الاستعمار الفرنسي حاول طمس الهوية العربية وتعويضها بأخرى هجينة "يا لمباسي"، "يالمكحوس"، "الشبرق" مفردات ألفنا التنابز بها حتى أصبحت لصيقة بألسننا وانتشرت كالنار في الهشيم متغلغلة في جذور لغتنا العامية، حيث يجهل الكثيرون مصدرها خاصة وأن بنيتها الداخلية تشهد تفككا صرفيا، نحويا ومعجميا بحكم كثرة أصول المداخلات اللغوية التي اكتسحت اللغة "الدارجة" ما دفع بأرامدة من الباحثين والأنثروبولوجيين إل دق ناقوس الخطر. اضحى الشارع الجزائري لا يخلو من الفاظ اعتاد الشباب تداولها و بفضولنا الصحفي ارتأينا الغوص في مكونات اللغة الجزائرية "العامية" قصد الكشف عن أهم الفصول التاريخية التي مرت بها الثقافة الشفهية في الجزائر، خاصة عند الانتقال من مستوى لغوي شفاهي إلى آخر والتكيف مع السياقات الجديدة التي طرأت على المجتمع الجزائري الذي يرى في اللغة "العامية" أو"الدارجة" أيقونته المميزة دون منازع رغم تحذيرات علماء الاجتماع والتاريخ من مغبة الانسياق وراء هذا الاعتقاد السائد. أصول الألقاب المستعملة في الجزائر خليط من ثقافات هجينة حذر الأساتذة و الباحثين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من خطورة استعمال بعض المفردات الهجينة التي لا تمت بصلة إلى الثقافة العربية الإسلامية و دعو إلى ضرورة البحث في التركيبات اللغوية ل"العامية" بصفتها الأكثر تداولا وإستعمالا. وأكد الباحثين أن قيام الكثير من الفئات الشبانية على وجه الخصوص إطلاق تسميات وألقاب على بعضهم البعض يعود الى عوامل التوافق مع المزاج العام لثقافة المجتمع الجزائري، حيث نجد أنه من الناحية التاريخية فهو يميل إلى اتخاذ ألقاب معينة تفاديا لإظهار الهوية الحقيقة إلى جانب أن المصادر الابتيمولوجية للألقاب المستعملة من قبل الجزائريين هي عصارة من الثقافة التي وجدت في الجزائر منذ قرون طويلة سواء كانت ذات ارتباط مباشر للأصول العربية والامازيغية أو التركية وحتى اليهودية وغيرها ما يدل في النهاية على بقاء هذه الأشكال الثقافية من خلال تداول هذه الألقاب. العوامل النفسية والاجتماعية تلعب دورا سلبيا في انتشار هذه الألقاب من جهة أخرى عدد الأستاذ "سعيد عيادي" بعض العوامل النفسية والاجتماعية المقترنة بالانتشار المتزايد لمثل هذه الألقاب خاصة ما تلق منها بالمدن الكبرى على اعتبار أن اغلب الألقاب المتداولة تعكس خاصية أو أكثر من الخصائص الخلقية بالكثرة والسلوكية والطبعية للشخص من بينها لفظة "جوناس" التي نطلقها على شخص يطارده سوء الطالع والأصل أنها مشتقة من اسم النبي يونس عليه السلام. إضافة إلى ألقاب متعلقة بالطفرة الحياتية للأشخاص فالشخص قد تحدث له حوادث ما في مسار حياته تنقلب عليه إلى حالة من الثبوت من خلال استمرار اللقب معه إلى كبره. أما الألقاب المرتبطة بالواقع الأسري للشخص فهي منتشرة كثيرا، كأن تكون متعلقة بالعرق او تكون مرتبطة بالوضع الاجتماعي للأسرة فإذا كانت غنية شاع لقب "مركانتي" أو "بوخالفي" وإذا كانت الحالة الاجتماعية للأسرة سيئة تعطى ألقابا على شاكلة "المشرار"، "الكلوفي" التي هي في الأصل تعبر عن الشخص المتسول. ويؤكد الباحث أن الألقاب المتعلقة بالقدرات العقلية والكفائية للشخص متداولة بكثرة من أمثال ذلك أن الشخص الذكي ينادى غالبا "بوتي تاكا" وهذه تختلف بطبيعة الحال عن الألقاب الخلقية "موح لامان دور" وهو السارق المتمرس أو الماهر. إلى جانب"الكافي" الكثيرة التداول والتي تطلق على الاشخاص الذين يقطنون خارج العاصمة أما معناها الحقيقي فيشير الى نوع من أنواع البقوليات التي تنمو تحت سطح الأرض ذات الشكل القبيح وهذا وجه الدلالة أن سكان الولايات الأخرى قبحاء أو سيئو المظهر. ألفاظ سجنية تغزو لهجتنا من جانب أخر نبه الأستاذ "سعيد عيادي" أن بعض الألقاب المتداولة بكثرة خاصة في المدن الكبرى تنحدر من السجون وهي تعتبر الأقوى انتشارا فاغلب الألقاب التي يحملها معتادي الإجرام حملوها في السجون على غرار لقب" الزدك" والتي تعني المارد لكنها مستخلصة من اسم الجهاز الامني السري الفرنسي في الجزائر أثناء فترة الاحتلال، إلى جانب كل من"البريفو" ،"الشيكور" والتي تعني استخدام القوة داخل السجن، "المنداتي" والمقصود بها الشخص كثير الدخول والخروج إلى السجن. الألقاب الجزائرية الهجينة جريمة ثقافية نفذها الاستعمار الفرنسي ولا تزال تبعاتها إلى يومنا كشف البروفيسور "سعيد عيادي" الأستاذ وباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا أن رغبة المستعمر الفرنسي في طمس الهوية العربية والإسلامية وتعويضها بهوية هجينة، دفعته لإلصاق ألقاب غريبة مهينة ونابية لا يمكن التلفظ بها وهي في معظمها نسبة إلى أعضاء الجسم والعيوب الخلقية فيه إل جانب أدوات الفلاحة والحشرات والحيوانات والنباتات، وهي مأساة يعيشها آلاف الجزائريين حتى اليوم. وحسب المتحد فان الهدف الأساسي للمستعمر يكمن في استبدال الألقاب الجزائرية العربية الإسلامية لألقاب مشينة لا ترتبط بالنسب لعزل الجزائريين عن العالم الخارجي والقضاء على الشخصية الإسلامية وتطبيق النمط الفرنسي في التعاملات اليومية"على سبيل المثال كلمة "الشبرق" وهي نبات ينمو على حواف السكك الحديدية والطرق السريعة وهي عبارة عن نبتة ذات أوراق خضراء براقة طويلة وفي أسفلها تنتج حبة بصل بحوالي أربعة أضعاف البصل العادي الذي نعرفه وهذا النبات لا يأكله أي حيوان ولا يحتاجه البشر وليست فيه أية فائدة وهو ما عمد الاستعمار على نشره وإلصاقه بالجزائريين. اللغة العبرية تنخر كيان اللغة"العامية"وتلقي بضلالها على الشخصية الجزائرية من الناحية التاريخية وصف البروفيسور"سعيد عيادي" اللغة "العامية" بتلك المركبة من عدة عناصر ثقافية وتاريخية رغم أنها كانت على متانتها وقوتها إلى غاية القرن الثامن عشر ، ويرجع ذلك-حسب المتحدث- إلى كون الوجود الديني في صورة المؤسسات الصوفية قد ساهم في ذلك بقوة، خاصة وأنها كانت معادية للوجود التركي في الجزائر، وساهم اليهود في انحلال اللغة "العامية" حيث لا تزال أثارها لحد اليوم والدليل الاستخدام الشائع للفظة "الكعبة" والتي تعبر عن الشخص الغريب عن العاصمة أو المدن الكبرى أما من الناحية التاريخية فقد كان يطلقها اليهود على المسلمين وكلمة "عيشة راجل" لاتهام السيدة عائشة أم المؤمنين بأنها سيدة سيئة الخلق وكان اليهود وراء إشاعة لفظة "ماكالاه" أي ليس هناك داعي والتي هي في الأصل كانت تنطق "مكان إلاه" وكان استعمالها كثيرا في الأسواق فكان المسلم يقسم بالله عند البيع واليهودي يقول لله "ماكان إلاه" في السوق حتى وصلت إلى صيغة "ماكالاه "،كما توجد صيغة"اتهلا" والتي تعرف عند اليهود ب"أنت الله". أما "الربي" باللغة اليهودية فتعني الشخص الحكيم عند اليهود او الإنسان الغير متزوج أو من فاته قطار الزواج، للذكر و الأنثى على السواء، و من جهتها كلمة "المكحوس" هي آخر حوافر الدواب أي الكحس"، وتنشر في الغرب الجزائري، وتعتبر لفظة "التشيتشوان" التي تطلق على كثرة الأطفال في مكان واحد لغة عبرية لا غبار عليها-على حد تعبير البروفيسور"سعيد عيادي" أما في الفترة التي كانت الوثنية منتشرة في بلادنا فكان القسم في الأصل" يا زحل" وبمرور الوقت ومع مجيئ دين التوحيد صار الناس يقولون يا "الله" أو يا " ربي " ولكن بقوا يستعملون القسم السابق بعد أن ازالوا حرف اللام مناداة للاله زحل وفي السياق ذاته أشار"سعيد عيادي" أن الدكتور سيدي محمد بن يوسف السنوسي المتوفى سنة 1490 أشار إلى هذا الأصل ونبه الناس أن لا يستعملوه ولكن بقي مستمرا إلى يومنا هذا بسبب التراكم اليهودي الذي بقيت أثاره واضحة في الاستعمالات اللفظية الجزائرية. ثقافة الاحتكاك جعلت الجزائريين يرفضون أسماءهم و الاختصار الحل المؤقت والدائم يقوم أغلب الجزائريين باختصار أسماءهم الأمر الذي يظهر جليا على عدم الرضا بالاسم الحقيقي مثل اسم "موح" للدلالة على "محمد" وعبدو" للدلالة على "عبد الوهاب او عبد الرحمن ...."وبالتالي يقوم الكثيرون بتصحيفه أو قبول تصحيف الآخرين لأسمائهم من أجل مسايرة ريتم الاستعمال اليومي الذي يقتضي الاختصار الأمر الذي نجده منتشرا عند شعوب البحر الأبيض المتوسط. بفعل ثقافة الاحتكاك وأولوية استعمال ألقاب القاموس الشعبي على حساب قاموس الأسماء الرسمية سواء كان دينيا أو اجتماعيا مثل كلمة"مراد" التركية المنتشرة بكثرة وبالمقابل الاسماء الرسمية قليلة الاستعمال مثل "فاروق" و"طارق" يضاف إليه التهرب من الألقاب الحقيقية التي ألحقت بالشخص عند ولادته.