أرسل رسول الله، صلّى الله عيه وسلّم، إليهم عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في جوار رجل من بني أمية ليعلم قريش بقصده، وخرج معه عشرة من المسلمين لزيارة أقاربهم بمكة، فقالت قريش: إنّ محمّداً لا يدخلها علينا عنوة أبداً. ثمّ منعوا سيّدنا عثمان، رضي الله عنه، ومن معه من الرجوع، وشاع بين المسلمين أنّه قد قتل. فدعا النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، أصحابه للبيعة على القتال، فبايعوه على ذلك، وكان ذلك تحت شجرة سمّيت بعد بشجرة الرِّضوان، وسمّيت هذه البيعة أيضاً بيعة الرِّضوان، وبعث المشركون طلائعهم، فأسر المسلمون منهم اثني عشر رجلاً. ولمّا سمعت قريش بهذه البيعة، خافوا أن تدور عليهم الدائرة؛ فأرسلوا أحدهم إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، للمكالمة في الصُّلح. وبعد أن أطلقوا سبيل سيّدنا عثمان ومن معه، وأطلق المسلمون من أسروهم، اتّفق معهم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على قواعد الصُّلح، وهي أربعة أمور: ترك الحرب بين الفريقين عشر سنين. وأن يرجع رسول الله والمسلمون من عامهم دون أن يدخلوا مكة؛ فإذا جاء العام الثاني، دخلوها دون سلاح سوى السيوف في القُرُب وأقامُوا بها ثلاثة أيّام بعد أن تخرج منها قريش. وأنّ مَن أتى إلى المسلمين من قريش ردّوه إليهم، ومَن جاء إلى قريش من المسلمين لا يلزمون بردّه. وأنّ مَن أحبّ أن يدخل في عهد المسلمين دخل فيه، ومَن أحبّ أن يدخل في عهد قريش دخل فيه. وأملى النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، عليَّ بن أبي طالب، فكتب بذلك وثيقة، وقد رضي المسلمون بما رضي به رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بعد أن تألّموا من بعض هذه الشروط، ثمّ تحلّل رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، والمسلمون من عمرتهم وعادوا إلى المدينة. وقد نزلت في هذه الحادثة سورة الفتح.