قد لا تكون للأدب علاقة بالسياسة، ولكن الحكمة هي إحدى مستلزمات السياسة، وعندما تغيب تغيب السياسة. فغياب الحكمة يعني الضلال والجهل، وذلك يعني التسلط والظلم. ما ألهمني هذه المعاني هو نص مليء بالحكمة للأديب جبران خليل جبران تمعنوا معي: ''لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ... فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمتَ فتكلم حتى النهاية... إذا رضيت فعبِّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت... فعبِّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول... النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها، وهو ابتسامة أجلْتَها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها... النصف هو أن تصل وألا تصل، أن تعمل وألا تعمل، أن تغيب وأن تحضر... النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت... لأنك لم تعرف من أنت.... النصف هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه!! أليس هذا هو حال الحكم في الجزائر، اللاهوية والوقوف في منطقة هجينة، لا هو تعددي ولا هو أحادي، لا هو اشتراكي وهو لا هو ليبرالي، يقبل ببعض الحرية للإعلام ويرفضها للأحزاب. أنصاف الحلول هي التي سادت دائما، الحكم يقدم عند الضرورة بعض التنازلات وما يلبث أن يتراجع عنها. مثل هذه الأشكال من الحكم تبدو غير قابلة للإصلاح، ومثل هذا المنطق السلطوي لا علاج له إلا اندثاره. لا تنفع أبدا أنصاف الحلول، لقد جربت في مطلع التسعينيات وثبت أن سلطة الحكم غير قادرة على استيعاب أي مشاركة شعبية فعلية في اختيار من يمثلها. طبعا لا يمكن أن نطلب من السلطة والمهيمنين عليها الانتحار السياسي، إنهم لن ينسحبوا. أروي لكم هذه القصة الحقيقية والتي حدثت مع المرحوم محمد الشريف مساعدية. حدث ذلك بعد أكتوبر 1988، قلنا له أنا ومجموعة من الزملاء لماذا لا تنسحبون بشرف وتتركوا الساحة لغيركم؟ فرد بوضوح كامل: أنا لن أنسحب واسألوا الباقين رأيهم!! [email protected]