يعتبره مؤرخو الحروب ثالث أهم جنرال روسي في التاريخ بعد كوتوزوف، هازم نابوليون، وجوكوف، قاهر هتلر.. إنه ألكسي كوراباتكين. وقبل الاسترسال في الحديث عن علاقته بالجزائر، يجدر بنا أن نقدم نبذة عن حياته ومساره العسكري. انخرط عام 1864 في سلك الأشبال، ودرس في الأكاديمية الإمبراطورية، ليرسل بعد ذلك في رحلة إلى أوروبا، فزار لندن وبرلين، ثم الجزائر(18741875). بعد عودته إلى روسيا، شارك في عمليات عسكرية في تركستان وسمرقند. ثم أصبح قائد أركان خلال الحرب اليابانية الروسية. وبعدها قائدا للقوات البرية في مونشوريا. وعيّنه القيصر نيكولاي الثاني قائدا عاما للقوات الروسية في الشرق الأقصى الآسيوي. بعد هزيمته في موكدن طلب إعفاءه من قيادة الجيش. كما قاد الجيش الروسي في الجبهة الشمالية خلال الحرب العالمية الأولى (1916). وبعد ذلك أصبح حاكما عاما لتركستان، وقام بقمع الانتفاضات العديدة التي اندلعت في آسيا الوسطى. وقد استفاد من تجربته العسكرية الطويلة ليضع عدة مؤلفات هامة حول التاريخ العسكري والجغرافية الحربية. بعد ثورة 1917 اعتقله البلاشفة، ثم أخلوا سبيله. قضى آخر أيامه في الاهتمام بمدرسة ومكتبة بمسقط رأسه. وسلّم للأرشيف العسكري الروسي 800 ألف صفحة من الوثائق والمخطوطات. إن رحلة ألكسي كوراباتكين من أهم الرحلات الروسية إلى الجزائر وأكثرها إثارة للاهتمام. ويعود ذلك، بالدرجة الأولى، إلى شخصية صاحبها وإلى غنى رحلته بالمعلومات التاريخية الدقيقة عن الجزائر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. كان كوراباتكين يدوّن بانتظام ودقة انطباعاته ومشاهده عن هذه الرحلة، وبعد عودته إلى روسيا نشرها في شكل رسائل في بعض المجلات العسكرية. كما وضع كتابا ألفه كدراسة شاملة حول الجزائر. وصدر هذا الكتاب في سانت بطرسبورغ عام 1877 بعنوان ''الجزائر''. ويرى المستعرب روبرت لاندا في تحليله للمصادر التاريخية لتلك الحقبة، أن كتاب ''الجزائر'' لكوراباتكين هو ''لبنة هامة في بداية اهتمام الروس بالقضايا الجزائرية قبل الثورة الشيوعية''. يسلط كتاب ''الجزائر'' الأضواء على ''جملة من القضايا الاقتصادية والجغرافية والأثنوغرافية للبلاد، كما يرسم لوحة قاتمة لأعمال المستعمرين الفرنسيين فيه''. ويلاحظ المؤلف أن ''الهدف من الوجود الفرنسي هو جعل الجزائر جزءا من فرنسا. وأن وسيلة بلوغ ذلك هي الاستعمار''. وقد صادفت رحلة كوراباتكين فترة سياسة الإدماج السريعة في عهد الحاكم العام سانسي، وما ترتّب عليها من نهب لأراضي الفلاحين وإفقارهم. وأشار كوراباتكين إلى طابع سياسة المستعمر بشأن الأراضي قائلا: ''إن الحكومة تهتم بتسهيل امتلاك الفرنسيين للأراضي، وتضع في الوقت نفسه العراقيل أمام انتقالها إلى الأهالي''. أفرد الفصل الأول من كتابه للمحة عسكرية إستراتيجية عن الجزائر، مذكرا بأهم فترات تاريخها إلى غاية .1830 أما الفصل الثاني، فقد خصصه للمقاومة التي تزعمها الأمير عبد القادر، وانتفاضة المقراني في 1871، والنظام الذي اعتمده الحاكم العام سانسي لإدماج الجزائر. وتناول كوراباتكين في باقي أجزاء كتابه التركيبة السكانية للجزائر (السكان الأصليون والدخلاء الأوروبيون) وكذلك التقسيم الإداري في البلاد وتطور الصناعة وطرق المواصلات والتجارة الداخلية والخارجية. ويفسر ألكسي كوراباتكين نجاح الفرنسيين في احتلال الجزائر باستغلال فرنسا للانقسامات والنزاعات القبلية والعشائرية الموجودة بين مختلف فئات السكان وإذكائها. ويشير في هذه النقطة بالذات إلى أن جهود الأمير عبد القادر الهادفة إلى جمع شمل الجزائريين ''تحت راية الإسلام والجهاد ضد الغزاة الأجانب''. غير أن كوراباتكين يردد في كتابه نفس التحليل الذي يقدمه غلاة الاستعمار بشأن البواعث الكامنة وراء احتلال فرنسا للجزائر. ويعتبر الدكتور جابر أبو جابر أن كوراباتكين ساذج حين يقول إن التوسع الاستعماري مشروع ''إن عجز كوراباتكين عن تفسير الأسباب الحقيقية للاستعمار جعله يقبل الطرح القائل ''إن الأسباب التي دفعت فرنسا إلى هذا العمل كانت عديدة ومبررة. وأهمها مقتل العديد من الرعايا الفرنسيين بإيعاز من الداي حسين، وعدم احترام الجزائر للاتفاقيات التجارية. زد على ذلك أن الدول البحرية الأخرى، وخاصة إنجلترا، لم يكن لديها مانع في الاستيلاء على مدينة الجزائر''. نشير إلى أن ألكسي كوراباتكين شارك خلال رحلته إلى الجزائر في حملة عسكرية ضخمة موجهة إلى الصحراء الكبرى، كان الغرض منها التغلغل إلى الداخل والتعرف على الأراضي الصحراوية وتعزيز السيطرة الفرنسية فيها، وضبط عملية جمع الضرائب على النخيل. ومما لا شك فيه، أن مشاركته في هذه الحملة وعلاقته الوطيدة بالقيادة العسكرية الفرنسية حددا إلى درجة كبيرة الأخطاء الواردة في كتابه ''الجزائر'' . [email protected]