إنّ النزهة والتّرويح عن النّفس من الأمور المهمّة الّتي يحتاجها الإنسان في حياته، لكنّ كثيرًا من النّاس يقع في إفراط بحيث يغلو ويجعل فيه كلّ ما حرّم الله ارتكابه بحجّة الترويح عن نفسه والترفيه عنها، أو مَن يفرِّط فيه ويرى أن لا فائدة منه ولا داعي له. الترفيه عن النّفس يجب ضبطه على أسس من الشّرع الحكيم، إذ النّفس مجبولة على ذلك وهي فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها، وليس التّرويح عنها مصادمة للشّرع والواقع، لذا لابُدّ من التّخفيف عنها من خلال نزهة برية أو رحلة داخلية أو خارجية، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''.. ساعة وساعة'' حديث صحيح. نعم ساعة وساعة.. لكن هل يعني ذلك أنّها ساعة للطاعة وساعة للمعصية!؟ لا والله، فالمفهوم الصحيح لقول سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''ساعة وساعة'' هو ساعة لطاعة الله عزّ وجلّ، وساعة يلهو بلهو مباح، يقول الله تعالى: ''وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ'' القصص.77 والله عزّ وجلّ أمر عباده المؤمنين باستعمال ما وهبه لهم من أموال ونعم طائلة في طاعة ربّهم والتّقرُّب إليه بأنواع القربات الّتي يحصل لهم بها الثواب في الدار الآخرة ''وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا'' ممّا أباح الله فيها من المآكل والمشارب والمساكن والمناكح وغيرها. روي في صحيح مسلم من حديث حنظلة رضي الله عنه قال: ''نافق حنظلة يا رسول الله''!، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''وما ذاك؟''، قال: ''يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنّار والجنّة حتّى كأنا رأى العين، فإذا خرجنا من عندك عاسفنا (اشتغلنا بها، عالجنا معايشنا وحظوظنا) الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا''. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة'' ثلاث مرات. وتبرز أهمية النزهة أو الترويح عن النّفس في عدّة جوانب، منها تحقيق التوازن بين متطلبات الإنسان (روحية - عقلية - بدنية)، ويساهم في النشاط الترويحي في إكساب الفرد خبرات ومهارات وأنماط معرفية، كما يساهم في تنمية التذوق والموهبة ويهيئ للإبداع والابتكار، إضافة إلى أنّه يساعد على إبعاد أفراد المجتمع عن التفكير أو الوقوع في الجريمة، وبخاصة في عصرنا الّذي ظهرت فيه البطالة حتّى أصبحت مشكلة، وقلّت فيه ساعات العمل والدراسة بشكل ملحوظ وأصبح وقت الفراغ أحد سِمَات هذا العصر. وإلى جانب كل ذلك، يساعد الترويح عن النّفس في إنقاذ الإنسان من الملل والضجر وضيق الصدر وما إلى ذلك من الإحساسات الأليمة الّتي يُسبّبها في العادة عند بعض النّاس خلوهم من الأعمال الجدية.