كل منا يسعى لأن يحب و يحب أن يجد شخصا يحبه و يعبر له عن ما يختلج مشاعره ويكتنف أحاسيسه ودواخله، فالحب هو ذلك الخيط الرابط والناظم الذي يجمع بين قلبي رجل وامرأة، هو ذلك السر الذي يلهث وراء امتلاكه كل إنسان ليس بكلمة تقال في كل مرة التقينا أو كلمة تقال في كل مرة تحادثنا، هو ليس شعور يبدأ لفترة و ينتهي بعد ذلك بالنسيان و ليس بنظرة شفافة تمثل عند الحاجة، بل هو أسمى من ذلك وأرقى، فالحب هي النظرة الحنونة في كل وقت و في كل مكان تلك النظرة التي تبقى في مخيلتنا تتسم بالحنان و المودة و الدفء و هو تلك الأحاسيس التي تولد فينا عند لقاءنا و لا تنتهي و لا تعرف كيف تنتهي بل أنها تستمد طاقتها من قلوبنا و تكبر و تكبر لدرجة العشق ثم الجنون الحب هو ذلك الحضن الدافئ في الليالي الباردة و الليالي الحزينة و الفرحة هو ذلك الحضن الموجود في كل مكان و كل وقت و كل زمان لا يختفي باختفائنا أنت بل يبقى موجودا باختفائنا لأنه لا قيمة منحنا إياها الله عز وجل ليضفي لحياتنا معنى، فباختصار الحب قيمة إنسانية شغلت الناس والأدباء والمفكرين والفلاسفة منذ القديم فكانت مختلف التخصصات والمذاهب تعرف الحب بشكل مختلف تماما اعتمادا على تركيزها والمنظور الذي تنظر منه، فمن منا يستطيع العيش من دون حب أو حبيب، و الحب ليس مقتصرا على حب المرأة للرجل أو الرجل للمرأة بل هناك أنواع أخرى من الحب كحب الله عز و جل و هو أرقى أنواع الحب و هناك حب الأم لطفلها و حب الصديق لصديقه.. ولكن في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحظى بشعبية طاغية، أصبح العثور الحب العشوائي مهمة سهلة لا تتطلب أكثر من ضغطة زر لكن المأساة أن الشيء الذي يأتي سريعا يذهب سريعا.. القلب أصل كيان الإنسان ولبه، ومستودع الحب ومكمنه ففي زمن قد ولى حيث كان العشاق فيه أحسن وأصدق نبرة كان ساعي البريد وسيطا فيما بينهم يحمل رسائل المحبين من بلد إلى بلد كان فيه الحب أكثر واقعية يتبادلون رسائل المشتاقين العشاق إلى أبعد نقطة في العالم.. ولكن اليوم دخل الحب في عالم افتراضي بعيدا عن الواقع، يخفي فيه الأشخاص أسماءهم وصورهم، وأصبح كعود الثقاب يشتعل بسرعة ويخبو بسرعة عند أقرب خلاف في وجهات النظر، فصار مجرد كلمة قابلة للمحو بضغطة زر واحد وبات لا يعيش إلا دقيقة واحدة عبر الانترنت فأنسى الناس تلك اللحظات المغمورة باللهفة التي كان العشاق ينتظرونها بحرقة وحرارة وقلق ومزيج من الشوق يعبر أنفاس المحب في رسالة حب يبدأ حروفها التي تفيض حبا وصدقا وأشواقا معطرة رسالة حب تصمد لآخر العمر وتعيش خالدة محفوظة للأبد في درج عتيق صغير بعد أن حفظت في فؤاد محروق غير قابلة للمحو والنسيان والحذف، أما رسائل الحب في العصر الحديث فهي مهملة على واجهة لوح إلكتروني أو في خانة صغيرة بواجهة جوال حديث أو في صفحات مغلقة بزاوية فيسبوك هكذا أصبح الحب في زمن مواقع التواصل الاجتماعي.ولكن كيف تبدأ علاقات التواصل الاجتماعي؟ كم من الأشواق اغتالها ال (فيسبوك)؟ وما هو مآل تلك العلاقات فيما بعد؟ وهل ضاع الحب في زمن الحداثة واللاحب؟ هذا ما تناولته الاتحاد من خلال هذا الروبورتاج وفقا لتجارب واقعية عاشها شباب اليوم.. علاقتي به خرجت من رحم الفايسبوك وانتهت على ارض الواقع نجية موظفة ثلاثينية تحكي عن علاقتها بأحدهم عبر الفايسبوك فتقول: حبي بدأ بضغطة زر وانتهى بأخرى سريعا، حيث أنني وذات يوم كنت أتصفح بعض الموضوعات في الفايسبوك فلفت انتباهي احد الموضوعات فرغبت في المشاركة برأيي، وأغلقت حسابي بعدها، ولكن ظل هناك شيء في نفسي يدفعني لمعرفة آراء الآخرين عن ما كتبته، وفي اليوم الثاني عدت أتصفح ما خطته أناملي ليلة البارحة، ولكنني تفاجأت بكم هائل من الصداقات التي تريد أن تكون على لائحتي، فقبلت بها وبعد عدة نقاشات وجد في شاب اهتمامات مشتركة، الأمر الذي مهد الطريق لإجراء محادثات مطولة عبر الشات، فشعرت الفتاة بشيء يشدني ناحيته، وقلبي يخفق عندما أقابله، وبعد مدة تحولت الصداقة إلى حب، كان يقسم لي بأنني الوحيدة في حياته، ولا يستطيع أن يعيش بدوني بل يتمنى تتويج العلاقة برباط مقدس، وبعد علاقة فايسبوكية ومكالمات هاتفية دامت 3 سنوات اكتشفت أن له عدة علاقات مع صديقاتي وحتى قريباتي كن على لائحة صداقاتي ومن خلال صديق له اكتشفت أنه متزوج ولديه ولدان بانتظار الثالث.. وعندما واجهته بالحقيقة لم يكلف نفسه عناء التفسير بل اكتفى بكبسة زر وألغاني من لائحته وغير رقم هاتفه.. فأيقنت أن هذه العلاقات هشة وعمرها قصير. فرق كبير بين حرف مخطوط وحرف مضغوط أما رؤوف فقال أن الكلمات الإلكترونية لا تعبر بصدق الحب العذري المقدس النابع من القلب العابر لكل قارات الحب إلى محبوب يستحق أن يوهب مشاعر حب جميل يدغدغ الأحاسيس ويبهجها، فما أحوجنا اليوم إلى ذلك الزمن الجميل زمن الحب الصادق الذي لم يعرف الخديعة أو الكذب ولا سرعة التقنية التي قضت على لهفة الأشواق بانتظار رسالة تحمل الحرف ويحملها بكل عاطفة ودفء وقتها يظهر الفرق بين حرف مخطوط وحرف مضغوط. والقلوب هي التي يكون لها الحكم والاختيار بين حرفين مختلفين، وأضاف رؤوف قائلا أن التقنيات الحديثة شوهت معالم الحب ودنست جماله بقذرات كثيرة وقضت على كثير من جماله وجلاله ورونقه وحولته إلى آلة صماء بكماء لا مشاعر فيها ولا أحاسيس بل حولته إلى غابة ذئاب مفترسة أو ساحة صراع تموج بالغيرة والشك الذي لازم النقاط والحروف.. " حبيبتي مروجة مخدرات من درجة أولى"... أما رضا أربعيني فرثى علاقات الأمس قائلا: علاقات الأمس نشأت وعاشت بالحب وشبت وشابت بالهيام وحيت وماتت بالإخلاص فما أمس حاجتنا اليوم إلى ذلك الحب الذي ينصرف إلى احترام الطرف الأخر، إلى حب أسطوري يذكرنا بقصص الحب الأسطورية، وعن تجربته الشخصية في هذا العالم الافتراضي قال: أحببت فتاة من خارج العاصمة حيث تعرفت عليها من خلال أحد مواقع التعارف وكانت فتاة في قمة الجمال والأخلاق من ولاية وهران حيث نمت علاقتنا على الحب والصفاء وكنت أحمقا معصوب العينين فأخذت عائلتي لخطبتها وما إن وطأت قدمي باب منزلها حتى تملكتني الرهبة والخوف ظننت حينها أنه رهبة الفرح والخوف من المستقبل ولكن خوفي كان في محله حيث ما إن همم والدي بطرق الباب حتى جاءت الشرطة وسبقتنا واقتحمت المنزل فإذا بي ألمح حبيبتي وهي مكبلة بالأصداف فلحقت بها إلى مركز الشرطة وإذا بالطامة الكبرى " حبيبتي مروجة مخدرات من درجة أولى"... صداقة زائفة فيما يقول عامر. غ أستاذ علم النفس الخضر أن صداقات مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر والواتس أب و الفايسبوك تبدأ من خلال صورة زائفة لا تظهر للطرف الآخر إلا الجانب الذي يريد الشخص إظهاره، هنا تحمل هذه الصداقة الكثير من عناصر الزيف بعيدا عن الصدق الذي من المفترض أن يكون المبدأ الأول بين الأصدقاء، حيث يسعى كلا الطرفين إلى إظهار نفسيهما في صورة جميلة سواء من ناحية الشكل أو الوضع الاجتماعي، و إخفاء الجوانب السلبية، بل أن الكثير من الناس يستعينون بصور أناس من المشاهير لماذا؟ لأنهم يفوقوننا جمالا، ثم إننا نتقمص صورهم من أجل كسب صداقة الآخرين واحترامهم وتوددهم تجاهنا، إنها صداقة تبدأ بطرق مصطنعة.. يتوسطها حب لا عذري وينهيه إلغاء من لائحة الصداقات.فإذا كان الحب قد انعرج عن طريقه الصحيح وأفرغ من محتواه لدى الشباب، فالأمر كذلك في العلاقات الزوجية، حيث ارتفعت نسب الخيانة، والطلاق وفسدت الأخلاق وتفككت الأسر.