مع أولى لفحات الحر، تشدّ العائلات الجزائرية رحالها إلى الشواطئ الممتدة على طول الشريط الساحلي للاستمتاع بزرقة البحر ولحظات منعشة، غير أن الكثير من المصطافين لا يجدون متعتهم على حبات الرمل الذهبية، ويفضّلون المجازفة بالسباحة في الشواطئ الصخرية، إما بحثا عن الراحة أو الحرمة. لم تعد الشواطئ الصخرية بالكورنيش الجيجلي حكرا على فئة الشباب وهواة الصيد التقليدي، مثلما كانت عليه في السابق، بل تحوّلت خلال مواسم الإصطياف الأخيرة، إلى قبلة للكثير من العائلات. جور دوغلاس وبور ماريا ملاذ العائلات الجيجلية يتوفر الكورنيش الجيجلي على ما لا يقل عن 20 شاطئا صخريا، أغلبها تتواجد في الجزء الممتد بين وسط المدينة وزيامة منصورية على الحدود مع ولاية بجاية، على غرار ''لزرق، وجور دوغلاس، وبوسعدون، والكاريار، والعوينة، وبور ماريا''، وهي شواطئ تختلف في تركيبتها الصخرية، من حيث أن بعضها تشبه مسابح وأحواض طبيعية وخلجان صغيرة، إلا أنها تشترك في كونها تبقى من الشواطئ غير المحروسة، لأنها-برأي المسؤولين على القطاع- غير مهيأة لإستقبال المصطافين وتعدّ خطرا عليهم. وعلى الرغم من هذا فإن هذه الشواطئ تستقطب يوميا أعدادا كبيرة من المصطافين أغلبهم من أهالي المنطقة، بعضهم يفضّلونها للتمتع بالسباحة كونهم يحسنون الغوص في الأماكن العميقة، والبعض الآخر أكد أنه يلجأ إليها بحثا عن مواقع أكثر راحة، وبعيدا عن زخم الاكتظاظ الذي أضحى يميّز أغلب الشواطئ الرملية، مثلما هو الشأن للشاب ''عيسى'' الذي التقيناه بشاطئ ''لزرق'' المطل على وسط المدينة، والذي أوضح أنه اعتاد السباحة في مثل هذا الشاطئ لأنه يجد راحته ونكهة الاستجمام فيه. من جهتها أشارت عائلات اعتادت قضاء لحظات بين أحضان الصخور، أنها تقصد مثل هذه الشواطئ بحثا على ''الحرمة''، وقالت سيدة كانت تتأهب لدخول شاطئ ''الكاريار'' رفقة أفراد من عائلتها، أنها قدمت من ديار الغربة، وتريد أن تتمتع بالبحر بعيدا عن المضايقات وضوضاء الشواطئ الرملية. وبين هذا وذاك يجازف مصطافون آخرون بأنفسهم، ويقصدون الشواطئ الصخرية، دون علمهم بخباياها ومخاطرها، حيث كشفت مصالح الحماية المدنية أنها تحصي سنويا وقوع حوادث غرق وإصابات جراء الارتطام بالصخور في تلك الشواطئ. الحرمة والبحث عن السكينة في الشواطئ الصخرية لتيبازة لم تعد الشواطئ المحروسة الممتدة على 43 شاطئا على طول 120 كلم من الشريط البحري لولاية تيبازة، وحدها التي تُشدّ إليها رحال المصطافين، بل هناك مناطق أخرى تجدها طوال فصل الصيف مقصدا للعديد من الشباب وحتى العائلات. ويشتد الإقبال على هذه المناطق بالمدن الشرقية للولاية، كشاطئ ''الفاليز'' بفوكة البحرية، مرورا ب''لابايوت'' ببوسماعيل، وصولا إلى ''السعيدية'' ببوهارون، و''بخوشة'' بعين تقورايت، إلى غاية ''كوالي'' بمدخل مدينة تيبازة، مرورا ب''نوفاريس''، ومناطق البلج، والحمدانية الخلابة على سفوج جبل شنوة، وهي أماكن يعشقها الآلاف ويقصدونها دون غيرها رغم العزلة وغياب الأمن والحراسة. ورغم أن ذلك الشريط يتشكّل من صخور ذات طبيعة حادة تشبه المسامير، وخطورة السباحة أمامها وحتى المشي عليها، بالأخص أيام الإضطرابات البحرية،إلا أنها لا تزال تجذب الزوار، على غرار محمد من أولاد فايت بالعاصمة، الذي ذكر في حديثه معنا أنه ارتبط منذ عقدين بشاطئ السعيدية ببوهارون، لأنه بكل بساطة نظيف ويخلومن أي مصب للمياه القذرة، ولملائمته كذلك لممارسة هواية الصيد، مؤكدا أنه تعوّد على قضاء نهاية الأسبوع بين تلك الصخور رغم صعوبة السباحة فيها. أما جمال الذي تبدوعليه ملامح التديّن فقدم من بئر خادم بالعاصمة، مبررا تفضيله للشواطئ الصخرية ''لخلوها من الألسبة الفاضحة''، إضافة إلى السكينة التي تطبعها رغم مخاطر الأمواج التي تهدد حياة السباحين في حال ارتطامهم بالصخور القاسية. أما السيد نذير الذي اصطحب أسرته من منطقة الكاليتوس إلى عين تقورايت، فيبرر هروبه من الشواطئ الرملية قائلا: ''أردت أن أتحرر من تعقيدات الشواطئ المحروسة التي أصبحت هاجسا ضريبيا على المواطن البسيط، حيث لا تقل تكلفتها عن 1000دج، وهو مبلغ أفضل أن أشتريه سمكا لعائلتي وأشويه هنا على الصخور، وكفاني الله شر البراسول والباركينغ''. ورغم إختلاف وجهات نظر عشاق هذه الشواطئ، إلا أنها لا تخلومن الخطورة والمغامرة، فزيادة على غياب المراقبة والتواجد الأمني وأعوان الحماية المدنية، فهناك مخاطر الارتطام القاتل بالنسبة لعشرات الشباب والمراهقين الذين يتنافسون على القفز ''التشبيكات'' من ارتفاعات شاهقة كانت وراء العديد من المآسي، زيادة على حالات الغرق بسبب صعوبة الصعود على الرصيف الصخري أثناء هيجان البحر، واستحالة إنقاذ الغرقى من طرف مصالح الحماية المدنية التي ينحصر وجودها على الشواطئ المحروسة، وهي التي سجّلت 10 غرقى بالمناطق المذكورة خلال الموسم الماضي. ويضاف إلى ذلك مشكلة أشواك قنافذ البحر التي تحفر أرجل العشرات في كل موسم وتسبّب لهم آلاما تمتد إلى غاية فصل الشتاء. وهي ضريبة أخرى يدفعها عشاق ''الروشيات''. حوادث الغرق المتكررة لم تمنع زوار عين تموشنت عن شواطئها الصخرية وفي ولاية عين تموشنت يشهد الشريط الساحلي للولاية، والمقدّر طولها بثمانين كيلومترا، تدفّق آلاف المصطافين سنويا على مختلف الشواطئ ال19 من بين ال27 شاطئا. غير أن هناك فئة كبيرة تفضّل الاستجمام في المناطق الصخرية رغم خطورتها، حيث تم تسجيل عدة حوادث في هذا الخصوص على مستوى عدة مناطق صخرية، آخرها غرق إمام مسجد بالمنطقة الصخرية الهوارية بعين تموشنت، الأسبوع الماضي، غير بعيد عن شاطئ سيدي جلول أين كان يسبح رفقة أصدقائه. ويجازف البعض حتى بحياة أبنائهم في الشواطئ الصخرية، حيث وجد شاب وشخص كان رفقة ابنه صعوبة كبيرة في الرجوع إلى أعلى الصخرة، وكادت تبتلعهم أمواج البحر بالمكان، لولا تدخّل عناصر الحماية المدنية، بينما عجز شاب آخر كان بعيدا عن الحراسة عن مقاومة الأمواج التي صدمته بالصخور فتوفي غرقا. ورغم تزايد عدد الغرقى في هذه الشواطئ، إلا أن أبناء المنطقة يبررون الأمر بكون أغلب الضحايا ليسوا من المنطقة ولا يحسنون السباحة، ويرون في الغطس من أعالي الصخور على ارتفاع أكثر من 15 مترا هواية بالنسبة لهم لا يستطيعون التخلي عنها، حتى أنهم في بعض الأحيان ينظّمون مسابقة لأحسن غطّاس.