اشتكى العديد من المصلّين، كبارًا كانوا أو شبابًا، من إطالة بعض الأئمة في صلواتهم، خاصة العشاء، سواء في القيام أو الركوع، ممّا جعلهم يتخوّفون من بطلان صلاتهم (صلاة الجماعة) مصداقًا لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''ثلاثة لا يرفَع الله صلاتهم فوق رؤوسهم شِبْرًا، رجلٌ أمَّ قومًا وَهُمْ له كارهون...'' رواه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما. فهذه المسألة فيها تفاصيل كثيرة، حيث فرّق الفقهاء بين العداوة الّتي تكون بين المأمومين والإمام بسبب الدنيا، والعداوة الّتي تكون بسبب نقص في ديانته، أو بسبب تمسّكه بالدِّين والسُنّة، كما فرّقوا بين أن يكرهه واحد أو اثنان وبين أن يكرهه أكثر القوم. وأشار علماء المالكية إلى أنّه تكره إمامته إذا كرهه أقلّ القوم غير ذوي الفضل منهم. وأمّا إذا كرهه كلّ القوم أو جُلهّم أو ذوو الفضل منهم وإن قلّوا، فيُحرم. وهذا هو التحقيق عندهم، كما قال العلامة الدسوقي. وقد أفاد الشيخ العلامة التواتي بن التواتي (أحد فقهاء ولاية الأغواط) أنّ الكراهية تنطلق من مبدأ الحبّ في الله والبغض في الله. معتبرًا أنّ الكراهية قد تكون صادرة عن عمل الشّخص في حدّ ذاته، كأن يعمَل عملاً غير لائق، وقد تكون في عدم إتقانه تلاوة القرآن الكريم بالأحكام، وقد يكون بينهما مسائل شخصية وهذا لا يجوز شرعًا ويعتبر عداوة. وقد يكون الشّخص الّذي يُنَصَّب له الكراهية وهو له ظالم لأنه يؤدّي إلى تفريق الصفوف، وسيكون آثمًا ولا يجوز له شرعًا الصّلاة بهم. وأكّد مفتي مدينة الأغواط أنّ من فقه الإمام أن يُحسن التلاوة ويراعي ظروف المصلّين، خاصة عدم الإطالة على المصلّين، مصداقًا لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يُصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوّز رجلٌ فصلَّى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذًا فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتَى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذًا صلّى بنا البارحة، فقرأ البقرة، فتجوّزْتُ، فزعم أنِّي منافق، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''يامعاذ، أفتَّانٌ أنتَ ثلاثًا اقرأ: {والشّمس وضُحاها} و{سبِّح اسم ربّك الأعلى} ونحوها''. ودعا الشيخ التواتي بن التواتي الأئمة إلى احترام المأمومين ومراعاة الشيخ والكبير والمريض، لأنّه إمام القوي والضعيف، مستدلاً بمقولة سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ''الضعيف أمير الركب''. فيُصلّي حسب طاقتهم وقوتهم، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السّماء''.