موضوع انضمام كل من الأردن والمملكة المغربية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أسال الكثير من الحبر، وأثار الكثير من الاستغراب. أسال الكثير من الحبر من حيث أنه كان قرارا مفاجئا لم يتم التداول فيه سياسيا وإعلاميا، وأثار الاستغراب من حيث أن انضمام دولة من أقصى المغرب العربي إلى منظومة مفترض أنها لدول الخليج لم يره أي مراقب أمرا يستند لأي منطق، سوى منطق احتماء الأنظمة الوراثية ببعضها. فمن الصعب أن نجد لهذا الانضمام بعدا استراتيجيا يذكر، أو حتى دافعا اقتصاديا أكيدا، أو حتى مبرّرا تكتيكيا لمواجهة التهديدات الإيرانية على دول الخليج. لقد رفضت دول مجلس التعاون الخليجي انضمام كل من اليمن والعراق مرات عدة، وهي اليوم تقبل انضمام الأردن والمغرب. فلماذا أتى هذا المشروع؟ واضح أن الفكرة استباق لما ستحمله التحولات العربية على مستوى مقاربة المشكلات والإشكاليات العربية القائمة، وخاصة القضية الفلسطينية والعلاقة مع الغرب. إن ''حمى الديمقراطية'' و''حمى التغيير'' انتشرت في كل بلدان المنطقة، بدرجات متفاوتة وبأشكال متنوعة. ولكن هذه الحمى قد تجد بعض الحواجز أو عوامل التخفيف من حدتها، لكنها ملموسة حتى في البلدان الأكثر استقرارا في منطقة الخليج. ولهذا، قد يكون هذا المشروع تعزيزا لتلك الحواجز المانعة لحمى التغيير. لكن وبعيدا عن قراءة النوايا والممكن والمحتمل في هذا المشروع، هناك ما يبدو واضحا. هذا القرار إن وصل إلى التنفيذ، يعني فيما يعنيه أن هناك، ولأول مرة، انقساما غير جغرافي للبلدان العربية. كما أن ذلك سيعني التخلي عن مشروع الوحدة الخليجية وإطلاق رصاصة الرحمة النهائية على اتحاد المغرب العربي المحتضر أصلا، كما سيعني إضعاف أو حتى التخلي عن منطق جامعة الدول العربية، وتكليف وزراء الخارجية باختيار الأمين العام الجديد للجامعة عوضا عن القمة، مؤشر آخر يعزّز هذا الاعتقاد. فأي توجه يمكن أن يحمله هذا الشكل من العمل؟ وإلى أين يمكن أن يمضي؟ وهل يمكن للأنظمة الجمهورية خاصة تلك التي تحاول الآن بعد الانتفاضات الشعبية أن تسير باتجاه بناء أنظمة جديدة أن تعمل هي الأخرى على إنشاء تجمع لها؟ هل فتح الباب أمام قيام ''محاور'' عربية جديدة، أم عدنا لاستراتيجيات غربية قديمة، من شاكلة حلف بغداد؟ فالكثير من المحللين يمكن أن يبحثوا عن يد أجنبية في هذا التوجه. ذلك قد يكون. ولكن، ينبغي القول حتى وإن تم هذا، فإن ذلك يعكس تلاقي مصالح. طبعا واضح أن إدارة الأوضاع الإقليمية، سواء القضية الفلسطينية، خاصة الموت النهائي لاتفاقيات أوسلو وما كان يسمى مسار السلام واستقالة ميتشل أكدت ذلك، أو العلاقات العربية العربية، وخاصة احتمال أن تميل الأمور باتجاه توسيع صف ما كان يسمى الممانعة، لا يمكنها أن لا تتأثر وربما بشكل عميق بالتحولات التي حدثت والمرجح أن تحدث. ولهذا، يبدو أن هناك تسابقا على من يقود المرحلة المقبلة. فالانتفاضات العربية وما حملته وتحمله من تغييرات، لن يعيد المنطقة في كل الأحوال إلى ما كانت عليه. ومع ذلك، مازال من الصعب حتى الآن تصور شكل السياسات الخارجية التي سيتم اعتمادها، وشكل الأنظمة السياسية التي ستأتي بها الدساتير والانتخابات المقبلة، خاصة في مصر. ذلك مرتبط أيضا وفي جانب هام منه بما ستنتهي إليه الأمور في سوريا، سواء بإنهاء النظام القائم كليا أو جزئيا، وما يحمله ذلك من تحولات في التحالفات الإقليمية، خاصة العلاقة السورية الإيرانية. ويميل التقدير إلى أن ما أعلن من ''إصلاحات'' في سوريا الرسمية، حتى وإن لم يحدث تغيير جذري، إضافة لما حدث في مصر وما يحدث في فلسطين، قد يكون كافيا لكي يفتح الباب لبروز محور عربي آخر قد يضم مصر وسوريا، وربما لبنان والعراق، كما قد يضم اليمن وفلسطين. إن المغرب العربي سيكون نقطة الاستفهام الكبرى في ما يمكن أن يعرفه من تحولات سياسية في إدارة أوضاعه الإقليمية. وفعلا، فالوضع يلفه الكثير من الغموض، وهو يعيش انسدادا مزمنا، ليس بسبب قضية الصحراء فقط ولا بسبب التحول في تونس، بل خاصة بسبب غياب أي قدرة قيادية في المنطقة لتجاوز هذا الانسداد. فالجزائر لا تملك لا سياسة خارجية ولا حتى سياسة إقليمية فاعلة، وقد أفقدتها إدارة قليلة التبصر أي دور قيادي في المنطقة. فهل ينبغي منع المغرب من إتمام هذا المشروع وهل من بديل يمكن اقتراحه؟ على الدبلوماسية الجزائرية، إن كان هناك دبلوماسية جزائرية، أن تجيب. [email protected]