هارون الكيلاني ممثل، مؤلف ومخرج مسرحي، له العديد من الأعمال المسرحية، يتميز بفصاحة نطقه وكتاباته الممزوجة بين الخيال والواقع وإخراجه لأعمال إنسانية غير محلية. التقت "المساء" بابن مدينة الاغواط ذي الأًصول العراقية، فكان الحديث عن عمله المسرحي ونظرته للفن الرابع، وكذا عن تنظيم مدينته لموسمها المسرحي الذي يفتح أبوابه لفرق مسرحية من ولايات أخرى، فكان هذا الحوار. - ستفتتح مدينة الأغواط موسمها المسرحي، ماذا يمكن أن تقول عنه؟ * الموسم المسرحي بمدينة الأغواط موعد سنوي تنظمه مديرية الثقافة للولاية، وتشرف عليه جمعية "مسرح الأغواط"، وسيعرف هذه السنة تجديدا من حيث مشاركة فرق مسرحية من ولايات أخرى بعد أن كان هذا الموعد السنوي يشهد مشاركة فرق محلية فقط، سيكون هذا الموعد أيضا فرصة لاستثمار طاقات شباب الأغواط المسرحي، من خلال مشاركتهم في فرق مسرحية أخرى. وستعرف هذه التظاهرة لهذه السنة، تقديم ثلاثة عروض لكل من فرقة "النوارس" من البليدة وفرقة "مسرح الكانكي" لمستغانم بالإضافة إلى فرقة من حاسي الرمل (التابعة لمدينة الأغواط)، والتي ستقدم عرضها أمام دار الثقافة أي في الشارع. - وبماذا سيشارك هارون الكيلاني في هذا الموسم المسرحي؟ * سأشارك مع فرقة "مسرح الكانكي" مستغانم، في مسرحية للكاتب والمخرج جمال بن صابر وتحكي يوميات أديب في مجتمع يقهر الإنسان فيكافح لفرض مكانته في هذا المجتمع والحفاظ على انسانيته في آن واحد، وأجسد في هذا العمل دور الصورة أو الإطار الذي يرافق الكاتب في منزله ويبلغ من العمر خمس قرون، ويقاسم الكاتب معيشته وأفكاره. - ما واقع المسرح في الأغواط؟ * اعتز كثيرا بجمهور الأغواط، فهو جمهور متتبع جدا للحركة المسرحية في المنطقة، كما أنه في حال إعجابه بعمل مسرحي يمنحك تأشيرة المرور إلى أي قاعة مسرح أخرى، نعم يحسّسك بأنك فنان، وفي نفس الوقت يحاكمك ويحاول أن ينتقدك. أما حركة المسرح في المدينة فهي قوية بتواجد أعضاء في فرق لا بأس بهم لكن في نفس الوقت هناك مشكل انعدام قاعة خاصة بالمسرح، وهذه الثنائية من الصعب جدا فهمها، يعني من جهة هناك فعل مسرحي قوي ومن جهة أخرى تخلو الأغواط من قاعة خاصة بالمسرح. - وبالتالي فللفن الرابع في الأغواط جمهور وفي؟ * صراحة، بمجرد أن تلقي اسم فرقة "مسرح الأغواط" على أبناء المنطقة، تجدهم يتلهفون لحضور العروض إلا أنه ومنذ نشأة الفرقة في سنوات التسعينيات، يعاني هذا الجمهور كثيرا من انعدام قاعة مخصصة لهذا الغرض فهو يشاهد العروض في قاعات مسطحة ويجلس على كراسي بزوايا قائمة، وهذا الجمهور في الحقيقة يتناقص شيئا فشيئا. - وأين تعرض المسرحيات في مدينة الأغواط على اعتبار انعدام قاعة للعروض المسرحية؟ * تعرض المسرحيات في قاعات العرض والمساحات العمومية المنبسطة أو حتى في الشارع، مثلما فعلت العام السابق بحيث قدمت عرضا مسرحيا في المداشر والحارات الشعبية وفي وسط المدينة أيضا. - لكل مسرحية حكاية، فكيف يختار الكيلاني الأعمال التي يشارك فيها؟ * لكلّ مسرحية فضاء وحياة وزمن وانفعالات خاصة، فكل مسرحية هي أيضا فضاء للهروب من القوقعة والمشاكل اليومية وروتينية الأيام، أما عن الشطر الثاني من السؤال، فأقول أنني أحاول أن ابحث عن كل جديد وعن كل مغامرة في المسرح، وفي هذا السياق أكره الأدوار الروتينية كالتي تتعلق بتمثيل دور الطبيب أو المهندس أو حتى الطيار، أنا ابحث عن الأدوار المركبة التي تبحث عن فضاء آخر يوازي الحياة الواقعية. ومثّلت في العديد من المسرحيات أذكر منها مسرحية "جذور" من تأليفي، حيث مثلت فيها دور عاشور، المواطن البسيط الذي يحاكي العفاريت، وكذا دور "القاضي" في مسرحية "هيروسترات". - وماذا عن هارون الكيلاني المؤلف المسرحي؟ * أنا اكتب لمجموعة معيّنة وهي فرقة "مسرح الأغواط"، فنحن عائلة واحدة ونعرف بعضنا البعض، فانا اكتب عن شخص معين، مثلا حول بنيته الجسدية وطريقة تفاعله مع الحياة. - وكيف هي طبيعة نصوص هارون،محلية أم عالمية؟ * لقد مررت ككل كاتب مسرحي عربي بمرحلة الكتابات الخطابية والآن تعديت هذه المرحلة واكتب عن الإنسان فقط، بحيث لا أكتب عن المواضيع المحلية، بل أحاول أن أرقى بالمتلقي إلى العالمية فمسرحياتي الآن يمكن أن تمثل في الجزائر أو في أي دولة من دول العالم. - وهل يجد الجمهور المسرحي نفسه في نص لا يتحدث عن واقعه؟ * المسرح مهمته الأولى هي المتعة والفرجة وليس حل مشاكل الناس، وفي هذا الصدد، أرى أنه من الضروري أن يكون هناك تنوع في الأعمال المسرحية حتى يتاح لهذا الجمهور اختيار الأعمال التي يود مشاهدتها، بالمقابل، أتوقف عند نقطة اعتقد أنها مهمة، وتتعلق بتطوير الجانب التقني في العروض المسرحية، فنحن في سنة 2010 وبالتالي يجب استعمال التكنولوجيا خاصة في الإطار السينوغرافي والابتعاد عن كل ما هو ميكانيكي. - ولكن كيف يمكن استعمال التكنولوجيا والمحافظة على روح الفن الرابع في آن واحد؟ * التكنولوجيا والتطور، لصيقان بنا وكما شرب فلان في كوب من النحاس نحن الآن نشرب في كأس من الزجاج وهو نفس الفعل. - كيف وجد هارون الكيلاني نفسه في المسرح؟ * أنا انتمي إلى عائلة فنانة تضم، الموسيقي، الرسام، النحات والمغني، وأنا افتخر جدا بعائلتي التي جاءت إلى الشمال الإفريقي تحمل معها القادرية وإذا قلت القادرية فهي مجموعة من الحالات الصوفية من الجانب الديني والإنشاد والسماع الصوفي فانا فيها استمع إلى الحكايا والإنشاد وأشم رائحة البخور. - بحكم أصلك العراقي، هل تتابع الحركة المسرحية العراقية؟ * أنا أتابع الحركة المسرحية في العراق، وأرى أن واقع مسرح العراق من جهة قوي ومن جهة أخرى يشكل مخبرا للتجارب المسرحية العربية الجديدة، بحيث يستثمر الممثلون العراقيون الواقع العراقي في تطوير المسرح العربي. هو مسرح يتواصل بصموده وتقديمه للحس والواقع العراقي، وبكل صراحة لقد تفوق على كل المسارح العربية، ويجب أن لا يستمروا فقط في الاستثمار في القضية العراقية والوقوع في الروتين، فيجب الاعتماد على عناصر جديدة في المسرح العراقي وليس فقط على الأسماء المكررة في الساحة. - وماذا عن الكيلاني المخرج المسرحي؟ * أخرجت العديد من المسرحيات وأنا فخور بذلك، أخرجت مسرحية "الانتقال" التي افتخر بها كثيرا، ومسرحية "الصوت الأصفر" ومسرحية "نوافذ الحال" وآخر عمل تحت عنوان "حلم غير مثقوب"، من تأليفي أيضا، وتحكي قصة: أشخاص يحاولون الإفلات من كابوس لا يمنحهم المستقبل ولا ينسيهم الماضي، بل يحاول أن يكرّر لهم الحاضر، وهنا يحاول كل واحد أن يسرق دور الآخر ولكن لا مفر من هذا الكابوس. - تعتمد في أعمالك على المزج بين الواقع والخيال، فلم هذا الاختيار؟ * أنا اعتمد كثيرا على المزج بين الحقيقة والخيال في أعمالي، فهي عبارة عن تجربة خفيفة من فرناندو ارابار رائد مسرح الرعب حاليا وشيء من مسرح القسوة لآرطو واشياء أخرى خاصة بنا كمسرحيين من الصحراء كالصوفية وغيرها. - هل يهتم هارون بالتمثيل السينمائي أو التلفزيوني؟ * اهتم بالتمثيل السينمائي والتلفزيوني ولكن ليس ضمن تقنية جزائرية أو فرنسية، بل اهتم بالتجربة الأمريكية وفي هذا السياق، سأحقق هذا الحلم إن شاء الله، بالمقابل شاركت في مسلسل عيسات ايدير للمخرج كمال لحام. - لماذا يقل أو حتى ينعدم الاحتكاك بين الفنانين العرب؟ * الاحتكاك يأتي مع تغيير عادة الانتقاء في المهرجانات، بحيث نجد في كل المهرجانات نفس الوجوه ولا تجديد يذكر. - كيف ترى النقد المسرحي بالجزائر؟ * النقد المسرحي في الجزائر ما زال متذبذبا، ونحن كمسرحيين ندعو الصحافة والجامعيين للتخصّص في هذا الميدان الذي لا يمكن أن نواصل العمل من دونه.