هارون كيلاني مسرحي من مواليد 1968 من مدينة الأغواط، التحق بالمسرح في سنوات الثمانينيات، له عدة أعمال مسرحية هاوية ومحترفة من بينها ''جذور''، ''العرش''، ''الانتقام'' و''نوافذ الحال''··· كما تحصل على العديد من الجوائز، تعامل في المسرح مع فرق عالمية كفرقة الخيط من تيلاندا وأخرى من فرنسا، في هذا الحوار تحدث هارون الكيلاني عن مسيرته مع المسرح، كما كشف عن نوع العلاقة التي تربطه بالمسرح الجزائري، كما عبّر عن أسفه لما آلت إليه وضعية المسرح في الوقت الراهن مقارنة بمسرح جيل كاتب ياسين· وعن المسرح الشعبي، يؤكد هارون أنه الأصل في ميلاد المسارح الأخرى، معرجا على أهم المعايير التي يتم عن طريقها اختيار أفلام الاحتفالية بخمسينية الثورة، مؤكدا تزاوج المسرح الأكاديمي و المسرح الشعبي، مشيرا انه من الخطأ الظن بان العودة إلى التراث هزيمة، وكذا وافق الجمهور في انتقاده و رفضه للأعمال و التي وصفها بالركيكة. *من المعروف أن هارون الكيلاني أثبت للجميع أن له علاقة وطيدة بعالم المسرح، وتبين ذلك من خلال أعمالك الذي أحدثت ضجة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، فهل يمكن أن توضح للقارئ مسيرتك في الفن الرابع؟ أنا ابن عائلة تمتهن الحب و الروح، تتربع على حلقة أبناء الجيلان و أصحاب صلاة الفاتح من البخور و الذكر و المطلق و تراتيل الحب بعش العشرة بين الوالدين رغم الظروف القاسية. فتحت عيني على أم تحب السينما و تراودها متخفية في لباس رجل أيام كانت شابة في مدينة صحراوية ملتزمة. و أب يصاحب الموسيقيين و أخوة توزعوا بين المسرح و الغناء و الرسم ، قابلت الجمهور و عمري ثمانية سنوات ،غامرت بالكتابة و الإخراج و رئاسة أول جمعية بالجنوب تهتم بالمسرح و عمري ثمانية عشر سنة، و قدمت آنذاك أقبح مسرحية في تاريخ المسرح الجزائري و كانت تحمل عنوان "الأيام " أجل أقبح مسرحية ، لكن علمني أبي كيف أداعب النجوم و كيف أتمرغ في تراب كوكب بعيد ، لذلك أنا أحاول إلى يومنا هذا أن أبحث عن وسيلة أخرى لأعلم الناس كيف يدخلون إلى صدر الشيطان لعله يعود إلى الجنة بقلب طاهر .أنا أشق طريقي بثقة و حب و براءة رفقة مسارح الدولة لتحقيق رؤاي المسرحية التي أحب مع من أحب . *لكل مسرحية حكاية، فكيف يختار الكيلاني الأعمال التي يشارك فيها؟ أنا في بعض الأحيان لا أختار و لكن أؤمن أن الأعمال الجيدة تطول أعمارها و الأعمال الرديئة لا تمكث كثيرا في ذهن المشاهد و تمر مرور نزوة دون ملح ، لذا انا لا أخاف من أي عمل لأن لا أحد يضمن مستقبل العرض إن كان جيدا آو سيئا الذي يهم هو التجربة . *نعرف ان هارون من أصل عراقي، فبحكم ذلك ، هل تتابع الحركة المسرحية العراقية؟ أنا أتابع الحركة المسرحية بالعراق و إيران أيضا و ما تقوم به المجموعات الحرة بالكويت و الأردن مثلا ، و عراق الداخل و إيران المنفى كلاهما ينتجان أعمال تضمن للمسرح بالمنطقة نفسا جديدا و ملامح واضحة لمسرحنا .أما المسرح الأجنبي فأنا لا يمكن أن أنفي أني شاهدت أعمالا ركيكية جدا من هولندا و ألمانيا و لكن في نفس الوقت مندهش أمام أعمال تنجز بالكثير من البلدان على سبيل المثال : هولندا أمريكيا ، الأرجنتين و الدانمرك ... *يرى بعض المسرحيين أن المسرح الأكاديمي هو الأصل الحقيقي في ميلاد المسرح، غير أن تيارا آخر من المسرحيين يؤكدون أن المسرح الشعبي هو القاعدة والأصل الأحق، فمن برأيك أثر في الآخر؟ لست ادري يبدو لي أن هناك تداخل في السؤال و الأكاديمية منهج أما المسرح الشعبي فهو نوع و لا أمانع من تواجد تجاذب بينهما ، ما يمنع الأكاديمي بالقيام بمسرح شعبي يشبع فيه غريزة هذا النوع من الجمهور في التحرر من وطأة الفنون الأكاديمية التي تظهر في الكثير من الأحيان لا تلبي عطش هؤلاء للمسرح و لو من جانب آخر، هناك اختلاف بين أن ينزل المسرح إلى العامة أو العكس و هذا ما يجعل المسرح حارا من الجانبين . *يقال أن عبد القادر علولة زرع، رشيد قسنطيني حرث، و بشطرزي حصد ما رأيك؟ قلب المسرح ينبض قبل ألاف السنين و ما نحن إلا شظايا إشباع الآن و أنا أقصد أننا نرسم مكان لنا بالمستقبل على أثر الذين سبقونا لأننا نحن مستقبلهم و في نفس الوقت نحن ماضي الأجيال القادمة . *تحتفل الجزائر هذا العام بخماسينية الثورة حيث تجري تحضيرات لانجاز أعمال كبرى بهذه المناسبة في مختلف الفنون ، ما هي في رأيك أهم المعايير التي اعتمادها في اختيار المواضيع و الأعمال ؟ أنا لا ادري إن وصل أمر هذه التظاهرة ، قد وضعت نص (أطفال من الجنة لدى وزارة الثقافة) و لم يصلني رد إلى حد الساعة ، أما بولايتنا قد وضعت نفسي تحت تصرف الجمعية التي تم الموافقة على عملها كمخرج رفقة أصدقائي الممثلين . *في نفس الإطار سيحمل الملتقى العلمي للمهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته لهذا العام العلاقة بين التراث والمسرح. ما رأيك في الموضوع " جدلية التراث والمسرح "حيث يقول بعض النقاد أن توظيف التراث في المسرح نتيجة الشعور الدول العربية بالهزيمة اتجاه المستعمر؟ من الخطأ أن نضن بان العودة إلى التراث هو هزيمة بالعكس الدول المتطورة تبحث عن جذورها في إفريقيا العميقة مثلا و تحاول أن تنقض على كل ما هو عميق و عتيق ، الاشتغال على التراث اشتغال يتطلب ذكاءا و حسا كبيرين .فقط من العيب الإبقاء على التراث انه الأكل و الرقص و القطع الأثرية القديمة . *لا تزال بعض الأسماء التي صنعت مجد المسرح الجزائري حية ترزق أمثال الممثلة نورية فهل ترى أنهم اخذوا حقهم بعد ان قدموا كل ما عندهم من اجل المسرح ؟ هؤلاء كانوا قمح المجتمع و أبدا لم يأخذوا حقهم كاملا رغم ما تبذله الوزارة نحوهم، لأن هؤلاء تواجدوا أيام الجزائر التي كانت تحاول النهوض من بين الركام. *يلجا الكثير من المسرحيين الجزائريين إلى اقتباس من نصوص عالمية والتي لا تتفق أحيانا مع طبيعة المجتمع الجزائري فهل نحن عاجزون عن الإبداع آو لا نملك مبدعين حتى نلجأ للاقتباس ؟وهل تعد الظاهرة صحية ؟ لا أرى مانع من الاقتباس من الأعمال العالمية و إذا قلنا عالمية لا يعني أنها أعمال من خارج الجزائر فيمكن أن نجد أعمالا عالمية بين رفوف مكتباتنا ، العالمية ليست ملكا لأحد المهم أن نتحدث على لسان الإنسان أينما كان ، العالمية تفتح عيون الجمهور على أفاق جديدة ، و ما أعيبه على أصحاب القلم بالجزائريين من قاصين و روائيين هو كسلهم المتواصل في الكتابة بلون واحد ، أتمنى أن أفتح عيني على جزائر جديدة يتواجد فيها كتاب يحسنون الإبداع في كل أشكال الكتابة و خاصة سد رمق المسرح لأنه في حاجة إليهم ، تحتي إلى كل الروائيين الجزائريين الذين يتفاعلون مع المسرح . *خمسين سنة من الاستقلال كمختص في المجال المسرح الجزائري بين الأمس واليوم ؟ سأجمع إجابتي في رسالة إلى أهل المسرح من جيل اليوم و خاصة الذين يدعون أنهم محترفون ، لا أدري ما يصيب قلبي حينما أشاهد ممثلا أو مخرجا شابا يرفع رأسه كحبة السنبل الفارغة و يقلد الديك في مشيته ، فقط عليهم أن يتذكروا سراط و زلال و رويشد بن قطاف و صونيا ليقتربوا منهم و يسألوهم عن ظروف الماضي . * عرفت الجزائر في الآونة الأخيرة عدة مهرجانات و تظاهرات ثقافية ،خاصة المتعلقة بالمسرح ، فماذا أضافت لأبو الفنون ؟ أنا مبهور في الكثير من الأحيان حول طاقات التمثيل و الإخراج و السينوغرافيا التي أشاهدها من حين إلى آخر كل ما فعل للمسرح في الأخير ليس كافيا صدقيني . *ينتقد البعض بشدة النصوص المسرحية الجزائرية التي تعرض على الخشبة فهل توافق الرأى ؟ أنا أوافق الجمهور في ردة فعله في رفض هذه الأعمال الركيكة ، وزارتنا و القائمين على المسرح لم يمتنعوا في تقديم الدعم فقط على الإنسان أن يحمل حجة الإقناع في الحصول على الأموال ، و من جهة هناك كسل أصاب الكثير من المخرجين الذين مازالوا يلفون حول أنفسهم و لم يتمكنوا من تقديم الجديد . *بين الحين والأخر يتعرض القائمون على المسرح للانتقاد إلى درجة محاولة الإطاحة بهم فكيف تنظرون إلى الأمور التي يسير بها المسرح الجزائري اليوم؟ أنا لا أحب هذه الأمور و أرفضها من أساسها، القائمون على المسرح نحن نعرفهم جيدا و يعرفوننا جيدا، هؤلاء كنا نحلم بالوقوف إلى جنبهم فقط فما بالك التعامل معهم، هناك الكثير منا لا يحمل ذاكرة و عيناه ملتصقتان بالمادة فقط. لذلك ينسى ما قدمته الأسماء القديمة لأجل المسرح. *في الأخير كيف يرى هارون الكيلاني النقد المسرحي في الجزائر؟ النقد المسرحي في الجزائر متذبذب جدا و المتواجدون في الساحة لا يملكون قوة التغيير.