لم تعد حياة الطفل الجزائري آمنة، حتى بين أحضان أقرب الناس إليه. فجريمة الاغتصاب لم ترحم جسمه النحيل، ومن كان يفترض أن يحميه، اغتصب براءته وحطم مستقبله. وفي أغلب الأحيان، يواجه الطفل عقوبة معنوية من أب لم يتقبل فكرة الاغتصاب. وتحصي الجزائر، عشية الاحتفال باليوم العالمي للطفولة، 107 حالة اغتصاب للأطفال خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية، حسب آخر حصيلة لمصالح الدرك الوطني فقط. ''الخبر'' تنقل شهادات أولياء قُصّر تعرّضوا للاغتصاب الطفل هيثم أصبح مخنثا وبشرى لم يرحم الوالد براءتها ''تخلى زوجي عن ابنه هيثم. م الذي تعرّض للاغتصاب مرتين، وأصبحت أتحمل عبء هذا المشكل لوحدي''.. هي من بين الشهادات التي نقلتها ''الخبر'' لأم تعاني آثار اغتصاب ابنها، صاحب 10 سنوات، وزوج غير مسؤول لم يجد سوى معاقبة ابنه على جريمة ليس له أي ذنب فيها. الحديث مع الأولياء حول الموضوع يعدّ بمثابة فتح جرح لم يلتئم بعد، فإعادة تفاصيل هذا النوع من الجرائم بالنسبة لهم جريمة أخرى بحكم التقاليد. تحولت حياة والدة الطفل ''هيثم. م'' من برج الكيفان بالعاصمة، إلى جحيم بعد اغتصاب فلذة كبدها الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، فقد أصبحت تائهة بين المختصين النفسانيين، علها تعيد هيثم لحياته الطبيعية بعد أن ظهرت عليه علامات السلوكات الأنثوية، إثر تعرّضه للاغتصاب مرتين العام الماضي. أعادت الوالدة سرد الوقائع بنفسية محبطة جدا، إذ تقول: ''اضطر والد هيثم إلى توقيفه عن الدراسة في السنة الرابعة ابتدائي بسبب رسوبه المتكرّر، وكان يتعمّد اصطحابه معه إلى محله لتصليح الهواتف النقالة ببرج الكيفان، عله يتعلم الحرفة. إلا أنه في أحد الأيام ذهب الوالد إلى المحل بمفرده، وطلب من هيثم اللحاق به، غير أن ابني تاه في الطريق، وأخذ مسلكا معزولا عبر غابة كثيفة، حيث التقى بثلاثة شباب اعتدوا عليه جنسيا وتسبّبوا في كسر ذراعه''. تتنفس محدثتنا بعمق لتواصل: ''كنت أظن أن هيثم تعرّض فقط للكسر. ولكن، عندما أخذته إلى مستشفى زميرلي بالحراش، اكتشفت من الأطباء أنه تعرّض للاغتصاب أيضا''. وفوق ذلك، تستطرد الوالدة بنبرة محبطة ''رفض زوجي متابعة الفاعلين قضائيا، لا لشيء سوى لأن عائلتهم أجّرت لنا السكن''. تكتمت عائلة هيثم عن الأمر خوفا من الفضيحة، إلا أن نفس الجريمة تكرّرت مع طفلها الذي تعرّض مرة ثانية للاغتصاب من قبل شاب في 30 من العمر. واستنادا لشهادة الطبيب الشرعي، تمت محاكمة الفاعل أمام محكمة الرويبة، ومعاقبته ب6 أشهر حبسا نافذا. وسعت الوالدة بكل الطرق لإنقاذ فلذة كبدها، خاصة بعد إصابته بانهيار عصبي، حيث عرضته على مختص نفساني، ولكن بعد فوات الأوان، بسبب تخلي الوالد عن مسؤوليته، حسب ما أكدته لنا. فتصرفات هيثم أصبحت عنيفة، وظهرت عليه علامات أنثوية، وهو اليوم يتناول حبوبا مهدئة. قصة الطفل عبد الرحمان، 13 سنة، لا تختلف عن سابقه، حيث تعرّض هو الآخر للاغتصاب هذا العام من قبل جاره بالمدنية في العاصمة، أما والدته، فهي مهدّدة بالانفصال من زوجها بسبب هذا المشكل. تقول الوالدة ''لم أكتشف الأمر إلا عندما لاحظت على ابني تصرفات غريبة، فقد أصبح يبكي دون سبب، ولا يخرج من البيت، وبعد إلحاح مني، سرد لي ما وقع له مع الجار''. ولازالت قضية عبد الرحمان مطروحة على العدالة. أما الوالد، فحمّل كامل المسؤولية للوالدة، وهدّدها بالطلاق. وإن كان والدا هيثم وعبد الرحمان قد تنصلا من مسؤوليتهما، فإن الطفلة ''أميرة''، 15 ربيعا، عاقبها والدها بتوقيفها عن الدراسة بعد تعرّضها للاغتصاب شهر فيفري الماضي من قبل طبيب أسنان، كانت تعالج عنده بنواحي العاصمة. أعادت والدتها سرد الوقائع وهي تجفف دموعها، إذ قالت: ''ذهبت ابنتي ضحية الثقة التي وضعت في طبيب العائلة، الذي انتهز فرصة الانفراد بها لإشباع نزوته الحيوانية''. ويوجد طبيب الأسنان رهن الحبس المؤقت، فيما يتواصل التحقيق في هذه الجريمة. وعادة ما ترتبط جرائم الاغتصاب بالاختطاف، منها قضية الطفلة نسرين، 15 سنة، التي اغتصبت سنة .2009 تقول والدتها المصدومة: ''تم استدراج ابنتي من قبل شاب في 22 سنة إلى شاطئ الكيتاني بالعاصمة، وبالضبط إلى قبو مخصص لوضع سفن الصيد، حيث تم احتجازها لمدة 3 أيام واغتصابها''. وقد تمت محاكمة المعتدي أمام جنايات العاصمة، ومعاقبته ب4 سنوات حبسا. كما يتورط الأقارب غالبا في مثل هذا النوع من الجرائم، على غرار قضية الطفلة بشرى، 6 سنوات، التي حاول والدها انتهاك عرضها. ولحسن حظ هذه الطفلة أن والدتها مختصة نفسانية، ما جعلها تحظى برعاية نفسية كبيرة لتجاوز حالتها. تقول الوالدة: ''زوجي أستاذ جامعي، ولكن مستواه الثقافي لم يمنعه من ارتكاب جريمة في حق أعز الناس إليه، فقد كان ينفرد بابنته بشرى أثناء الزيارة بحكم أننا منفصلين. ولأنني مختصة نفسانية، جلب انتباهي تصرفاتها غير الطبيعية، وبعد الضغط عليها، سردت لي ما كان يفعله معها، وهي اليوم ترفض الذهاب إليه حتى بحضور المحضر القضائي. ولكن رغم كل ما حدث لها، تكنّ له حبا عميقا''. ومازالت قضية بشرى مطروحة على المحكمة العليا، علما أنه تمت مواجهة بين الطفلة والوالد أمام قاضي تحقيق محكمة سيدي امحمد بالعاصمة، وأكدت أنه اعتدى عليها جنسيا، حسب الوالدة. شبكة ''ندى'' عالجت 17 حالة اغتصاب ضد الأطفال عالجت الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل ''ندى''، 17 حالة اغتصاب خلال 20 شهرا، سجلت أغلبها في المدن الكبرى. وحسب رئيس الشبكة، السيد عرعار عبد الرحمان، فإن معظم الحالات تورط فيها أقارب الضحية لأسباب أرجعها إلى غياب الوازع الديني، وتخلي الأسرة عن مسؤوليتها في مراقبة أبنائها، سواء في العائلة أو المحيط الخارجي، كالشارع والمدرسة. ومن بين أهم الحالات التي عالجتها شبكة ''ندى'' تعرّض الطفل ''ك.س'' للاغتصاب داخل محل لبيع المواد الغذائية يقع بحي العناصر بالقبة في 6 أفريل الماضي. فالطفل ''ك.س'' كان يتردّد على المحل لاقتناء ما تطلبه منه والدته، إلا أن صاحب محل المواد الغذائية كان يغري الطفل بحبات حلوى لإشباع نزوته. الغريب في هذه القضية أن شقيق الضحية التوأم كشف أولى خيوط هذه الجريمة عندما كان مارا بالقرب من المحل، حيث ناداه التاجر ظنا منه أنه الطفل ''ك.س'' ليختلي به كعادته، إلا أن توأم الضحية ركض مسرعا إلى البيت، وأخبر والدته بالأمر، ليتم إيداع شكوى أمام العدالة. المختصون النفسانيون يحذّرون ضحايا الاغتصاب من الأطفال غير متوازنين جنسيا مستقبلا يرى المختصون النفسانيون أن أخطر ما يعانيه الأطفال ضحايا الاغتصاب مستقبلا ممارسة نفس الفعل، خاصة إذا لم يتم التكفل بهم بطريقة جيدة، في حين أكدوا على ضرورة معالجة المعتدي نفسيا قبل الزج به في السجن. وقالت المختصة النفسانية بخلية حماية الأحداث من الانحراف التابعة لخلية الاتصال بالقيادة العامة للدرك الوطني، السيدة بوكاولة الزهراء، إن ظاهرة اغتصاب الأطفال تعدّ حاليا من الطابوهات، وترجع أسبابها لانعدام الثقافة الجنسية في المجتمع الجزائري. وأشارت محدثتنا إلى ضرورة إدراج الثقافة الجنسية ضمن الطور الدراسي، مضيفة أن الشخص القائم بالفعل يتميز بعدم التوازن في شخصيته، وهو غير سوي. وذكرت محدثتنا أن الأطفال ضحايا العنف يعيشون معقّدين طوال حياتهم بسبب الصدمة، ويصبحون يعانون من ''الخوف المرضي'' من الأشخاص الكبار. ومن بين الأعراض التي تصاحب الطفل ضحية العنف، التبول اللاإرادي، عدم التركيز في الدراسة، صعوبة النوم، إلى جانب فقدان الشهية. وأكدت المختصة النفسانية على ضرورة التكفل بصفة جيدة بالأطفال ضحايا العنف، حتى لا يمارسوا نفس الجريمة في الكبر، لأن العنف يولّد العنف، على حد تعبيرها. من جهتها، قالت الطبيبة النفسانية المختصة في العلاقات الجنسية، قربوسي منيرة، إن العنف الجنسي الممارس على الطفل يطلق عليه علميا اسم ''البيدوفيليا''، ويمس الجنسين على حد سواء. وحصرت محدثتنا معاناة الأطفال ضحايا الاغتصاب في إصابتهم بصدمة نفسية عميقة، تصاحبهم طوال حياتهم. فالطفل المتمدرس، حسب المختصة في العلاقات الجنسية، يصبح مضطربا نفسيا ولا يركز في دروسه، كما يصبح عدوانيا، وينسحب من العلاقات الاجتماعية، وقد يتقبل فكرة ممارسة العنف عليه مستقبلا، أو يمارسه على الآخرين. والأخطر بالنسبة للذكر، حسب محدثتنا، ألا تكون حياته الجنسية سوّية، في حين تحرم الأنثى من الزواج لفقدانها عذريتها. وعن شخصية الشخص المعتدي، فهي عديمة النضج، وسريعة الانفعال، أو مدمن على الكحول والمخدرات. وأغلب جرائم الاغتصاب ترتكب، حسب المختصة النفسانية، من قبل أشخاص كبار في السن، متزوجين ولهم أولاد. لانعدام الدليل وتفاديا للفضيحة أغلب قضايا الاغتصاب غير مصرّح بها أكد الأستاذ أوزناجي نور الدين، محامي لدى المجلس، أن أغلب جرائم الاغتصاب غير مصرّح بها تجنّبا للفضيحة، في حين يصعب تحريكها أمام العدالة، لغياب الدليل المادي والشهود. وقال محدثنا في تصريح ل''الخبر''، أن ضحايا الاغتصاب وأولياءهم يفضلون عدم إعادة سرد الوقائع أمام القاضي، بحكم التقاليد وتأثير العامل النفسي. كما أشار إلى أن أغلب الحالات المطروحة على العدالة استثنائية، لوجود الثقة بين الضحايا وأوليائهم، ما يجعل التصريح بالجريمة أمرا ضروريا لاستعادة الحق ومعاقبة المتهمين. وبخصوص عقوبة جريمة الاغتصاب، قال مصدرنا إنها ليست ردعية، حيث تتراوح العقوبة بين 3 و10 سنوات بالنسبة لقضايا الاغتصاب التي يذهب ضحيتها أطفال أقل من 12 سنة، وبين سنتين و6 سنوات لضحايا فئتهم العمرية بين 15 و18 سنة. وفي هذه الحالات، يتم جبر الضرر، حسب المحامي أوزناجي، أمام المحكمة من خلال الزواج. وفي السياق ذاته، أكدت المحامية شيخة مليكة على ضرورة إحالة المتهمين في قضايا الاغتصاب على مراكز للعلاج النفسي قبل معاقبتهم، مضيفة أن العقوبات يجب أن تكون ردعية.