إحياء لذكرى تأسيسها الثاني عشر، بادرت الجمعية السينمائية "أضواء" أول أمس، بتكريم سيدة المسرح الجزائري، الفنانة كلثوم، المناسبة حضرتها الأسرة الفنية بمختلف أجيالها كي تشهد هذه الوقفة. اكتظت قاعة »سييرا مايسترا« بجموع الفنانين الذين قدموا من كل حدب وصوب لحضور هذا التكريم الخاص من نوعه، في حق سيدة أعطت للفن كل حياتها، تماما كما قدمت حياتها وكل ما تملكه لخدمة الثورة التحريرية وساهمت بفنها في تدعيم الحركة الوطنية الجزائرية. رغم تعذر مجيء الفنانة بسبب ظروفها الصحية، إلا أنها أوفدت الكثير من أعضاء أسرتها يقودهم ابنها البكر. انطلق العرس بنغمات الزرنة على وقع مقطوعات موسيقية عاصمية، ليصعد الى المنصة المنشط جلال ويرحب بالحضور من فنانين وكتاب وموسيقيين وحتى بعض السياسيين. مرجعا سبب هذا التجمع الكبير الى الرمزية التي يحملها والمتعلقة باسم في قامة كلثوم. بعدها أعطيت الكلمة لرئيس جمعية »أضواء« المخرج الكبير عمار العسكري، الذي تحدث عن عيد ميلاد »أضواء« الثاني عشر وظروف تأسيسها. مؤكدا أن تأسيسها كان في 19 مارس وذلك للدلالة على أن الثقافة والتاريخ واحد، وشدد في تدخله على أن رجال الثقافة والفكر والفن هم دائما في الصفوف الأمامية للدفاع عن الهوية الوطنية. كما استغل العسكري المناسبة للحديث عن قانون الفنان الذي يبقى عقبة أمام الإبداع. مشيرا الى غياب استرايتجية واضحة ودائمة للنهوض بالثقافة وبأهلها. مركزا على مثال حال السينما الموجودة في تقهقر مستمر، خاصة مع تراجع قاعات العرض التي لا تفوق 10 قاعات، بينما كانت فيما مضى تفوق 505 قاعة، ناهيك عن مشاكل أخرى كالتحميض والإنتاج وغيرها. أما الفنان محمد عجايمي ففضل ان يحيي كلثوم من خلال قصيدة كتبها يقول مطلعها : "توحشت كلثوم وبلاد سيدي عبد الرحمن" وكأنه يربط وبشكل بديهي كلثوم بالقصبة فكلاهما واحد، ثم تكلم عن علاقته بكلثوم التي تربى على صوتها وهو يلعب في أزقة القصبة حينما كان يستمع الى مسرحياتها في الراديو. تضمن برنامج الحفل أيضا عرضا لشريط مصور خاص بمسيرة كلثوم ويحمل عنوان »كلثوم.. مسيرة«، أنتجه وأخرجه عمر رابية وتضمن لقطات من أعمال كلثوم المسرحية والسينمائية بمشاركة أعمدة الفن الجزائري كالراحل رويشد وباش جراح وغيرهما، وجاءت في الشريط أيضا شهادات لبعض من عرفوا كلثوم عن قرب منهم مثلا الفنانة القديرة نورية التي كانت بمثابة الأخت المقربة لكلثوم إلى درجة أنها لم تكن تفارقها حتى أثناء النوم، فدائما أثناء الجولات الفنية تبيت معها في غرفة واحدة، كما جمعها بها النضال والثورة، خاصة أثناء معركة الجزائر الخالدة، الى جانب شهادات أخرى قدمتها فتيحة بربار، فريدة صابونجي، سعيد حلمي وغيرهم. للتذكير، فإن السيدة كلثوم من مواليد أفريل 1916 بالبليدة، التحقت بالفن في الثلاثينيات لتكون أول امرأة ممثلة في تاريخ الجزائر، وبذلك كسرت الطابوهات وفتحت الطريق أمام النساء للدخول إلى هذا العالم، لكن كلثوم تفردت بالموهبة لتكون مدرسة قائمة بذاتها مما جعل الراحل بشطارزي يخصها بمساحة كبيرة في مذكراته. السيدة كلثوم هي أيضا مجاهدة أفنت حياتها في خدمة الوطن، حيث استغلت المسرح لتوعية الشعب. ويذكر أنها في بداية الأربعينيات لبست ثوبا بألوان الدول العربية وهي تصرخ على الخشبة »يا عربان ثوروا«، مما كلفها عقاب السلطات الاستعمارية. حملت السلاح وهربت الوثائق وساهمت كفدائية في الثورة التحريرية، مما جعل المظليين يقتحمون بيتها ويصوبون رشاشاتهم نحوها ونحو زوجها، إلا أن القدر كان أكبر من هؤلاء الزبانية. فأية امرأة مثل كلثوم لا يمكن لأي تكريم أن يوفيها حقها كاملا.