إنّ حصائد اللسان قد يرفع العبد إلى أعلى الدرجات، وقد يهوي به في أسفل السافلين، عن عبادة بن الصامت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشار إليه فيه وقال: ''الصمت إلاّ مِن خير، فقال له معاذ: وهل نؤاخذ بما تكلّمت به ألسنتنا؟ فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخذ معاذ، ثمّ قال: ''يا معاذ ثكلتك أمّك، وهل يُكَب النّاس على مناخرهم في جهنّم إلاّ ما نطقت به ألسنتهم.. فمَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت عن شر، قولوا خيرًا تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا'' أخرجه الحاكم وهو حديث صحيح. ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنّم'' أخرجه البخاري ومسلم. والغيبة أو ذِكْرُك أخاك بما يكرَه من اخطر آفات اللسان الّتي يجب أن يجتنبها المسلم، قال صلّى الله عليه وسلّم: ''المسلم مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده'' أخرجه البخاري ومسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذِكرُك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته'' رواه مسلم، قال النووي في شرح مسلم ''بَهته'': بفتح الهاء مخفّفة، قُلتَ: فيه البهتان وهو الباطل. فالغيبة محرّمة قليلها وكثيرها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ''يا رسول الله، حسبك من صفية كذا وكذا، قال أحد الرواة تعني قصيرة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''لقد قلتِ كلمة لو مزجَت بماء البحر لمزجته!'' رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح. وعن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع: ''يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تُؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه مَن يتّبع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومَن يتّبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله'' رواه الترمذي وهو حديث حسن. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لمّا عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون لحوم النّاس ويقعون في أعراضهم'' رواه أبو داود. نسأل الله أن تكون هذه الأحاديث سببًا في توبة وإقلاع الجميع عن هذا الفعل، لما يترتّب عليه من العذاب الشّديد يوم القيامة، ومن المؤسف أنّ الغيبة أصبحَت في زماننا فاكهة لكثير من النساء إلاّ مَن رحم ربّي، وقد قال عزّ وجلّ: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} الحجرات: ,12 ولا يستثنى من تحريم الغيبة إلاّ ما رجّحت مصلحته، والصور المستثناة منها مجموعة في قول الشاعر: الذمّ ليس بغيبة في ستة متظلّم ومعرّف ومحذّر ولمظهر فسقًا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر