خيّم الحزن على المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، برحيل سيدة المسرح كلثوم. وبكثير من الألم والحسرة، تحدث أصدقاؤها وجيرانها عنها وعن مسارها وعلاقتهم بها. الممثلة نورية ''هي من علّمتني أصول التمثيل'' تذكرت نورية، رفيقة بداياتها الفنية الأولى، وقالت والدموع لم تجف عن وجنتيها: ''لم تكن كلثوم مجرد رفيقة درب في الفن، بل هي أختي وحبيبتي وصديقتي المقرّبة. لقد تعلمت منها أصول الفن والتمثيل. كانت ممثلة كبيرة، وكنت في بداياتي الأولى حين أخذت منها كل شيء، لقد كانت إنسانة كريمة وحنونة كثيرا، وما كان يميزها أنها لم تكن تهتم بما يجري حولها، همها الوحيد كان فنها، لم تكن تتكلم عن الناس''. وتروي نورية إحدى مغامرتها وذكرياتها فتقول: ''في إحدى المرّات كنا في جولة بوهران وقدّمنا مسرحية «الدكتور كلوك» وكان عملا ثقيلا لم يعجب الجمهور''، فخافت كلثوم وجاءت إليها ليلا وقالت لها: ''نورية، هيا نهرب، العرض لم يعجب الوهرانيين وسيشبعوننا ضربا''. وتضيف: ''لقد خوّفتني، فهربنا من المسرح إلى الفندق وبتنا هناك دون أن نقدم العرض''. فريدة صابونجي''احترمنا اختياراتنا رغم الصعوبات'' تقول صابونجي: ''كلثوم سيدة كبيرة. تعرّفت عليها منذ سنوات .1940 قدمنا سوّيا مسرحيات عديدة، وقد قمنا بالأخص بجولات في كامل الجزائر مع محي الدين بشطارزي. كنا 6 فتيات و7 رجال، لكننا حافظنا على ثقافتنا واحترمنا اختياراتنا، رغم الصعوبات التي واجهناها في ذلك الوقت. لقد كنا نعيش كعائلة واحدة''. فتيحة باربار''إنها سيدة استثنائية'' كانت كلثوم سيدة استثنائية لا تعوّض. لقد تعرّفت عليها في الوسط الفني، وبقيت تدعمني وتشجعني إلى آخر لحظة.. كلثوم هي المرأة التي فتحت الباب أمام نساء الجزائر لاقتحام المجال الفني، وقد تحملت الكثير في سبيل ذلك. الممرضة الخاصة للسيدة كلثوم تصرح ل''الخبر'' ''كلثوم طلبت أن تشيّع من المسرح وتركت مذكراتها'' كشفت صفية بلبشر المدعوة ''فوزية''، الممرضة الخاصة التي رافقت ليلا السيّدة كلثوم في آخر أيامها منذ 3 أشهر في عيادة ''شهرزاد''، بأن المرحومة طلبت أن لا تشيّع من بيتها إذا توفيت ولكن من مسرح محي الدين بشطارزي، كما أنها تركت مذكرات خاصة تروي فيها مسارها الفنية وملاحظاتها حول حياتها. تتحدث الممرضة الخاصة بكل حب واحترام عن يومياتها مع المرحومة قائلة: ''لم تتغير السيدة كلثوم، لقد بقيت محافظة على أناقتها وهي مريضة وفي سن 94 سنة، كانت تطلب مني أن أقلّم أظافرها، كما أن العطر لم يكن يبارحها، كانت معتزة بنفسها''. وتضيف: ''لقد تدهورت حالتها في الأيام الأخيرة، فكانت تبكي كثيرا ودعاؤها الدائم كان: «الله ارحمني وخذني عندك»''. كلثوم رغم مرضها تقول فوزية: ''سألتني في أحد الأيام كم نحن في الشهر؟ فقلت لها 1 نوفمبر، فبكت وبقيت تتحدث طيلة الليل عن الثورة واحتفالات أول نوفمبر''، لتؤكد بأن ذاكرة كلثوم بقيت حية ولم تنس أي شيء، خاصة حكاياتها الجميلة مع رفيقة دربها نورية. بهية راشدي ''كانت أحسن سفير للفن الجزائري'' لقد فقدنا بموت كلثوم شخصية فنية ثقافية كبيرة. ليس من السهل أن نختزل السيدة كلثوم في كلمات وهي حية فما بلك وهي ميتة، أنا أعتبرها أم الفنانات الجزائريات. لقد عاصرت كل الأجيال. ولو استعملنا كل قواميس الوصف، لما أوفيناها حقها.. تميزت كلثوم بالأخلاق العالية، وكانت محتشمة ومتواضعة ومحبة للآخرين.. لقد أحبها الجميع، وكانت بالنسبة لي القدوة. كما مثلت الجزائر في المحافل الدولية أحسن تمثيل، وكانت أحسن سفير للفن الجزائري، وتستحق كل التكريم. كانت تلقانا بملابس عادية ومتواضعة، لكن ملامحها حملت الهيبة والاحترام. وإذا دخلت إلى أي مكان، يقف الجمهور مصفقا، وهذا أفضل تكريم. أحمد راشدي كانت ستمثل دور أم كريم بلقاسم أعتبر السيدة كلثوم من ركائز السينما والفن في الجزائر. لقد عاشت وعايشت كل مراحل الفن الجزائري منذ بداياته وعاصرت كل الأجيال. إنها امرأة مخضرمة، بل إنها هرم من أهرام الفن الجزائري والثقافة.. أتأسف لرحيل كل فنان كونه خسارة للساحة الفنية، فمنذ شهر فقدنا العربي زكال.. لكن أرى أن الفنان لا يموت، إنه يعيش فينا من خلال أعماله لقد كان لديّ مشروع معها، وكان من المفروض أن تؤدي في فيلم كريم بلقاسم دور أمه، وكان بالنسبة لها هدية للجمهور الجزائري.