لم يكن تناول الطعام لدى سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عملية عضوية بحتة، بل كان يُمثّل نموذجًا لنظرته للحياة، ولأخلاقه وسلوكه وخصائص شخصيته. فلم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرد طعامًا أبدًا مهما كان هذا الطعام، فإن اشتهاه أكَلَه، وإن لم يشتهه اكتفى بأن يتركه دون أن يتكلّم عنه أو يرفضه، فلم يكن يعيب طعامًا أبدًا، بل حتّى لم يكن يقول إنّ هذا حار، وهذا مالح، يقول صاحبه أبو هريرة رضي الله عنه: ''ما عاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طعام قط، إن اشتهاه أكَلَهُ وإلاّ تركه'' أخرجه البخاري ومسلم. ولم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرءًا شرِهًا في طعامه، ولا كثير الأكل، ولا يملأ بطنه بطعامه، بل كان قليل الطعام، وحسبه يأكل ما يقيم صلبه وفقط، حتّى إنّه كان ينصح أمّته فيقول لهم ذَامًّا كثرة الطعام: ''ما ملأ آدمي وِعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقِمْنَ صُلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشاربه، وثلث لنفسه'' أخرجه البخاري ومسلم. ومن نصائح سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذهبية ما قاله لغُلامٍ ربيبٌ له، ابن زوجته أم سلمة، هو عمر بن أبي سلمة: ''يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ ممّا يليك'' أخرجه البخاري ومسلم. وأمَرَ أمّته فقال: ''إنّ الله يرضى من العبد أن يأكُل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها'' رواه مسلم. ويتجلّى في طعامه صلّى الله عليه وسلّم الحرص على النّظافة وحماية الصحّة، فقد كان يغسل يديه قبل كلّ طعام، تقول عائشة رضي الله عنها: ''كان إذا أراد أن يأكُل غسل يديه'' أخرجه النسائي وأحمد.