سائل يسأل هل يجوز إخراج الزكاة في مال اليتيم؟ يجب إخراج الزكاة في مال اليتيم إذا توفّرت فيه شروط، وهي: أن يحول الحول، وأن يكون مِلكًا تامًا لصاحبه، وأن يبلُغ النِّصاب، وأن يكون قابلاً للنَّماء والزيادة. فمتى توفّرت هذه الشروط في المال وجب إخراج زكاته، ولا اعتبار لحال المالك، فيجب إخراجها ولو كان المالك يتيمًا أو صغيرًا أو مجنونًا. شخص سمِع مؤخّرًا فتاوى تُحرِّم العمل في البنك، ويذكر أنّه ربّ عائلة ولا يمكنه التوقّف عن العمل فيه، فكيف يتصرّف؟ إنّ تحريم الربا حكم إلهي ثابت بنص القرآن والسُنّة، لا مجال للاجتهاد من أجل تغيير هذا الحكم لتغيير الزمان والمكان، قال تعالى: {وأحَلَّ الله البيع وحرَّم الرِّبَا} البقرة:275، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لعن الله آكِل الرِّبا وموكله وكاتبه وشاهديه'' أخرجه مسلم. ولا شكّ ولا ريب في أنّ أحكام الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، ففي تحريم الربا حِكم عديدة ومصالح محقّقة، وما على المؤمن إلاّ التسليم والرضى بقضاء الله وحكم الله، قال سبحانه وتعالى: {وما كان لِمُؤمن ولا مؤمنة إذا قضَى الله ورسولُهُ أمرًا أن يكون لهم الخيرةُ مِن أمرِهم} الأحزاب: 36، وقال جلّ شأنه: {فَلا وربِّكَ لا يؤمنون حتَّى يُحكِّموك فيما شجَرَ بينَهُم ثمّ لا يجدوا في أنفُسِهم حَرَجًا ممّا قضيْتَ ويُسلِّموا تسليمًا} النساء: .65 والعمل في المؤسسات أو البنوك الربوية فيه إعانة على الإثم والعُدوان، والله تعالى يقول: {وتعاونوا على البِرِّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعُدوان} المائدة: 2، كما أنّه جعل أجرته مترتبة على عمل فيه شُبهة. ولكن العلماء اعتبروا الضرورة مُبيحة للإنسان المُضطر العمل في تلك البنوك، عملاً بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''لا ضَرَر ولا ضِرَار''، وبقاعدة: الضرورات تُبيح المحظورات، مع إعمال قاعدة الضرورة تُقدَّر بقَدَرِها، والضرورة مقدّرة حسب حال الإنسان ووضعيته وليست على إطلاقها، والله من رواء القصد وهو يهدي السّبيل. تقولون في المعاملات الربوية إنها جائزة حال الضرورة، فما هو حدّ الضرورة؟ لقد حرّم الله تعالى أمورًا كثيرة، منها الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها، لكن إن اضطر المؤمن إلى أكْلِها أكَلَها ولا إثم عليه، قال تعالى: {إنّما حرَّم عليكُم الميتة والدّمَ ولحمَ الخنزير وما أُهِلَّ لغير الله فمَن اضْطُرَّ غيْرَ باغٍ فلا إثمَ عليه إنّ اللهَ غفورٌ رَّحيمٌ} البقرة: .173 وإن قال العلماء أنّ آخذ الربا مُرخّص في حال الضرورة فلم يطلقوا الأمر، بل وضعوا شروطًا وقواعد وضوابط تُقيِّده، من ذلك: ''الضرورات تقدَّر بقدرها''، ولا بُدّ أن يعلَم أنه إن ارتفعت الضرورة وزال الضرَر واتسع الأمر بعدما ضاق، فإن الحكم الأصلي يعود وهو الحظر والتحريم، وقد عرَّف بعض العلماء الضرورة بأنها: كلّ ما يترتّب على فُقدانها فساد أو اضطراب في حياة الإنسان، وهدّد بالتلف والتّعطيل لما يتعلّق بالضروري من المصالح الّتي لا تستقيم الحياة إلاّ بها، أمّا ما تعلّق بالحاجيات والتحسينات من الكليات الخمس، فلا يعد من الضرورة الّتي تبيح المحظور، وإنّما تبيح الضرورة المحظور إذا اتّصل بالضروري من حياة الإنسان أو دينه وعقله وماله ونسله، فلينظر من أقدم على أكل الربا لماذا أكلَهُ، وهذا لخطر الربا، ولورود النصوص الشرعية الصريحة في تحريمه، من ذلك قوله تعالى: {الّذين يأكلون الرِّبا لا يقومون إلاّ منا يقومُ الّذي يتخبَّطُه الشّيطان منَ المَسِّ ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثلُ الرِّبا وأحَلَّ الله البيعَ وحرَّم الرِّبا فمَن جاءَهُ موعِظة من ربِّه فانتهَى فلَهُ ما سَلَفَ وأمرُه إلى الله ومَن عاد فأُولئِك أصحاب النّار هم فيها خالدون} البقرة: .275 وقوله: {يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللهَ وذَرُوا ما بقيَ من الرِّبا إن كُنتم مؤمنين × فإن لم تفعلوا فأْذَنُوا بحَرْبٍ من الله ورسولِه وإن تُبتُم فلكم رؤوس أموالِكم لا تظلمون ولا تُظلَمون} البقرة: 279-278، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''لعَن الله آكل الرِّبا ومؤكله وكاتبه وشاهديه} رواه مسلم وغيره، وغير ذلك من الأدلة. وقد يتحجّج البعض لجواز التعامل مع البنوك الربوية ولو لغير المضطر بكون علّة التحريم هي الاستغلال والانتهازية، فإن انتفت العلّة وارتفع الحكم، ورجع إلى الأصل في الأشياء كلّها وهو الإباحة، ويرد عليهم بأّن البنوك الربوية إلى يومنا الحالي تعطي قروضًا وتشترط الزيادة في تسديد القرض، وما علموا أنّ كلّ قرض جرّ نفعًا فهو ربا، واشتراط الزيادة في القرض عند إبرام العقد هو عين الربا، وعلّة التحريم قد تكون الاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل، وقد تكون غيرها ممّا لا تدركه عقول البشر القاصرة، كما هو الحال في كثير من الأحكام الشرعية الّتي لا تدرك الحكمة من مشروعيتها ولا يدركها على حقيقتها إلاّ الله.