يزخر التاريخ الإسلامي بحوادث متنوعة، منها ما هو مضرب الأمثلة ومفخرة الزمان، والنهاية في السمو الإنساني، كما تهفو إليه الفطر السليمة، والقلوب المرهفة الرقيقة. ومنها ما هو فاجعة من فواجع الزمان، وملمّة من ملمات الأكوان، وقاصمة من القواصم التي ليس لها عاصم، إلا الله العاصم. ومن أكبر الفواجع التي مني بها المسلمون، بل الدنيا بأسرها، والخليقة عن بكرة أبيها، وفاة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والتحاقه بالرفيق الأعلى، مما كان له أبلغ الأثر على المجتمع الإسلامي برمته، أفرادا وجماعات، فأما على مستوى الأفراد، فلم يكن نبأ وفاته محل تصديق من كثيرين منهم، حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيما هو مشهور عنه: كل من سمعته يقول مات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضربت عنقه، لهول الصدمة، وقد كان يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم: إنما ذهب إلى لقاء ربه وسيعود، كما فعل نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام. وضاقت على بعضهم المدينة، فلم يستطع أن يعيش بها، بعد اختفاء رسم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما حدث لبلال رضي الله عنه، فقد استأذن أبا بكر رضي الله عنه، في الخروج إلى الشام فأذن له بذلك، وتذكر كتب التاريخ، أن بلالا عاد في مرة من المرات إلى المدينة، وأذّن كما كان يؤذّن في حياة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فارتجت المدينة بكاء، لتذكير آذان بلال رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاعتقدوا أنه هو الذي سيصلي بهم، عندما تقوم الصلاة، لأن بلالا كان ملازما له في هذه الحال. وكانت السيدة فاطمة الزهراء بنت أبيها رضي الله عنها، تقول للصحابة عندما واروا جثمان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في التراب، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأحسن ما يعبّر به عن هذه المشاعر الغامرة بالحب للرسول الأكرم، في مثل هذه المناسبة الأليمة هو الشعر، وقد تحرك القريض في نفس حسان بن ثابت رضي الله عنه، لشدة ما كان يجده من أثر الموت في قلبه، فقال ما هو شعور كل مسلم نحو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونجتزئ بعض الأبيات لطول القصيدة: بطبية رسمٌ للرسول ومعهد ولا تُمتحى الآيات من دار حرمة بها حجرات كان ينزل وسطها عرفت بها رسم الرسول وعهده ظَلَلت بها أبكي الرسول فأسعدت يذكرن آلاء الرسول وما أرى مفجعة قد شفها فقد أحمد أطالت وقوفا تذرف العين جهدها فبوركت يا قبر الرسول وبوركت تهيل عليه التراب أيد وأعين لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم يبكون من تبكي السموات يومه وهل عدلت يوما رزية هالك مُنيرٌ وقد تعفو الرسوم وتهمد بها مِنبر الهادي الذي كان يصعد من الله نور يستضاء ويوقد وقبرا بها واراه في التُّرب ملحد عيون ومثلاها من الجفن تسعد لها مُحصيا نفسي فنفسي تبلّد فظلّت لآلاء الرسول تُعدِّد على طلل القبر الذي فيه أحمد بلاد ثوى فيها الرشيد المسدَّد عليه وقد غارت بذلك أسعد عشية علوه الثرى لا يوسّد وقد وهنت منهم ظهور وأعضد ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد رزيّة يوم مات فيه محمّد؟ أما على المستوى العام، فقد ترك موته صلى الله عليه وآله وسلم في نفوس الناس أثرا كبيرا، وكان فقده فتنة عظيمة في قلوب الضعفاء منهم، تقول عائشة رضي الله عنها: لما توفى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية، ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة، في الليلة الشاتية. أما الفاجعة الأخرى، فهي وفاة الفاروق عمر رضي الله عنه، فقد كان موته باب فتنة عظيمة، كان يسده بفهمه وحسن تدبيره، فلما توفي رضوان الله عليه، انكسر ذلك الباب، وجاءت الفتن بعده كقطع الليل المظلم. ومن أكبر الفتن التي وقعت بعده، موت الخليفة عثمان ذي النورين رضي الله عنه، ويمكن القول إنه بوفاة عثمان رضي الله عنه، وقع ما يسمى باللغة المعاصرة الانفلات الأمني، بسبب انقسام المسلمين لأول مرة في تاريخهم إلى حزبين سياسيين، حزب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وحزب الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكان لهذا الانقسام آثار عميقة، خاصة على الصعيد الفكري، مما ساهم في ظهور طائفتين كبيرتين، كان لهما ظهور كبير عبر تاريخ الأمة، ما زال يلقي بثقله إلى اليوم. ثم تحدث الفاجعة الأليمة بموت علي رضي الله عنه، يقتله رجل من الخوارج الذين كانوا يحاربونه، ويتولى الأمر من بعده ابنه الحسن السبط رضي الله عنه، لكنه لا يمكنه أن ينهي الخلاف بين حزب أبيه وحزب أهل الشام، فينزل عن الخلافة إلى معاوية، لعلمه أنه يريدها لنفسه، وأن أمور المسلمين لا تستقيم إلا بهذا النزول، ففعله كما فعله عثمان ليلة الدار، عندما قال للمعسكرين على باب داره، إن كان هؤلاء يريدونني، فلا أتسبب في موت المسلمين بالدفاع عني. وانتهت الخلافة إلى معاوية، أو إلى الأسرة الأموية، وبه يتحول الحكم في الإسلام، من الاختيار إلى التعيين، وهو وإن كان خلاف الأولى عند المسلمين، لكنه وفق السنة الجارية في الحكم، أنه يؤول إلى أهل الشوكة، أو العصبية بتعبير ابن خلون، ودام الأمر لمعاوية عشرين سنة، يحكم فيهم بسيرة الملوك العادلين يقيم الحدود ويفتح الأمصار، ويسلك بالرعية الجادة المعروفة، وكان المسلمون في زمانه آمنين على أنفسهم، قائمين بما يأمرهم به دينهم، وكان ضمن المقربين إليه أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضوان الله عليهم، فكان يحسن إليهم، ويدنيهم، ويعرف لهم حقهم، وكان من أقربهم إليه الحسن، ومن بعده أخوه الحسين رضي الله عنه. وفي هذه الفترة التي قضاها معاوية في الحكم، استقامت الأمور لبني أمية، باعتبار أنه كان كثير من الأمراء والولاة منهم، وظهر ما يعرف بطبقة الحكم، وهي سنة من سنن الله أيضا، وبسبب ما عرفته هذه الفترة من استقرار سياسي كبير، تمخض عنه ظهور الثروة، وكان المتوقع أن يكون أول من يصيبه نعيمها أبناء الأمراء والطبقة الحاكمة، وكان من ضمن أولئك يزيد بن معاوية أحد أكبر المرشحين لتولي زمام الأمور بعد والده. كان يزيد معروفا عنه بعض الطيش الذي لا يتناسب أبدا والفترة التي حكم فيها، وقد نسب إليه معاقرة الخمر في خفية عن أبيه، وعيب عليه كثرة اللهو وإضاعة الوقت في الصيد، على نحو ما يفعله أبناء الملوك، وهذا كله لم يكن يتناسب والبيئة المسلمة، في تلك الفترة، بل كان كثير من الصحابة على قيد الحياة، والزمن وإن تغير عما كان عليه، لكنه لم يتغير كثيرا، فلهذا نقم الناس عليه، وكرهوا ما يصدر منه، فكيف لو ولّي عليهم، ولهذا كان من الحرج عند جماعة من كبار الصحابة، لو يحملهم معاوية على بيعته، وكانوا يرون أن ولايته خطأ، إلا أنهم لم يمتنعوا عن بيعته، لما كانوا يدركونه من توقع المفسدة بهذا الامتناع، خاصة بعد استقرار الحكم لبني أمية، فلا يخرج عن واحد منهم، إلا إلى آخر، ومنه فسيان أن يتولاه يزيد أو غيره، ما داموا أقدر على ضبط الأمور من غيرهم. وقبل أن يتوفى معاوية رضي الله عنه ورحمه، كان قد أوصى ابنه يزيد بأمور، وأوصاه خاصة بحسن التعامل مع ثلاثة نفر، وهم عبد الله بن عمر، والحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنهم، فلما توفي معاوية، كتم يزيد وحاشيته موته، حتى لا يتسلل بين الناس فيصبح مثار فتنة، أو رغبة لمن تحدثه نفسه بالحكم، وطلب من واليه بالمدينة، وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ابن عمه، وكان رجلا كريما رفيقا، أن يستدعي له هؤلاء الثلاثة، فأما ابن عمر، فعندما أخبر بموت معاوية ترحم عليه، وطلبت منه البيعة ليزيد فبايع. أما الحسين وابن الزبير، فتوقع كل واحد منهما، أن معاوية هلك، فلما أخبرا بذلك ترحما عليه، إلا أنهما تلكآ في البيعة، واعتذرا عنها اعتذار الطالب للمهلة، فلما بلغ مروان ذلك، قال للوليد: والله لا تراه بعد مقامك إلا حيث يسؤوك، فأرسل العيون وتسلل كل واحد منهما سرا، لما يتوقعانه من الإقاعة بهما والتقيا بمكة. أهل الكوفة يبعثون بالرسائل إلى الحسين حثا له على الخروج لم يكن الحسين، ولا ابن الزبير بالشخصين اللذين يقبلان خلافة مثل يزيد، لكن الحق أن كل واحد منهما، كان يتحلى بشيء من الاندفاع، الذي لا يقدر عواقب الأمور، ولا يدرك نتائجها. ومع أن الحسن بن علي ومحمد ابن الحنفية أخوان للحسين، لكن نفسيهما لم تكن نفس الحسين، كان الحسين من النوع الذي يسمى اليوم ثوريا، مع الاعتذار عن استعمال هذه الكلمة، وقد تشرب العاشقون له هذه الثورة، فأصبحت شعارهم وعنوان سبيلهم، وطبعت ثورته على يزيد نفوسهم، وأحدثت فيها ما لا تحدثه الرياح في الجبال الصم، عندما تنحتها، وتغير من شكلها. كان أهل الكوفة على رأس من كتب إلى الحسين، باعتبار أنهم أنصار أبيه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وأنصار أخيه من بعده، فكتبوا إليه بآلاف الرسائل، يطالبون فيها بالمجيء إليهم، ويخبرونه أنهم نكثوا بيتعهم ليزيد، ويظهرون ولاءهم له، كما أنهم يوفرون له الحماية من عدوه يزيد. ولما كثرت الرسائل عليه، تصف جور ولاة بني أمية، وتطلب منه أن يطهر حكم جده من هذه الفئة التي دنسته، أثر ذلك فيه تأثيرا كبيرا، حتى كان يرفض النصيحة في عدم الاستجابة، وقد نصحه أخوه ابن الحنفية، بأن لا يلبي دعوة أهل الكوفة، وقال له: كيف تذهب إلى قوم خذلوا أباك وقتلوا أخاك؟! ونصحه ابن عباس أيضا وابن عمر وآخرون من المحبين له، فلم يسمع، وكان يسير إلى ما قدر له، مما لم يكن في قدرته الامتناع منه، بل كان يقول إنه أخبر بأنه سيقتل شهيدا، وأنه لا يستطيع أن يرجع عن ذاك، أما أهل بيته عليهم السلام، من أبنائه وزوجاته، وأخواته، وأبناء أخيه، فلم يكونوا أقل إصرارا على الإقدام منه، بل خيّرهم الحسين، ولكنهم أبوا إلا السير معه، والموت دونه. وكان كل من لقي الحسين في الطريق ينصحه بالرجوع، حتى ذكروا في جملة من لقيه الفرزدق الشاعر، ونصحه بالقفول لكنه امتنع عن ذلك. غدر أهل الكوفة بالحسين قبل مجيئهم إليه!! ما كان من الحسين رضي الله عنه، إلا أن يستجيب لرسائل أهل الكوفة، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم ابن عقيل، لأخذ البيعة وجمع المساعدات منهم، لكن لم تكن عين البلاط الأموي غافلة عما يجري هناك، فبعث يزيد بعبيد الله بن زياد إلى الكوفة، وطلب منه أن يأتيه بمسلم بن عقيل، ودخل عبيد الله الكوفة متخفيا، فكان كل من رآه اعتقد أنه الحسين، ففرح بقدومه واستبشر بمجيئه، فتحقق عبيد الله أنهم مستعدون لنصرته، فلما وصل إلى دار الإمارة، أرسل في طلب عروة بن هانئ المرادي، وهو الشخص الذي آوى مسلما، فاستنطقه فأخبر بأمره، لكنه لم يدل عليه، وانتشر الأمر بين أهل الكوفة أن مسلم بن عقيل مطلوب من ابن زياد، وأن كل من آواه أو رآه، ولا يبلغ عنه فسيتعرض للعقوبة، وبلغ ذلك مسلما فأخذ حذره، لكنه لم يجد مكانا يختبئ فيه إذ لم يقبل أحد من أهل الكوفة بإيوائه وأصبح شريدا طريدا، حتى وجد نفسه أمام بيت امرأة فلما عرفها بنفسه أمكنته من الدخول وأخفت أمره عن ابنها خشية أن يخبر عنه جنود ابن زياد فلما شعر ابنها بوجوده في البيت خرج وأخبر به فووجه من طرف جنود ابن زياد، فلم يجد بدا من الخروج والمواجهة فقاتل قتالا شديدا لكنه قتل رضي الله عنه، وذكر الذهبي في تاريخ الإسلام (2 / 23، 24) عن الواقدي والمدائني بإسنادهم: أن مسلم بن عقيل لما هرب دخل على امرأة من كِندة، فاستجار بها، فدل عليه محمد بن الأشعث، فأتي به إلى عبيد الله، فبكته وأمر بقتله، فقال: دعني أوصي، فقال: نعم، فنظر إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: إن لي إليك حاجة، وبيننا رحم، فقام إليه فقال: يا هذا ليس هنا رجل من قريش غيري وغيرك، وهذا الحسين قد أظلك، فأرسل إليه فلينصرف، فإن القوم قد غروه وخدعوه وكذبوه، وعليّ دين فاقضه عني، واطلب جثتي من عبيد الله بن زياد فوارها، فقال له عبيد الله: ما قال لك؟ فأخبره، فقال: أما مالك فهو لك لا نمنعه منك، وأما الحسين فإن تركنا لم نرده، وأما جثته فإذا قتلناه لم نبال ما صنع به، فقتل رحمه الله، ثم قضى عمر بن سعد دَيْن مسلم، وكفّنه ودفنه، وأرسل رجلا على ناقة إلى الحسين يخبره بالأمر، فلقيه على أربع مراحل، وبعث عبيد الله برأس مسلم وهانئ إلى يزيد بن معاوية، فقال عليٌّ لأبيه الحسين: ارجع يا أبه، فقال بنو عقيل: ليس ذا وقت رجوع. بداية المعركة: يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (6 / 261): ولما استقل الحسين ذاهبا إلى الكوفة، بعث إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف، يتقدمهم عمر بن سعد بن أي وقاص، وذلك بعدما استعفاه فلم يعفه، فالتقوا بمكان يقال له كربلاء بالطُفّ، فالتجأ الحسين بن علي وأصحابه إلى مقصبة هنالك، وجعلوها منهم بظهر، وواجهوا أولئك، وطلب منهم الحسين إحدى ثلاث: إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء، وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه، أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد ابن معاوية، فيضع يده في يده، فيحكم فيه بما شاء، فأبوا عليه واحدة منهن، وقالوا: لا بد من قدومك على عبيد الله بن زياد، فيرى فيك رأيه، فأبى أن يقدم عليه أبدا، وقاتلهم دون ذلك، فقتلوه رحمه الله، وذهبوا برأسه إلى عبيد الله بن زياد فوضوعه بين يديه، فجعل ينكت بقضيب في يده على ثناياه، وعنده أنس بن مالك جالس، فقال له: يا هذا، ارفع قضيبك، قد طال ما رأيت رسول الله يقبل هذه الثنايا، ثم أمر عبيد الله بن زياد أن يسار بأهله، ومن كان معه إلى الشام، إلى يزيد. دروس وعبر وقبل أن نستخلص أهم الدروس المستفادة من خروج الحسين، نقف وقفات مع هذه الحادثة الأليمة. 1 لا يختلف أحد من أهل السنة فضلا عن الشيعة، أن قتل الحسين كان من المصائب العظيمة التي حلت بالمسلمين، وليست المصيبة في مجرد القتل، بل قد قتل من هو خير منه، في اعتقاد الشيعة أنفسهم، وهو أبوه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، بل في طريقة قتله، إذ قد طلب منهم العفو، لكن بعض الأشقياء، غرهم هرج الدنيا وعرضها، ونسوا مقام الحسين وأهل بيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 أن قتل أبيه كان أعظم من قتله، لأن أباه كان خليفة، إضافة إلى أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى باستثناء النبوة، بسبب أنه سيرث عنه الخلافة كما ورث العلم، مع وراثة النسب، وقد تحقق له كل ذلك في حياته رضي الله عنه، فقد كان خليفة بعد عثمان، وهو في الصحابة سيد العلماء، زيادة على طهارة النسب وشرف المنبع، وهذا وإن شاركه الحسين في بعضه، فإنه لا يجاوز أخاه الحسن في ذلك. 3 أن أهل السنة يعتقدون، في الحسين وجميع أهل البيت ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم غير معصومين، بل يصيبون ويخطئون، كغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، أما الشيعة فيرون أن الحسين وجميع الأئمة من ولده إلى غاية القائم الثاني عشر، عجلّ الله ظهوره لنراه، كلهم معصومون، بمعنى أن تصرفاتهم لها نفس تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا رأس الخلاف بين الطائفتين، وأصل الشقاق بين الفرقتين، وأهل السنة يقولون، على أساس هذا الاعتقاد، إن الحسين أخطأ بخروجه على يزيد، وقد يتأولون خروجه، بأنه كان يرى أن بيعة يزيد لم تنعقد، لأنها كانت بيعة على الإكراه، وقد تأيدت بمكاتيب أهل الكوفة، وهو مصر كبير في ذلك الوقت، فمعناه أن الأمور لم تستقر بعد لواحد، لكن جمهور الصحابة كانوا يرون أنه لما استتب الأمر للأقوى، ما كان للأصلح أن يظهر مخالفته، بسبب بسيط، وهو أن ذلك الأصلح، لا يستطيع أن يمنع مفاسد الأقوى. 4 أن الصحابة الآخرين مثل ابن عباس وابن عمر وأبا سعيد، كانوا أكثر إدراكا لعواقب الأمور من الحسين رضي الله عنه، بدليل تحقق ما أخبروه عنه، بل قد شهد هو بذلك، عندما عاين رضي الله عنه ما حل به، لكن كما قال بنو عقيل ليست ساعة رجوع. أما الدروس المستفادة من هذه الواقعة الأليمة، فهي: 1 أن القيام بتغيير المنكر، إذا كان يعود بالضرر على الجماعة فلا بد فيه من الاستماع فيه إلى أهل الرأي والصلاح، وأنه لا يكفي فيه متابعة الغوغاء، ومجاراة العواطف. 2 أن سنة الله في الحكم، أن القيادة للأقوى وليس الأصلح، بمعنى أن تحقق المصالح العامة ترجع إلى القوة في وجودها ودفعها، أكثر من احتياجها إلى صلاح الشخص المجرد عن القوة، فالقوي ينفع العامة وإن كان فاسدا في نفسه، بخلاف الصالح الضعيف، فإنه لا يستطيع أن يدفع عنهم، بسبب أن الحكم محاط بالمؤامرات والدسائس، ولا يقدر على ردها إلا أصحاب النفوس القوية. 3 أن الحسين رضي الله عنه نظر إلى الخليفة المنحرف الذي تنشأ عنه أمور منحرفة، ولم ينظر إلى استقرار الناس بأمر هذا الخليفة، وبقية الصحابة نظروا إلى الأمر بالعكس، فسكتوا عن بيعة يزيد، لأن أمر العامة لا ينتظم إلا به، أما الحسين فغلب عليه نظر انحراف يزيد، وضاق عنه رؤية انتظام سلك العامة به، ودفعه إلى تنحية كتابات الناس إليه. 4 أن أهل بيت النبوة، هم أكثر الناس تعرضا للمصائب والبلايا، لأن الله طهرهم بنص كتابه، ولا يتحقق ذلك إلا بنزول البلاء عليهم، وقد كان موت الحسين ألما وجرحا في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسين صبي يلعب، أخبره جبريل أنه سيموت بشط الفرات. الأستاذ همال الحاج باحث في العلوم الإسلامية