أشار الأستاذ الجامعي بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف ، كمال الدين عطاء الله ،في مداخلته خلال الملتقى المنظم بذات الجامعة حول التداخل اللغوي وتأثيره على الهوية الوطنية الجزائرية.حيث أشار الأستاذ الى محور مهم والذي عنونه " اللغة و مساءلة الهوية بين التداخل اللساني و التجاذب المعرفي". حيث ،استهل المتدخل كلمته بالمقاربة مع موضوع،مشيرا بأنه قديم حديث و ارتبط بمفهوم جدلية العلاقة بين اللغة والهوية في ضوء التداخل اللغوي، والتجاذبات المعرفية التي تتعلق بالأصول الثقافية للمجتمعات اللغوية من ناحية و تأثير التداخل على الهويات اللغوية؛ فقضية الهوية وعلاقتها باللغة هي من القضايا الهامة التي تثير جدلاً فكرياً ومعرفياً كبيراً، نظراً لما يحمله المصطلحين من مفاهيم وقي ،في ظل العولمة الثقافية والغزو اللغوي الغربي للبلاد العربية، أصبح من الواجب التصدي لما يمكن أنْ يهدد التركيبة القومية والثقافية والدينية للمجتمع العربي، هذا الغزو الثقافي الغربي للبلاد العربية هو نتيجة تفاعلات عدة؛ من بينها تأثير الاستدمار الغربي للبلاد العربية والذي ترك آثاراً سيئة ترسّبت في شكل استعمار لغوي أثر بشكل مباشر على هوية الانسان العربي الذي ما إنْ يبدأ في الكلام حتى يختلط خطابه اللغوي بلكنات ولهجات ولغات في ديغلوسيا تجعل المتلقي لا يدرك أصل انتماء المخاطِب. الحفاظ على الهوية واجبا وفرضا وفي خضم كل هاته التراكمات، ونتيجة لتأثير تكنولوجيا التواصل على عقلية الأفراد وتفكيرهم، أصبح الحفاظ على الهوية واجباً وفرضاً، مع ما يواجه هذا الأمر من صعوبات على أصعدة مختلفة، فكرية، اجتماعية، دينية...؛ فالتكنولوجيا كرّست مبدأ لغة العالم، وتبنّت هاته الفكرة منظمات وجمعيات وأفراد على مختلف المستويات المعرفية والجغرافية والإيديولوجية، وأخذت على عاتقها تطبيق هذا المبدأ، ونادت بكسر حواجز الوطن والدين واللغة، وترسيخ مبدأ الانسانية )انسان، لغته: الانجليزية، انتماؤه: الأرض(، مع اعتماد مبدأ الاقتصاد اللغوي كوسيلة سهلة لتسريع وتبسيط التواصل. حيث سلط الأستاذ كمال الدين عطاء الله الضوء على تأثير و دور التداخل اللساني على المجتمع سلبا و إيجابا.مشيرا الى الكلمات المفتاحية: التعدد اللساني، تكنولوجيا التواصل، اللغة، الهوية، الدين، الواجب، العولمة الثقافية، الاستعمار اللغوي، المجتمع العربي، ديغلوسيا، لهجات، الفكر، الانتماء، الخطاب اللغوي، المعرفة، الاقتصاد اللغوي، الاستعمال اللغوي، الصراع اللغوي، الابتداع اللغوي، الازدواجية اللغوية، الوطن، الغزو الثقافي، العلاقة، المقاربة، الأمن اللغوي، جدلية. وحسبه وفي معالجتنا لموضوع علاقة اللغة بالهوية تستوقفنا مساءلات فلسفية حول طبيعة الموضوع، فهل هو على المستوى الأيديولوجي أم هو ذا عمق ميتافيزيقي، مما يجعل البحث يفرق بين الفرد من حيث انتمائه التاريخي لمجتمع من المجتمعات وانتمائه الطبيعي من ناحية أخرى؛ أي أنّ مسألة الانتماء (الهوية) تتعلق بالجانب التاريخي الحضاري وبالجانب الطبيعي الذي يحدد جنس البشر وأصلهم. فمنَ الناحية الميتافيزيقية يمكن رد الهوية إلى الطبيعة مع ما تمثله منْ رؤية فلسفية تعني ثبات هوية النوع البشري كالتناسخ عند سقراط والمثال عند أفلاطون والواقع عند أرسطو ووصولا إلى التطور عند داروين، كما أنّ قضية الهوية تطرح تساؤلا فلسفياً حول الفروق النوعية بين البشر من ناحية وبين الحتمية والاختيار من ناحية أخرى. اللغة العربية الفصحى هي الأحادية اللغوية في الوطن العربي إنّ ما يميّز الوطن العربي هو "الأحادية اللغوية" المتمثلة في اللغة العربية الفصحى، وفي الوقت ذاته يتسم ب "تعدد اللهجات" وتباينها منْ منطقة إلى أخرى، حيث تظهر "الازدواجية اللغوية" في كل الأقطار العربية؛ هذه الازدواجية أنتجت صراعاً لغوياً بين الفصحى والعامية من ناحية، وبين الفصحى واللغة الإنجليزية المهيمنة تحت تأثير العولمة في بعض الدول العربية مثل دول الخليج والمشرق العربي، و الفرنسية المتجذرة نتيجة الإرث الاستعماري لدول أخرى مثل دول المغرب العربي؛ هذا ما أ ثّر سلباً على "الاستعمال اللغوي" في هذه البلدان وتأثيره على هوية المجتمع ككل، خاصة في ظل تكنولوجيا التواصل التي فرضت منطقاً جديداً يعمد إلى تهميش لغات الشعوب الضعيفة في مقابل لغات العالم القوي، إضافة إلى تشجيع عامل "الاقتصاد اللغوي" والذي خلّف بدوره تعاملا سلبياً مع اللغة العربية الفصيحة في مقابل العامية التي تأخذ حيزاً كبيراً في التواصل الكتابي بخاصّة سيما فيما يسمى ب"الرسائل القصيرة" على الهواتف المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر المختلفة. إنّ محاولة التفصيل في هذا الموضوع يستدعي الرجوع تاريخيا إلى جدلية العلاقة بين اللغة و الهوية في ضوء تجاذبات سوسيولسانية بحمولة فلسفية تارة و علمية فيزيائة تارة أخرى؛ و يوجب البحث التعريف بالعائلات اللغوية الثلاث و المتمثلة في العائلة السامية، العائلة اللاتينية، العائلة الصينية؛ و كل منها ترتبط بعلاقات تاريخية و حضارية أدت إلى تقارب لغوي و سوسيولساني. إنّ النظرة الفلسفية القديمة التي دار حولها البحث اللساني و المتعلقة بالبحث عن اللغة الأم تطرح تساؤلا: هل هناك حقيقة لغة أم؟ و هو تساؤل بقي الى غاية نضوج الفلسفة الألمانية مع كتابات همبولت و بحثه عن أصل اللغات الجرمانية و أنها أصل العرق اللاتيني تزامنا مع البحث اللساني المترامي الأطراف الذي ركز على المنهج المقارن من أجل الوصول إلى أم اللغات. الفرضية الفزيائية التي زاوجت بين الاعتقاد الرياضي بأن هناك انفجار كوني حدث منذ ملايين السنين فكان من نتائجه ظهور الكواكب و بالتالي ظهور الأرض كما يزرد ذلك كوبرنيكوس في نظريته حول الفزياء النووية، فظهرت اليوم فرضية تحاكي ذلك الانفجار بالاعتقاد ان هناك انفجار لغوي يشبه ذلك لكن متى و كيف، ذلك ما لا يزال موضوعا للبحث، استنتاج يحيل إلى أن مصدر السن هو لسان واحد، و لهذا نجد تشابها على مستويات عديدة بين اللغات يدعمه مصطلح الاقتراض اللغوي بين مختلف العائلات اللغوية. في سنة 1816 في مؤتمر فيينا بين بريطانيا و فرنسا اللتان اتفقتا على احتلال الجزائر و هدم الشخضية العربية الإسلامية بهدم اللغة الفصحى، فقررتا تحطيم الطفل العربي بتحطيم مرحلة من حياته و هي بين 3 و 7 سنوات، حيث وجدوا أن الطفل العربي يذهب إلى الكتاب في سن الثالثة ليحفظ القرآن الكريم (77439 كلمة) ثم بين السادسة و السابعة يحفظ ألفية ابن مالك في النحو و بالتالي تصبح له ثروة لغوية كمبيرة تفوق بكثير قدرات الطفل الغربي، فقامت بريطانيا بغلق الكتاتيب و توجيه الأطفال إلى مرحلة اللعب و من ثم عند سن الست سنوات يلتحق بالمدرسة فيتعلم لغة انجليزية بسيطة فتضيع منه أجمل مرحلة في حياته لتعم اللغة، و هذا ما أثر على اللسان العربي في معظم أقطار الوطن العربي، و أما فرنسا فأسست مدارس و معاهد لتعلم اللغات الشرقية و اللهجات العربية. المشكلة الحقيقية للغة العربية في عقر دارها هو الإنسان العربي وشعوره بالنقص اتجاه غيره وحسب الأستاذ صاحب المداخلة ،فإن المشكلة الحقيقية للأمة العربية لا تكمن في اللغة ذاتها بل في الإنسان العربي الذي يعيش مرحلة انبهار بالآخر وشعوراً بالنقص من ذاته وانتمائه، فيمارس هذا الهروب لغويا وثقافياً في اعتقاد منه أنه يسير على خطى الحضارة والتميز والطريق إلى الرقي. وأكبر المشاكل التي تتعرض لها الهوية اللغوية اليوم هي مشكلة "اللهجات العامية" والتي اتصلت بالتكنولوجيا الحديثة وخاصة في ميدان تقنيات التواصل ناهيك عن اللغة الهجينة التي تستعمل في المجالات الأكاديمية والإعلامية والتي غالبا ما تكون إمّا فصحى مع عامية أو عامية مع فرنسية. ومن جانب آخر نجد إغفال المؤسسات التعليمية لدورها الأساس في الحفاظ على الهوية اللغوية؛ فالواقع يبين أنّه حتى الأكاديميين في التخصصات الإنسانية والاجتماعية والأدبية يستخدمون في دروسهم عربية ليست بالفصيحة ولا بالعامية، تسكين في أواخر الكلمات تجنّباً للحركات النحوية، شيوع اللحن وغيرها من الأمور التي تُظهر زهد هؤلاء في الاهتمام بلغتهم، لذلك وجب الاعتناء باللغة في المؤسسات التعلمية والتدريس بالفصحى ومعاقبة من يستخدم غيرها. لقد سعى بعض الغيورين على الهوية اللغوية كي يحافظوا على أقدس لغة في الكون؛ ومنهم العالم الجزائر عبد الرحمن حاج صالح رئيس مجمع اللغة العربية، والذي يعمل على مشروع ضخم سماه ب"الذخيرة العربية"، وهو بنك معلومات يحوي كل ما يتعلق باللغة العربية وكل ما يكتب أو ينشر يوميا بالاعتماد على الحاسوب الذي يضطلع بعملية رصد واحصاء البيانات بصورة آلية بنفس الطريقة التي يعمل بها محرك البحث المشهور "غوغل"، وهذا كله من شأنه الاسهام في رفع المستوى العلمي والثقافي للمواطن العربي. مثل هذه الجهود من شأنها أنْ تسهم في إصلاح مجالات مختلفة كالمعجمية الحديثة والتعريب الآلي والحوسبة النصية والتثاقف اللغوي وغيرها من المجالات المتعلقة بالتكنولوجيا الرقمية. إنّ العرب اليوم هم في وقت أحوج ما يكونوا فيه من المحافظة على هويتهم بالحفاظ على لغتهم، فهي اللغة الوحيدة التي عمّرت أكثر من سبعة عشر قرناً دون أنْ يموت استعمالها، والغرب أدرى بذلك، والسياسات الحديثة تضع ذلك في الحسبان فلا عجب أْنْ يعود الاحتلال في شكل استعمار لغوي عن طريق الغزو الثقافي والتكنولوجيا الحديثة وسياسات الاستقطاب للكفاءات والنخب العلمية العربية.