يطمح كل واحد منا في العيش الكريم و الهنيء وسط عائلة يملؤها الحب و الحنان، و لكن نجد بعض الشباب من يريد الحصول على مختلف ملذات الحياة بطرق غير شرعية، و يرى أن الحل الوحيد لذلك هو الهجرة الغير شرعية، و هذا ما يخلف مآسي كثيرة جعلتنا اليوم نسمع عن شباب وجد الحل في الهجرة غير الشرعية أو كما يسميها البعض "الحرقة"، الحل لكن هل هي كذلك حقا ؟ أم أنها تعتبر من أعظم المعضلات التي ينبغي حلها، أيعقل أن تهجر بيتك و تخاطر بنفسك هروبا من واقع مرير إلى وجهة مجهولة؟ من خلال ما يردده الشباب حول الهجرة تقربنا من بعضهم و حاولنا رصد أرائهم . كان أول من التقينا به عثمان طالب وشاب جزائري في عقد الثاني استهل قوله بمقولة رسخت في ذهن الشباب الذي يؤيد فكرة الهجرة " الحكومة لا تستطيع توفير السمك للمواطنين لكنّها تستطيع توفير المواطنين للسمك" ....فالهجرة أو الحرقة على حد قوله ، لا تكون إلا بعد اضطهاد و خوف على النفس و على العقيدة، لذلك هاجر الصحابة الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم هاجر الرسول صلى الله عليه و سلم رفقة باقي الصحابة إلى المدينةالمنورة خوفا على دينهم و على أنفسهم من المشركين، لكنّ الحاصل عندنا العكس تماما فالقضية في حد ذاتها مشكلة يجب البحث فيها، لأنّ الشباب غير واعي بما يفعل لا يفهم المعنى الحقيقي للهجرة، الحل عنده الهروب من المشكل الذي هو فيه و لا يعي ما ينتظره و أسباب ذلك اللاعدالة الاجتماعية التي نتخبط فيها". و هذا كان رأي كل اللذين التقيناهم و سألناهم حول الهجرة و هل يؤيدون ذلك، و جلهم أجمعوا أنها الحل الوحيد للهروب من المشاكل الاجتماعية المنتشرة في المجتمع الجزائري كالفقر و غلاء المعيشة و أزمة السكن، كذلك قصوا علينا قصص بعض أصدقائهم الذين ساعفهم الحظ و تمكنوا من الوصول إلى بعض البلدان الخارجية عن طريق الهجرة الغير شرعية و ذلك من خلال المكالمات الهاتفية التي تربطهم بهم و تقنعهم بأن العيشة في ايطاليا أو اسبانيا أحسن من العيش في الجزائر، و هذا ما يشعل نار الغيرة فيهم و يشجعهم على الهجرة بكل الطرق، و هذا لا ينفي وجود البعض منهم هناك من يتمنى الموت أكثر من مرة في اليوم لقساوة ظروف المعيشة و المشاكل التي يتخبط فيها المهاجرين، و لكن من يؤيد فكرة الهجرة لا يولي أي اهتمام للذي ينصحهم بالبقاء في أرض الوطن، بل أغلبهم يردد هذه المقولة "هو راهو فاريها لتما و يقوللنا ماتجوش " هل الشاب الجزائري يعي المخاطر التي تنتظره؟ كريم شاب جزائري خريج المعهد الوطني للاادارة و التسيير الرياضي هو الأخر رأى أن الهجرة ليست حل ..بل الحل في العمل و إثبات الذات و ليس الهروب إلى مكان مجهول .. قائلا :"هذه بلدنا علينا البقاء فيها " لكن في نفس الوقت ظل السؤال مطروحا حول كيفية تفسير قيام شباب في مقتبل العمر بالمغامرة والهجرة وسط البحر بدون معرفة مصيرهم هل سيصلون أم أنها آخر رحلة في حياتهم ؟ هل هو اليأس أم فراغ الروحي أو جنون أو ماذا؟ نورالدين شاب متحصل على شهادة ليسانس في علوم الإعلام و الإتصال : أكد لنا أن الهجرة الغير الشرعية في الجزائر تعود أسبابها إلى معطيات كثيرة لكن الفراغ الروحي الذي أصبح يسيطر على شباب اليوم هو الذي يصور له جنة الخلد لما وراء البحار و هذا دون أن يعتمد على إستراتيجية محددة يمكن أن يعتمد عليها في بلاد لم ينشأ على تقاليدها و أسسها . مؤكد للشباب أن "المستقبل نستطيع أن نبنيه هنا في الجزائر فهناك فرصة في بلادنا فلنغتنمها " مرارة الواقع لن نسمح لها أن تكون سبيل للهجرة...... "أحمد" مهما كان ومهما يكون هؤلاء جزائريون منا دم ولغة و تاريخ أقول لهم خلينا نعيش في بلادنا نبني مستقبلنا و نحقق أهدافنا في الجزائر عندها إمكانيات قادرين نخلق المعجزات "ليندة" طالبة جامعية في جامعة باب الزوار ترى أنه لا يمكن إنكار تلك المشاكل التي يعيشها شبابنا لكن الحل ليس أن يرموا بنفسهم في مغامرات سالت لأجلها دموع أم تمنت أن تزف له عروسه بعد عودته لكن أتى إليها محملا. عبد الغني في حقيقة الأمر، إنّ من الأسباب الحقيقية التي تدفع شبابنا إلى ما يعرف بمصطلح " الحرقة" هو فقدان الثقة مع أهل الحلّ والربط، حيث إنّ تواصل حرمان قضاء الكفاءات، وعدم العدل في التوظيف على وجه الخصوص، طرح أمام الشاب المغبون على أمره التفكير بأي طريقة أنّ يتخلص من لعنة المجتمع، خصوصا إذا كان المقارنة بين تعيش البطالة وتلك التي تحسب نفسها أنّها وصلت بإيعاز من أهل الخبث. كل ذلك ولد مشكلة ضرورة الابتعاد عن المجتمع المحلي الذي يعيش فيه أصحاب الكفاءات.