العطاء هو المقياس الأول لسمو الإنسان وميزة إنسانية لا بد منها من أجل أن ينهض كل مجتمع أينما كان فالعطاء من الأخلاق التي ينبغي أن نربي أنفسنا عليها فتهذيب النفس وتربيتها على الإحسان وإبعاد المشاعر السلبية التي منها الإيغال في حب الذات والأنانية المفرطة واللامبالاة في قضايا المحيط لتكون القلوب وهاجة لنشر الفضيلة والغيرة على المجتمع وحب الخير الذي يحفز على العطاء أمر ضروري، والمجتمع الإسلامي لطالما تميز بالترابط والتراحم والتعاون بين أفراده بمختلف فئاتهم، فقد حث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على الصدقة "الصدقة تسد سبعين بابا من السوء ويدل هذا على أن الصدقة تمنع الشرور وتقفل سبعين بابا من الضرر والفقر والهلاك والمرض. والصدقة لا تنحصر فقط في إعطاء المال أو إطعام المساكين والفقراء، بل إن هناك وسائل أخرى للصدقة، ومنها ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة".. ولكن هل مازال مجتمع اليوم مواظبا على ما حثه الله سبحانه وتعالى وسيرة رسولنا الكريم؟ديننا الإسلامي دين العدالة الاجتماعية ودين الرحمة، ومجتمعنا المسلم مجتمع مترابط قوي بأفراده، ومن الأجدر أن يكون هذا المجتمع مجتمعا تربط بين أفراده أواصر المحبة، التعاون، التكافل والتراحم والتواصل والبر بذوي القربى، والتلاحم والترابط الأخوي والإنساني، فهو مجتمع يسوده العدل والإحسان والتكامل، وتشد أفراده وشائج الأخوة وتشابك المصالح.. فالصدقة وبالذات الصدقة الخفية لها أثر كبير على نفسية المتصدق عليه، بحيث تخلو من كل أشكال الرياء والسمعة وتخلو من معاني الاستعراض والنجومية وتحفظ كرامته، وتصون مروءته من الخدش أو الانتقاص أو الإهانة، وتحمي الفقراء وذوي الحاجات من ذل السؤال والاستعطاء، و من مشاعر النقص والحاجة للآخرين، فالمجتمع الإسلامي في مراحله التاريخية السابقة كان يتعزز لديه هذا السلوك، وهذا المسرب الخفي في الصدقة وكافة أعمال البر، بحيث كان الحرص كبيرا على حفظ ماء الوجه لتلك الشريحة المبتلاة بالعسر وضيق ذات اليد..أسئلة كثيرة يطرحها كل منا في نفسه عندما نمر من مكان عام في الطريق، فيستعطفنا شخص قد نتجاهله أحيانا، أو نمنحه صدقة لوجه الله دون تخطيط من قبل، هل هذا الجالس على الرصيف يستحق فعلا تلك الصدقة أم أنه ممثل أثار إنسانيتك؟، وهل تصل هذه الصدقة إلى من يستحقها؟ هل هذه الطريق مناسبة لمنح الصدقات؟ ومن خلا سبر أراء بعض المواطنين ورجال الدين التي حوصلتها الاتحاد في هذا الروبورتاج: هذه من وساوس إبليس تقول فريدة ربة بيت: "الصدقة تعطي معنى التطهير للنفس، لأنك عندما تطهر نفسك من كل الرذائل الروحية والفكرية والشعورية والعاطفية، فإنك تعطي نفسك الانفتاح على كل ما يقربك إلى الله تعالى، وإذا كان من يوسوس لك لا يهمه إلا أن تقع في المعصية، وتحيد عن فعل الخير فهذا هو الشيطان فإبليس دائما يأتي ليوسوس له حتى لا يخرج الزكاة ويقتر، ويأكل أموال الناس بالباطل، مدخلا في نفسه الوهم بأن هذه الطريقة تزيد ماله.. "المسكين يستحي أن يسأل الناس إلحافا" فيما قال فاروق الطويل أستاذ جامعي: "إن الأصل في الصدقة أن تعطى للفقراء والمساكين، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المتسولين في الشوارع لا تنطبق عليهم صفة المحتاجين، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والكسرة والكسرتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى يغنيه يستحيي أن يسأل الناس إلحافا" أو "لا يسأل الناس إلحافا". كيف أعطي الصدقة لمتسول وفي رحمي من أولى بها؟! ويقول كريم كثرة المتسولين الذين يجلسون على الرصيف لطلب الصدقة هم من العصابات التي احترفت هذه المهنة، وبناء على ذلك إن من يتصدق على هؤلاء فلا يعتبر متصدقا، لأنهم ليسوا من المساكين والمحتاجين، لذلك يجب علينا عن من هم بأمس الحاجة للصدقة حتى تصرف في الوجه الصحيح، ولكي تؤدي وظيفتها التعبدية والاجتماعية، فما الفائدة إذا أعطيت لإنسان غير محتاج؟!، لقوله (تعالى): "إنما الصدقات للفقراء والمساكين". ويضيف متسائلا كيف للمؤمن أن يمنح الصدقة هكذا في الشارع وهو يعرف أن جاره أو قريبا له أكثر حاجة لتلك الصدقة؟!، ثم كيف أعطي الصدقة لمتسول وفي رحمي من أولى بها؟!" صدقة اليوم.. إشهار فيما قال بلال عضو في جمعية الإحسان الخيرية: للأسف نحن اليوم نتصدق من أجل المباهاة وهذا ما نشاهده يوميا حيث يأتي المتصدق أو المتبرع خاصة إن كان من الشخصيات المعروفة في المجتمع ويطلب أن تقدم هذه الدقة باسمه حيث يبلغ الصحافة ويقيم ندوة صحفية للإعلان عن خطوته للتبرع، وهذا ليس بالصدقة فهو إشهار وهذا ما نهانا عنه الله والرسول صلى الله عليه وسلم، أو نجد أناس أنعم عليهم الله بخيرات ونعم لا تعد ولا تحصى ولكن جشع المال وحبه أعميا بصيرته ولا يعرف معنى الصدقة أو الزكاة أو التبرع ومن هؤلاء الناس الكثير حيث لا يهمهم الجائع إذا كان معوزا ولا العاري إذا كان طفلا"، كما أنه علينا التيقن أن أحوج الناس للمساعدة هم من لا نراهم ولا يسألون الناس حياء و عزة، أما محتالين الشوارع و الإشارات، فهؤلاء غالبا ليسوا بمحتاجين ولكنهم اتخذوها مهنة يأتون يوميا "للدوام" في نفس المكان و نفس الأوقات!! لذلك أنصح الناس أن يجربوا أن يدخروا قطعة 20 دينارا يوميا، ثم يعطوها في آخر الشهر لشخص محتاج و يراقبوا التغيير في حياتهم. ولا تنسوا الوالدان، هذا أقل القليل الذي تفعلونه لهم و تردون لهم من الجميل، أنفقوا بالسر و العلن و الله لا ينساك يوم القيامة.. تصدقوا بالجديد والجيد فيما ذكر إمام وخطيب مسجد فارس الإمام زين الدين في إحدى خطب الجمعة أن للتصدق والمتصدق شروط، فالتصدق بالرديء مرفوض في قيم ديننا وأخلاقه بل ينبغي المبادرة إلى تقديم ما هو جيد في الصدقة فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أي الصدَقة أعظم أجرا؟ قال: "أن تتصدَق وأنت صحيح شحيح تَخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" وذكر صحيح البدن شحيح النفس لأن البدن إذا كان صحيحا كان شحيحا بالمال لأنه يفكر في الدنيا وكيف يجمع المال وكيف يكون غنيا ولأن أمله بالبقاء كبير أما إذا كان مريضا فإن الدنيا ترخص في نظره فلا يفكر بالمال ويهون عليه كل شيء فتهون الصدقة عنده لأنه قد يفكر في الآخرة فيكون حريصا على كسب الحسنات من الصدقة قبل موته. باب أن الصدقة تدفع البلاء عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بكروا بالصدقة وارغبوا فيها فما من مؤمن يتصدق بصدقة يريد بها ما عند الله ليدفع الله بها عنه شر ما ينزل من السماء إلى الأرض في ذلك اليوم إلا وقاه الله شر ما ينزل من السماء إلى الأرض في ذلك اليوم.علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء و الدبيلة والحرق والغرق والهدم والجنون وعد صلى الله عليه وآله سبعين بابا من السوء.علي بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن محمد الاسدي، عن سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وآله فقال: السام عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليك، فقال أصحابه: إنما سلم عليك بالموت قال: الموت عليك، قال النبي صلى الله عليه وآله: وكذلك رددت، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: إن هذا اليهودي يعضه أسود في قفاه فيقتله قال: فذهب اليهودي فاحتطب حطبا كثيرا فاحتمله ثم لم يلبث أن انصرف فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ضعه فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود فقال: يا يهودي ما عملت اليوم؟ قال: ما عملت عملا إلا حطبي هذا احتملته فجئت به وكان معي كعكتان(2) فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بها دفع الله عنه. وقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان.