أوردت جريدة ''الخبر'' في عددها الصادر يوم 13 من الشهر الحالي، أن السيد وزير العدل قدم توضيحات لصحافيين على هامش جلسة الأسئلة الشفوية بالبرلمان حول مطالب القضاة المفصولين. وقد ورد في هذه التوضيحات، حسب الجريدة، أن عزل القضاة يتم عن طريق المجلس الأعلى للقضاء الذي يجتمع في هيئة تأديبية برئاسة الرئيس الأول بالمحكمة العليا وليس من طرف الوزير أو رئيس الجمهورية. وأن هذا المجلس قد عزل 64 قاضيا منذ .2005 باعتباري من المهتمين والمتتبعين لسير المؤسسات بصفة عامة، والقضاء بصفة خاصة، وقصد المساهمة في النقاش، أريد التركيز على النقاط التالية: 1- أصدر مجلس الدولة قرارات نهائية تقضي بإلغاء قرارات تأديبية للمجلس الأعلى للقضاء المتعلقة بعزل قضاة، وهذه القرارات القضائية ممهورة بالصيغة التنفيذية وفقا للمادة 601 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تنص على أنه باسم الشعب الجزائري، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية تدعو وتأمر الوزير بتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في المواد الإدارية. ورغم تبليغ هذه القرارات - والعبرة ليست بعددها - ورغم وضوح وصرامة المادة 145 من الدستور التي تنص: على كل أجهزة الدولة المختصة أن تقوم، في كل وقت وفي كل مكان، وفي جميع الظروف، بتنفيذ أحكام القضاء، فإن وزارة العدل رفضت التنفيذ. أعتقد أن هيبة الدولة وسمعتها ومصداقيتها وثقة المواطن فيها تكمن بالدرجة الأولى في احترام قوانينها وتنفيذ القرارات القضائية الصادرة ضدها، وليس في الخطب عن احترام القانون والدستور، أو في منع الاجتماعات السلمية. يحاول وزير العدل رفع المسؤولية عن نفسه وعن رئيس الجمهورية فيما يتعلق بالقضاة المفصولين، ولكن لا يمكنه بأي حال أن يبرر رفض وزارته تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها. ولما كانت المسألة تتعلق بانتهاك مادة صريحة في الدستور، فلماذا لا يتدخل رئيس الجمهورية الذي أدى اليمين بالدفاع عن الدستور ويأمر الحكومة بتنفيذ جميع القرارات القضائية الصادرة لصالح مواطنين ضد الوزارات والولايات والإدارات؟ وإذا رفضت وزارة العدل تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، فكيف نلوم الوزارات الأخرى؟ 2- وبالنسبة لصدور قرارات تأديبية بعزل 64 قاضيا منذ 2005 حسب تصريحات الوزير (بمعدل 8,12 في العام)، فإن ذلك يطرح عدة تساؤلات منها: هل المشكل يكمن في القضاة أم في النظام القضائي؟ إن هذا العدد المذل في حد ذاته يستدعي إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق قصد تحديد المسؤوليات. فالمسألة جد خطيرة، وعزل قاض واحد يدعو إلى القلق، لأنه في الدول الديمقراطية التي يتمتع فيها القضاء باستقلالية، قد يتعرض قاض واحد للعزل خلال 20 سنة. ومن ثمة فلا ينبغي أن تتباهى السلطة بعدد القضاة المعزولين، لكون هذا العدد في حد ذاته يدل على فشل سياسة إصلاح العدالة الذي تحول إلى مجرد إصلاح قصور العدالة. لماذا لا يفكر وزير العدل في عقد ندوة حول الموضوع، يشارك فيها قضاة ومحامون وجامعيون...، لمناقشة الموضوع بكل حرية قصد الوقوف عند الأسباب الحقيقية واقتراح الحلول الموضوعية ؟ ولماذا لا تقوم النقابة الوطنية للقضاة بهذه المبادرة باعتبارها نقابة يفترض أنها حرة هدفها الدفاع عن القضاة واستقلال القضاء؟ على السلطة، قبل تعديل الدستور والقوانين، أن تفكر في آليات احترام هذه النصوص من طرف السلطات العمومية والمكلفين بتطبيقها. والبقية تأتي...