نعم لا تزال السلطة في أذهان الناس غولا ينبغي أن نخافه. أن نسكت على فساده أو حتى تقصيره، لأنها حينا قدر وحينا آخر قادرة على العقاب وعلى الظلم. والواقع أن ما يخافه الناس هو التسلط والظلم والفساد وليس السلطة ذاتها. فالكل يدرك أن السلطة ضرورة ولكنها ضرورة لتطبيق القانون وليس للعبث به، ضرورة لحفظ الأمن وليس لتقييد الحريات.. وهكذا ذواليك. والواقع أن السلطة مثلت في حياة شعوبنا القيادة في كثير من الأحيان. وعندما تفقد السلطة هذا الدور القيادي وتصبح مجرد تسلط وقهر فإنها تصبح عالة على المجتمع والعائق الأول أمام نهضته. نقد السلطة، وهو فعل إيجابي، تبعا لذلك، هو المهمة العاجلة، لأنها تمثل بشكل من الأشكال ''الخطيئة الأولى''، ومن دون تصحيحها سيظل المجتمع يعيد إنتاج كل أمراضه. لهذا يبدو من الضروري تصحيح ما ينبغي تصحيحه أولا على مستوى الأذهان. لأن ما لحق بالعلاقة بين السلطة والناس في عصور الانحطاط المتواصلة، لا بد من تطليقه بالثلاث. نعم المرض الأساسي الذي ينبغي مداواته أو بتره في هذه المرحلة التاريخية هو غياب الدولة المؤسسات في مفهومها الأكثر بساطة، مؤسسات تمثل الناس، مؤسسات قوية بشرعيتها، وسلطات منفصلة تقيد السلطة وتحد من طغيانها. أما السلطة التي تعني أحيانا الحكومة والأفراد الذين يتولون مناصب المسؤولية، فهذا هو الجانب الأبسط في المسألة. لأن ذهاب هؤلاء كلهم لا يعني بتاتا تجاوز المنطق السلطوي والمرور إلى السلطة القيادة والدولة القانون والمؤسسات. والسؤال الذي يتردد أكثر الآن هو: كيف؟ الثورة أم التغيير التدريجي؟ التغيير التدريجي يأتي عادة بفعل إرادي توافقي، أما الثورة فهي حالة انقلابية حادة على وضع يستحيل تغييره بآلية سياسية عادية. لهذا فأي رفض للتغيير وأي رفض للتخلي عن المنطق السلطوي وأي استمرار لغياب مفهوم القيادة والثقة بين الحاكم والمحكوم هو مراهنة مكلفة جدا. التخلي عن المنطق السلطوي هو نقطة البداية ونقد هذا المنطق والدعوة لتغييره هو مهمة الإعلامي والسياسي والمثقف والمواطن. إنها مهمة تاريخية. [email protected]