سعت ''الخبر''، من خلال هذا التحقيق، إلى كشف تفاصيل ما يعرف بانزلاق هضبة سان رافاييل في مرتفعات العاصمة. وهو الملف الذي تتم معالجته في صمت، في وقت كثرت الإشاعات ومخاوف العاصميين من خطر الانزلاق الأرضي الذي تجلت آثاره للعيان في الأبيار والجزائر الوسطى. تجري محاولات تجنيب العاصمة تكرار سيناريو كارثة باب الوادي. ودخلت الجماعات المحلية والقطاعات المعنية في سباق ضد الزمن قبل حدوث أي فيضانات أو زلازل. ولا يفوت المار عبر شارع كريم بلقاسم في تيليملي أو شارع بوفرة في الأبيار أو مسالك السفينجة قرب سفارة ألمانيا في الجزائر الوسطى، مشاهدة التشققات البادية على الطرقات أو في مواقع كشفت ما تخفيه أعماق الأرض من خطر قد ينتهي بكارثة. وهو ما يتداوله العاصميون الذين يخشون تكرار سيناريو فيضانات باب الوادي في حالة هطول أمطار طوفانية أو هزات أرضية. ولعل سقوط جزء من الهضبة الصخرية في منعرج شارع بوفرة كان مؤشرا لما يخفيه باطن الأرض لسكان العاصمة. حاولنا الاتصال بكل مسؤولي القطاعات المعنيين بالملف على مستوى بلديتي الجزائر الوسطى والأبيار، ومديرية الأشغال العمومية ومديرية الموارد لولاية العاصمة. وتمكنا من معرفة درجة الخطر الذي تحول إلى محور حديث أبناء البهجة، كما تمكنا من الحصول على تفاصيل الإجراءات المتخذة، سواء الوقائية منها في بداية الأمر، أو المشاريع القطاعية التي قررتها الحكومة لتجنب أي خطر لانزلاق طبقة صخرية على طول هكتارات وعمق لا يقل عن 80 مترا في باطن الأرض. تمتد المساحة المهددة بالانزلاق الأرضي المعروف ب''انزلاق سان رافاييل'' في الأبيار انطلاقا من هضبة شارع بوفرة محمد في جزئها المحدد بين الطريقين المؤديين إلى الجزائر الوسطى، الأول يربط الجزائر الوسطى والأبيار مرورا بحي السفينجة باتجاه شارع كريم بلقاسم في تيليملي، وصولا إلى أعالي ديدوش مراد، والطريق الثاني الرابط بوسط العاصمة مرورا بشارع بوفرة محمد مرورا بحديقة تونس. العاصمة تنام على وديان متحركة يقول الخبراء إن معدل الانزلاق يتراوح بين 5 و6 سنتيم كل عشر سنوات، تتحرك فيه طبقة صخرية على عمق 80 مترا في باطن الأرض، على منحدر باتجاه البحر، وبالتحديد ميناء العاصمة. وكانت الدراسات المعدة تؤكد بأن خطر الانزلاق معقد ويصعب التحكم فيه، على اعتبار أن سببه مياه باطنية جارية تحت الطبقة الصخرية المتحركة. كانت الحلول الوقائية بمبادرة من مسؤولي بلديتي الجزائر الوسطى والأبيار، من خلال إجراءات تقنية ميدانية في حدود إمكانياتهما للتقليل من خطر الانزلاق الأرضي، وذلك مباشرة بعد كارثة فيضانات باب الوادي سنة 2001 أو زلزال ,2003 اللذين كانا بمثابة منبه لما قد يحدث في حالة عدم تسطير مشاريع استعجالية لتجنب الكارثة. وفي هذا السياق، راسل المسؤولون المحليون للبلديتين ولاية الجزائر التي راسلت القطاعات المعنية، مع العلم أن إدارة الري التي تحمل حاليا اسم مديرية الموارد المائية للعاصمة التابعة لوزارة القطاع قامت، منذ سنوات، بعدة دراسات أنجزتها مكاتب دراسات أجنبية متخصصة. هذه الأخيرة قدمت توجيهات تتمثل في جملة من التوصيات للقيام بإجراءات وقائية في انتظار انتهاء مشروع إنجاز قناة باطنية لتجميع وتصريف مياه الوديان ومياه الصرف على طول 3 كلم بين الأبيار والميناء. إجراءات استعجالية لمواجهة الكارثة تمثلت التوصيات الوقائية في ضخ الإسمنت في أماكن تجمع مياه الآبار الجارية على عمق 80 مترا في الأرض في عدة أماكن، حيث مجاري وديان المياه الباطنية تحت حديقة تونس في شارع محمد بوفرة بالأبيار، وفي نفس الوقت يتم ضخ المياه الباطنية إلى السطح وتسريبها عبر المجاري والبالوعات إلى البحر. كما تقرر تجميد منح كل رخص البناء أو إنجاز أية مبان باستثناء حدائق وأماكن راحة تعلو برك المياه الباطنية، مع تشجير المساحات ومنع تسرب المياه السطحية عند تساقط الأمطار إلى أعماق الأرض، للتقليل من كميات المياه الباطنية في المناطق المذكورة. وكلها كانت حلولا بتوصيات من القطاعات المعنية وبإشراف وتنفيذ من إدارتي البلديتين، لكنها تبقى وقائية فقط ولا تقضي على الخطر بشكل نهائي. وكان مشروع إنجاز قناة ضخمة تحت الأرض لتجميع وتصريف مياه الصرف الحل الذي يمكنه أن ينهي المشكل، من خلال تحويل المياه الباطنية لتصل في القناة باتجاه الميناء، وهكذا يتم وقف الانزلاق الناجم عن جريان مياه الوديان. وحسب ما تحصلنا عليه من معلومات من مديرية الموارد البشرية لولاية الجزائر، يتمثل المشروع الاستعجالي الذي تشرف عليه شركة ''طوديني'' الإيطالية في إنجاز ما يشبه نفقا في شكل قناة تجمع مياه الصرف على طول 3 كلم تحت الأرض، انطلاقا من ميناء العاصمة وصولا إلى شاطوناف في الأبيار. هذه القناة الضخمة تجمع المياه الباطنية المتحركة من خلال تحويل مساراتها باتجاه القناة لتصب في البحر في حالة سقوط أمطار طوفانية. مشروع عاجل لمواجهة خطر الانهيار وما أفادنا به مسؤولو مديرية الأشغال العمومية من معلومات حول الأشغال الجارية لمواجهة سقوط صخري لجزء من الهضبة المقابلة لحديقة تونس مثلما يبدو للعيان، وهي صخرة تصدعت بشكل أصبحت تشكل خطر على المارة والسكان المتواجدة بيوتهم أعلى الهضبة، القيام بأشغال هدم الصخرة المهددة بالانهيار على طول 70 مترا مع إنجاز جدران إسناد. لكن الإشكال الذي واجهه القائمون على الأشغال يتمثل في رفض أصحاب السكنات التي تعلو الهضبة إخلاء بيوتهم خلال فترة الأشغال ومنحهم شققا مؤقتا إلى حين انتهاء المشروع. وبلغ عدد العائلات المعنية مباشرة بخطر الانهيار الصخري ثلاثا، بغض النظر عن الخطر الذي يشكله التصدع الصخري على المارة ومستعملي شارع بوفرة، وما يشكله الانهيار الصخري من خطر على طول المنحدر باتجاه وسط العاصمة. من جهته، قال رئيس بلدية الجزائر الوسطى، الطيب زيتوني، في رده على أسئلة ''الخبر''، إن مساحة بقدر 5,4 هكتار من أراضي بلديته بين حي السفينجة المحاذي لسفارة ألمانيا وشارع كريم بلقاسم هي المعنية بالانزلاق، مؤكدا أنه على طول هذا الشريط لا يوجد سكان، ومنع منح رخص البناء. وأكد هذا المسؤول أنه يجب عدم تهويل وإخافة المواطنين، لأن الانزلاق تم التحكم فيه بشكل جزئي، وأن مشروع تجميع المياه الباطنية لتصب في البحر عبر قناة تحت الأرض بطول 3 كلم سيقضي على المشكل. أما رئيس بلدية الأبيار، السيد عبد اللاوي، فقلل من درجة الخطورة التي يخشاها العاصميون، وبالتحديد سكان بلديته، مؤكدا أنه تم إشعار الإدارات المعنية وشرعت في أشغالها لمواجهة أي خطر محتمل قبل حدوث أي مؤثرات طبيعية مستقبلا، مشيرا إلى أن مديرية الأشغال العمومية باشرت، على طول 70 مترا، أشغال الإسناد والهدم والتقوية للهضبة في شارع بوفرة، بينما سطرت مشاريع أخرى مستقبلا لرأب الصدع الذي سببه الانزلاق الأرضي.