تعد التويزة عادة اجتماعية ظلت وإلى وقت قريب متجذرة وسط المجتمع الأغواطي , لكن وبفعل التحولات الحاصلة على جميع الأصعدة, أصبحت الظاهرة في طي النسيان وجزءا من الموروث الاجتماعي المأسوف على اندثاره. وبالرغم من انتشارها لفترات طويلة وصمودها المستميت في وجه طغيان الفردانية وبقائها ردحا من الزمن كميزة تضامنية جمعية تضمن ترسيخ قيم التعاون والتآزر على قضاء مختلف الحوائج مهما كانت صعوبتها ومشقتها, يبدو أنها استسلمت أخيرا لرياح العصرنة العاتية وتبعاتها الجارفة.ولعل الحديث عن الظاهرة غالبا ما يطفو على السطح مع حلول موسم الحصاد والدرس لاقترانها أساسا بهذا النشاط ولحلاوة المشاهد, التي كان يصنعها المشاركون فيها أثناء مداعبتهم للمناجل من مرح وتسلية يتخللها بين الفينة والأخرى تهليل وترديد جماعي للمدائح الدينية. يسترجع كبار السن وجميع من عاصر الفترات الذهبية للظاهرة وساهم في تجسيدها ضمن شتى المناسبات, التي تتطلب التكاتف بين الأفراد وبكثير من الحنين ما كانت تتيحه لهم " التويزة " من لمة ولقاء بين الأحبة والرفاق , لم تستطع السنون المتعاقبة محوها من ذاكرتهم، ويقول الحاج مصطفى من حي الوئام بعاصمة الولاية , أن أوقات شبابه في البادية كانت بسيطة تسودها " النية الخالصة " وما " التويزة " إلا مظهر واحد من مظاهر التواد والصفاء الكثيرة جدا آنذاك، مردفا بالقول:" في القديم لم نكن نعرف الصعب أو المستحيل " لأن التغلب عليه بفضل جهود الرجال مضمون , ولم تكن هناك أي مناسبة - حسبه - تخلو من مساعدة الجميع لبعضهم البعض فرحا كانت أو قرحا " عكس ما هو ملاحظ اليوم " . وبنفس التعبير تقريبا , يعود بنا الحاج محمد ركبي, أحد أشهر موالي الجهة الشمالية لولاية الأغواط , حيث يؤكد على أن الظاهرة المذكورة لم تكن تقتصر على الجانب الزراعي فحسب , بل تتعداه إلى كل عمل يحتاج للتطوع بما فيها المبادرات والنشاطات الخيرية ، مشيرا أن هبة أفراد الدوار أو العرش الواحد لمساعدة كل من يحتاج ذلك , سواء في حصاد أو درس أو حرث أو غيره , بالجهد أو الرأي أو حتى بالمال وعن " طيب خاطر " وتحمس لتقديم تلك المساعدة . يجمع الباحثون ونشطاء المجتمع المدني على أن اندثار ظاهرة " التويزة " من السلوك اليومي للأفراد - كصورة عن انصهارهم في المجتمع - يعتبر فعلا مؤشرا قويا على " تهلهل " قيم التكافل الاجتماعي عموما ، ويرى طريف عطاء الله, الباحث في دراسات الاتصال الإجتماعي بجامعة الأغواط, أن تلاشي الظاهرة يأتي في سياق تغيرات مجتمعية طارئة وضمن تحول اهتمامات الأفراد وتغير أساليب حياتهم . وأرجع ذات الباحث هذا العزوف عن الأعمال الجماعية , إلى تأثير وسائل الإعلام في تغيير النمط الحياتي للفرد وفرض النظرة الفردية النرجسية عليه وإرغامه على الإنغلاق واضعة بدائل أمامه أغنته إلى حد ما عن الجماعة والأصدقاء ، وأضاف : " تلك الروح التي كانت سائدة أدت إلى تماسك الأفراد فيما بينهم ورسخت شعورهم بالتلاحم " ومن ثمة جعلت الفرد وقتها يحتمي بالفرد الآخر في نسق متكامل, محملا مسؤولية غرس هذه الروح إلى كافة المؤسسات الإجتماعية وفي مقدمتها الأسرة . وللتطور التكنولوجي وسيطرة الآلة والاستغناء عن الجهد البدني في أداء أي نوع من أنواع الأشغال نصيب من تراجع الظاهرة أيضا , فعلى سبيل المثال استحواذ المكننة على عملية الحصاد التي كانت المجال الخصب لممارسة " التويزة " أضفى إلى التلاشي التدريجي لهذه الأخيرة، وللإشارة فإن ولاية الأغواط وبرسم حملة الحصاد والدرس التي انطلقت بها قبل أيام سخرت 26 حاصدة من بينها 19 حاصدة تابعة للخواص والباقي للتعاونية الجهوية للحبوب والبقول الجافة , الأمر الذي يبرز مدى الإهتمام بالآلة على حساب تعاون الأفراد فيما بينهم.