساهمة في القضاء على الشغب بالملاعب    برايك يتباحث مع السفير السعودي حول سبل تكثيف الجهود المشتركة خدمة للحجاج والمعتمرين الجزائريين    كرة القدم: رئيس الاتحادية يدعو جميع الفاعلين للانخراط في مشروع تطوير كرة القدم الوطنية    وزير الصحة يناقش توسيع آفاق التعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50144 شهيدا و 113704 اصابة    مؤسسة بريد الجزائر تصدر طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير    القرار يعكس التزام رئيس الجمهورية بوعوده تجاه الأسرة التربوية "    مرّاد: المشاريع هدفها خدمة المواطن    غزة تُباد..    فوزوا يا رجال.. لنقترب من المونديال    الوادي : تكريم 450 فائزا في مسابقة "براعم الذكر الحكيم"    بحضور وزير المجاهدين وذوي الحقوق.. بلال بوطبة يتوج بالجائزة الوطنية الشهيد مصطفى بن بولعيد للفن التشكيلي    احتقان في المغرب بين محاكمات الأساتذة وغضب النّقابات    تجارب الحياة وابتسامة لا يقهرها المرض    هؤلاء حرّم الله أجسادهم على النار    حج 2025: المعتمرون مدعوون للالتزام بالإجراءات التنظيمية التي أقرتها السلطات السعودية    ماذا قال ابن باديس عن ليلة القدر؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع الدائم بين الخير والشّر في قصص الجدات
الحكاية الشعبية
نشر في الجمهورية يوم 17 - 03 - 2011

تمثل الحكاية الشعبية إحدى المقومات الأساسية لثقافة الشعوب، إن لم تكن أهم تلك المقومات كيف لا وقد ظلت لقرون من الزمن هي الرابطة القوية التي تصل بين الأجيال فحكايات الجدات عبرت الزمن، وتحدت السنوات وانتقلت بين أجيال متعاقبة وإن كان الخيال الجمعي يضيف إليها وينقص منها حسب متطلبات الموروث الثقافي، فمن منا لم يستمتع بحكايات جحا عندما كنا صغارا، ومن منا لم ينبهر من شجاعة هذا البطل وتلك الأميرة لأن الجدة قد أتقنت رواية وحكي تلك الحكاية بكثير من التشويق والإثارة.. لكن هذه الحكاية الشعبية قد بدأت تنحسر وتتراجع في زمن الأنترنيت والتلفزيون ما دامت عقول وقلوب أطفالنا اليوم معلقة بالرسوم المتحركة، وأبطال وهميين يمتلكون القوة الخارقة والأسلحة المتميزة، وما دام الكمبيوتر يقدم للطفل من المتعة الكثير من خلال ألعاب مختلفة من سباقات سيارات وحروب يخوضها أبطال متعددو المواهب.. حتى قصص وحكايات الأميرات والأمراء والملوك المختلفة نراها ويشاهدها أطفالنا في أفلام كرتونية ذات تكنولوجيا متقدمة، لكن وإن كان زمن حكايات الجدات قد ولّى، والحلقات التي يصنعها الأطفال حول الجدة والأم للإستماع إلى حكاية قد ولّى، فإنه علينا أن نؤكد بأن أهمية الإستماع إلى حكاية وتخيّل ما يحدث فيها من أحداث متعاقبة جذّابة ومثيرة هو أمر ضروري لتنمية ذكاء الطفل وتوسيع خياله، ولا يمكننا والحال هذه أن ننكر بأنه يحس بمتعة كبيرة وهو يستمع ويستمتع بحكاية جميلة ترويها أمه بكلّ حبّ وحنان، وأخرى يجتهد الأب في سردها له بعناية كبيرة.
حكايات عالقة في الذاكرة
ومن القصص والحكايات التي ظلت عالقة بخيالنا وذاكرتنا حكايات جحا التي لا تخلو من النكتة والضحك، وحكاية لونجا هذه القصة الشعبية التي لها مكان خاص ومميز، وحكايات أخرى لأميرات وأمراء سمعناها منذ الطفولة الأولى في المدرسة، ولكن فيما يتعلق بحكايات الجدّات نجد حكايات لملوك وأمراء وأميرات نقف فيها عند قيم العدل والشجاعة، وانتصار الحق على الظلم مهما دام وطال ليله، فالخير هو الغالب دائما، والنية تغلب الحيلة، وكل مشاعر الشر سرعان ما تنهزم وتنكسر فجأة أمام سيف الحق القاطع..
وفي قصص ألف ليلة وليلة، ومنها حكاية السندباد البحري نجد الكثير، وكذلك علاء الدين والمصباح السحري، وذات الرداء الأحمر، وثليجة البيضاء والأقزام السبعة وكلها حكايات نذكرها، وإن لم تكن الجدات ترويها لنا، على اعتبار أن حكايات الجدة كان فيها من الخيال والإثارة والتوجيه الكثير، ولهذا فإننا نجد الحكاية الشعبية قد اتسعت لتشمل المسرحيات الخاصة بالأطفال التي تعتمد طريقة السرد والرواية أي أن البطل يروي للطفل المتفرج حكاية لها مغزى وهدف.
وفي موروثنا القصصي الشعبي نجد الحيوانات ونجد الغولة كرمز للحكاية لأن هذه الشخصية أي الغولة كانت تستخدم كشيء نخيف به الأطفال.. ولكن بالمقابل نجد بين أحداث الحكاية الشعبية مشاهد لا يصدقها العقل حيث تجول الحكاية بمن يسمعها في أجواء خيالية كلها سحر وجاذبية وأعمال شرّ تقوم بها الساحرات، والأشرار من أبطال تلك القصص، كما أن الحكاية الشعبية تبرز جانبا هاما من شجاعة البطل الذي يتصف بالدهاء والحيلة لتجاوز الصعاب وهو في نفس الوقت يحمل قيم الخير والعمل الطيب.
والبطل في الحكاية الشعبية يمتاز بالقوة والشباب والحكمة والجمال الذي لا حدود له، وكذلك الشجاعة التي تجعل منه بطلا بكل المعايير ونقف عند كل هذه الحقيقة من خلال أبطال قصص عديدة يدفعهم الفضول، والشجاعة ورباطة الجأش وحب الخير إلى التقدم إلى الأمام، وسط المصاعب والمتاعب والأشواك ومشاهد الخوف
رحلة في الخيال
ونخلص هنا إلى أن الحكاية الشعبية كانت ولا تزال فضاء يذهب فيه الخيال بعيدا، وتبرز فيه رغبة الإنسان الجامحة في اختراق آفاق بعيدة.. واكتشاف عوامل عميقة ومثيرة كعالم الجن و قدرة الإنسان على التحول إلى وحش وهو أمر غير ممكن لكن في خيال الإنسان يجد مكانا له. وإلى عالم الساحرات القادرات على تحويل البطل إلى حيوان، وكل هذا يعتبر من الخيال وغير الممكن، ونحن ندركه، ولكن نفضل هذه الحكايات الخيالية مع أننا لا نصدقها، بل يبدع البعض منا في نسج حكايات أكثر إثارة، ومع أن سنوات الطفولة الأولى تخزن هذه الحكايات ونستوعبها فإننا عندما نكبر نتذكرها، وندرك بأننا كنا سذجا نصدق حكايات الأطفال والأمراء والأميرات الساحرة، وبهذا ينمو في داخلنا هذا الكره لكل ما هو شرّ، ولكل ما هو رمز للأذى والإساءة للقيم الإنسانية ولكرامة الإنسان.
ومع أننا قد كبرنا في أجواء الحكاية الشعبية وقصص ترويها جداتنا عن حديدوان، وجحا ولونجة وليلى والذئب وقصص حيوانات مثيرة، فإننا نجد اليوم أطفالنا يتمسكون أكثر برسوم متحركة تبرز الخير والشر والصراع الدائم والدائر بينهما.. بل نجد أطفالنا ببراءتهم يتفرجون مشدوهين أمام مشاهد عنف في تلك الرسوم المتحركة، وينجذبون كثيرا إلى ألعاب إلكترونية على الكمبيوتر تصور عنف الحروب وحرارة التنافس في سباقات السيارات وغيرها، وهذا كله قد أبعد أطفالنا عن جو الحكاية الشعبية التي يقبل عدد قليل من الناس على قراءتها في قصص للأطفال تباع هنا وهناك دون أن تكون من بين أهم وسائل التعليم والتأديب في مناهجنا الدراسية وبرامجنا المدرسية، كيف لا ونحن مطالبون بأن نعوّد الطفل على تصفح قصة وقراءتها وهذا من باب تنمية خياله وتطوير أسلوبه وتأكيد ما تعلمه من حروف وكلمات، هذا فضلا عن أهمية الرسومات والألوان في تنمية الخيال الفني المبدع لدى الطفل لكننا لا نزال بعيدين عن هذا كله، ما دمنا لا نخصص وقتا ولو قليلا لقراءة قصة على التلاميذ ولو مرة في الأسبوع، ننمي فيها خيال الإبداع لديهم ونفتح عيونهم على آفاق جديدة، ونفسح لهم مجال السؤال مما يطور كثيرا ملكة وموهبة الإبداع ويفتح قدراتهم لنكتشف ما لديهم من ميولات ومواهب.
ربط الماضي بالحاضر
ولكن يظل هذا كله ضمن عمل وجهد يجب أن نقوم به لتستعيد الحكاية الشعبية مكانتها ونعيد ربط الماضي بالحاضر عبر هذا الحبل السري الذي هو الموروث الثقافي والشعبي فمن لا ماضي له، لا حاضر له، في زمن أقوى وأكثر التكنولوجنيات تطورا في مجال تلقين المعلومة وحشو رأس الطفل بأفكار وقيم قد لا نجد صدى لها في مجتمعنا ومعتقداتنا.
ومن جديد نقف عند الحكاية الشعبية لندعو من أعماق القلب إلى ربط ووصل أبنائنا بهذا اللون من الأدب الشعبي لأنه من أهم المقومات الثقافية عندنا ولو فرطنا فيه يوما فقد تتقطع جذورنا وأواصر إنتمائنا إلى من سبقنا من أجيال وقيم إنسانية فذّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.