ستروس كان يقضي عطلته الصيفية بشواطئ بجاية وجدت مافيا العقار في بجاية ضالتها لتحول الملكية الخاصة للدولة وأراضي الخواص إلى ملكية خاصة بها تقتسم بين أفرادها ب20 ألف دينار ل300 متر مربع، فتضرب بالقوانين والعقود عرض الحائط، وتفتح المجال لنفسها لتبييض الأموال مع إلحاق خسائر معتبرة بخزينة الدولة التي تفتقد هيئاتها إلى أرقام رسمية، وإلى إجراءات ناجعة لحماية إرثها من النهب باستعمال الجرارات علنا، وكأن الولاية لا مسؤول عنها، مما يثير الكثير من التساؤلات. لو يعود المدير السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان إلى بجاية لقضاء عطلته الصيفية مثلما فعل خلال نفس الفترة من العام الماضي على شواطئ تازبوجت وبوليماط فإنه حتما سيصطدم بالتغيير الحاصل في الطبيعة العذراء، وكأن تسونامي حل فيها ليحولها إلى أراض عارية من أشجارها ونباتاتها الطبية النادرة، لتغرس فيها القضبان الحديدية التي تحدد الملكية الافتراضية لأشخاص وجدوا من المخطط المشايخي للإدارة الاستعمارية الخاص بتقسيم أقاليم الدواوير (العروش) وسيلة لتبرير فعلتهم، رغم أنه لا يعتبر سندا للملكية. وعليه سيعرف مرشح الحزب الاشتراكي الفرنسي للرئاسيات أن مقولة الجنرال ديغول يوم انتزعت الجزائر استقلالها تنطبق على ولاية بجاية، بما أن مسؤوليها لا يقوون حتى على تسخير القوة العمومية لردع سائق جرار آلي وكلت له مهام فتح الدروب وتعرية محمية طبيعية مصنفة وطنيا ودوليا. 1773 هكتار من غابة بوليماط وتازبوجت تقتسم كقطعة كعك لم يشفع التصنيف الذي حظيت به الحظيرة الوطنية لفورايا كمحمية للتنوع الطبيعي والبيولوجي سواء وطنيا أو من طرف المنظمات الدولية كمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة ''اليونسكو'' حتى تسلم من أطماع مافيا العقار التي تجد السبل السهلة لتنفيذ مخططاتها، في وقت تعجز فيه الدولة على تحقيق ولو جزء من الغرض الذي أنشئت من أجله رغم الترسانة القانونية، حيث تكفي جولة صغيرة في الضفة الغربية للحظيرة، وبالضبط غابتي بوليماط وتازبوجت التي تعد رئة بجاية حتى يتوقف الزائر على حجم الكارثة التي حلت بها، ما يعادل 1773 هكتار من الأراضي، تمتد من الجسر المسمى محليا ''لوبار'' ووادي ''الساحل'' إلى غاية وادي ''الساكت''، تقابل الساحل الغربي للولاية، تقتسم بين عائلات 3 إلى 6 قرى تنتمي إلى دوار آيت اعمر وعلي استنادا إلى المخطط المشايخي للإدارة الاستعمارية. والأدهى في كل هذا، أن ما يعادل 6 جمعيات ذات طابع ثقافي واجتماعي، هي من تولت العملية، تكفلت بجمع الأموال من أجل استقدام الآلات لتعرية الغابة، حيث تبرعت كل عائلة رغبت في الحصول على قطعة أرض تقدر مساحتها ب300 متر مربع ب20 ألف دينار علنا، علما أن ذلك يعد جريمة في نظر القانون، باعتبار أن عملية التبرعات في الجزائر تخضع للأمر رقم 377 المؤرخ في 19 فبراير 1977 الذي يعلقها بترخيص ''يوقعه الوالي، صالح ليوم واحد، نزولا لدى طلب تتقدم به الجهة الراغبة في تنظيم العملية لفائدتها، مرفقا بنسخة من قانونها الأساسي''، كما يمنع على المستفيد منه (الترخيص) جمعها من المنازل حسب نص المادة 6 منه، في حين يواجه مخالف أحكام الأمر عقوبات تصل إلى عامين حبس ودفع غرامة مالية تتراوح ما بين 2000 و20 ألف دينار، مع الإبقاء على العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات، وهو ما لم يتم تطبيقه على هذه الجمعيات التي لم تتقدم لا بطلب إلى الجهة المعنية، ولم تتحصل على أي ترخيص للغرض، كما شرعت في جمع الأموال من المنازل جهرا، بل أوقع الأمر أعضاءها في نزاعات داخلية سببها طريقة تسيير القيم المتحصل عليها ووجهتها، تؤكد مصادرنا، ''وينذر بأزمة حادة، قد تصل حد المواجهات الجسدية، بما أن القيمة المالية التي تمكنت من لمها بلغت حدود 3 ملايير سنتيم، لم يبرر الأعضاء استهلاك 36 مليون سنتيم منها''. وأكثر من ذلك، باشرت هذه الجمعيات عملية الاقتسام رغم أن ذلك لا يدخل في اختصاصها ولا ضمن نشاطها، مبررين الأمر بتصنيف المخطط المشايخي الفرنسي للأراضي التي استغلها سكان دوار آيت اعمر وعلي لعقود من الزمن في الرعي وجني الحطب في خانة ''ملك''، أي ملك للدوار، بما أنه لم يذكر لا فرد ولا مجموعة من الأشخاص ولم يسم حتى قرية، حيث يتبين حسب تصريح المسنين، أن المخطط أخذ بعين الاعتبار تقسيم عقلاء دوار آيت تمسيت وآيت اعمر وعلي للأقاليم الموجهة للاستغلال القبلي بعد المعارك الدموية التي جمعتهم في القرن 19، بالإبقاء على الصخرة الملقبة محليا ''أبلاط الفاتحة'' -نسبة لقراءة سورة الفاتحة فوقها كعلامة للسلام بينهم- كحد فاصل بين القبيلتين، وهو ما يثير التساؤل حول حصر ملكية الأراضي في عائلات 3 إلى 6 قرى من مجموع 29 قرية مشكلة للدوار. غموض المخطط المشايخي في تصنيفه لمساحات هامة في خانة ''ملك'' دون تحديد مالكها، دوار أو مجموعة أشخاص؟ بالنظر للاستغلال القبلي لها يعقد الأمور أكثر، فإن تعلق الأمر بملكية الدوار للأراضي، فيعني أن ذلك يدخل في خانة ''ملك عرش''، وهو ما سبق للمحكمة العليا وأن فصلت فيه في قرارها، الذي تضمنته المجلة القضائية 2000، عدد 11 السلطات عاجزة عن مواجهة المشكل! الكم الهائل من التجاوزات التي تحدث في ''سوق العقار'' ببجاية تجعل منا نطرح سؤالا واحدا يتمثل في ما هو جدوى وجود هيئات رسمية إن لم يكن بإمكانها ردع أي مخالف للقوانين؟ أو بالأحرى، تدخلات مسؤوليها لا تعد إلا شكلية ولا تغير من الواقع شيئا، حيث لا يمكن إنكار قيام الحظيرة الوطنية لفورايا منذ الشروع في تعرية غابة بوليماط وتازبوجت ابتداء من 2009 برفع دعوى قضائية أمام الغرفة الإدارية لدى مجلس قضاء بجاية ضد كل من جمعيات إيسومر إيفر واسيف، قريتا تافمونت وتازبوجت، انتهت لصالح الحظيرة الوطنية لفورايا. لكن ذلك لم يكن يكفي لوقف نهب الأراضي، بما أن مسؤولي الحظيرة اكتفوا باللجوء إلى رفع دعوى ثانية أمام محكمة بجاية ضد رؤساء الجمعيات المذكورة كأشخاص دون ذكر صفتهم، اتهموا فيها بتعرية قطعة أرض غابية تابعة لها، حكم قسم الجنح لصالحها بإلزام المتهمين بدفع غرامة مالية تقدر ب50 ألف دينار، إلا أن قيام المتهمين باستئنافه قلب الأمور رأسا على عقب، بما أن الغرفة الجزائية لدى مجلس قضاء بجاية قررت إلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءتهم. والغريب في كل هذا، حسب الوثائق التي قدمها لنا مسؤولو الحظيرة الوطنية لفورايا، هو اكتفاؤها برفع دعاوى قضائية ضد 3 جمعيات أو أفرادها فقط دون ذكر جمعيات أخرى شاركت هي الأخرى في عملية التعرية والاستيلاء على الأراضي، منها تيغديوين مثلا بنفس حجة مثيلاتها، كما لم يكلف مسؤولو الحظيرة أيضا أنفسهم عناء ذكر أشغال الغرس التي قامت بها الحظيرة في الغابتين، منها فتح المسالك وتجديد الغطاء النباتي الغابي، استلمت المؤسسات المكلفة بالأشغال كل مستحقاتها المالية، وهو ما تضمنه محضر تحقيق ابتدائي مؤرخ في 23 نوفمبر من العام الماضي، سردت فيه إلحاق أضرار بمساحة غابية تقدر ب15 هكتارا مجددة بالصنوبر الحلبي والدردار والخروب، وشق الدروب على نحو 8 هكتارات، بما يمثل تخريبا لأملاك الدولة، فيما لم تظهر وجهة هذا المحضر، بما أن محكمة بجاية لم تسجل إلى غاية هذا التاريخ دعوى قضائية في هذا الموضوع، حسب مصادرنا، وهو ما يثير التساؤل. ومن جهة أخرى، جاء رد فعل ولاية بجاية تجاه القضية عن طريق تعليمة صدرت عن الوالي السابق للولاية، يأمر فيها مديرية أملاك الدولة والحظيرة الوطنية لفورايا، وكذا رئيس بلدية بجاية بالاعتراض على كل طلب لشهادة الحيازة فيما يخص هذه الأراضي، إلا أنه سرعان ما تم إلغاؤها باعتبار موضوع الحيازة يتعلق بمرسوم تنفيذي لا يمكن لقرار الوالي إلغاءه. ووقع الوالي الحالي للولاية في جانفي الماضي قرارا آخر، يحمل رقم 84/ 11 يمنع التصرف مهما كان نوعه أو شكله في الأراضي الواقعة في إقليم الحظيرة الوطنية لفورايا، ''في انتظار ما تسفر عنه نتائج البحث، سواء كانت في الأراضي العامة أو الخاصة، وإعادة ضبط إقليم المحمية''، تلاه قرار يحمل رقم 275 / 11 في مارس الماضي، قرر فيه فتح عماليات مسح الأراضي على مستوى المنطقة الريفية لبجاية، ليتبع بقرار في 18 أفريل الماضي، برقم 11/531، يلغي القرار 11/84، بعد إيفاد لجنة ولائية مكونة من مدير الحظيرة الوطنية لفورايا، ومدير أملاك الدولة إلى قسنطينة لسحب نسخة من المخطط المشايخي للإدارة الاستعمارية، حيث تبين أن الأراضي مصنفة في خانة ''ملك''. من يوقف زحف مافيا العقار؟ الأمر الذي غاب عن المصالح الولائية هو أن العمل بالمخطط المشايخي للإدارة الاستعمارية المؤرخ في 13 مارس و13 جويلية 1867 يعني جرد بجاية من كل غطائها الغابي، حيث جاء في النسخة التي تسلمناها من إدارة الحظيرة الوطنية لفورايا، أن المخطط خصص مساحة تقدر ب4391 هكتار ل دواوير تتربع على غابة الساحل الغربي لبجاية، خصص لدوار مدالا 1909 هكتار، منها ما يفوق 1307 صنفت في خانة ''ملك'' دون تحديد للدوار أو ل1826 قاطن فيه آنذاك، و496 هكتار لدوار آيت تمسيت، ما يزيد عن 200 هكتار ''ملك'' دون تحديد للدوار أو ل583 ساكن آنذاك، فيما يستحوذ دوار آيت اعمر وعلي على مساحة 1986 هكتار، ما يتعدى 1773 هكتار صنفت في خانة ''ملك'' أيضا ل2703 نسمة آنذاك أو للدوار، هذا دون الحديث عن ما يتضمنه المخطط من مساحات تعود لغابة بوحاتم والدواوير الكائنة فيها، في حين تبقى القيمة القانونية للمخطط تثير جدلا باعتباره يحمل عبارة ''لا يعتبر هذا المخطط كسند للملكية''، وهو ما يعني أنه لا قيمة قانونية له، كما يفسر هدف الإدارة الفرنسية المتمثل في توضيح الوضعية العقارية للجزائر بتصريح ملكية القبائل للأقاليم، ثم التأسيس ضد المنتفعين منها بما يسمح بالاستيلاء على أراضيهم، خاصة إذا علمنا أن العقارات في الجزائر لم تكن موثقة ما عدا ما تم توارثه عن الدولة العثمانية في إطار ما يسمى ''البايلك''، وهو ما عاد فيما بعد لأملاك الدولة. وعليه، فإن غموض المخطط المشايخي في تصنيفه لمساحات هامة في خانة ''ملك'' دون تحديد مالكها، دوار أو مجموعة أشخاص؟ بالنظر للاستغلال القبلي لها يعقد الأمور أكثر، فإن تعلق الأمر بملكية الدوار للأراضي، فيعني أن ذلك يدخل في خانة ''ملك عرش''، وهو ما سبق للمحكمة العليا وأن فصلت فيه في قرارها رقم 196 049 الصادر في 26 أفريل 2000، الذي تضمنته المجلة القضائية 2000، عدد 11، فيما يخص ممارسة دعاوى الحيازة على أراضي العرش، باعتبارها من ''الأملاك الوطنية الخاصة للدولة، وبالتالي لا يمكن الإدعاء بحيازتها''، وإن كان المخطط يقصد كل السكان القاطنين للدوار آنذاك مجتمعين، فلماذا لم يطلب هؤلاء بملكيتهم للأراضي في السنوات التي سبقت تصنيف الحظيرة الوطنية لفورايا كمحمية طبيعية وإيكولوجية؟ ولماذا لم يعترضوا على الأشغال التي قامت بها الحظيرة منذ 1994 ولا حتى لاستغلال بلدية بجاية جزء منها كمفرغة عمومية، وعلى الترخيص لعمل محاجر فيها؟ ولماذا يتم تحويل الطبيعة القانونية للعقار المصنف ضمن المواقع السياحية والإيكولوجية للولاية إن تبين أن استغلال الأراضي من طرف السكان كان جماعيا ويقتصر على الرعي وجني الحطب في حدود الحاجة الماسة لا أكثر؟ وعليه، لماذا وكيف يتم تقسيمها بين سكان عدد محدود من القرى المشكلة للدوار، مع تعرية الغابة، في حين يمنع أصحاب عقود الملكية في المنطقة من استغلال أراضيهم الغابية رغم امتلاكهم لها قانونيا؟ ولماذا تخوض الأجيال الجديدة زمام الأمور بدل شيوخ القرى الأكثر معرفة للمواقع؟ ثم كيف تبطل القيمة القانونية لعقود ملكية قانونية أمام مخطط مشياخي فرنسي يحمل عبارة ''لا يعتبر سندا للملكية''؟ خاصة إذا علمنا أن غالبية المعارك القضائية التي خاضتها عائلات بناي، بوقريو، تامريجت، بولحباس، جبل طابورت، ثلا البير... الذين يعدون من سكان قرية إقبين ويمتلكون أراض واقعة داخل الدائرة الغابية المتنازع عليها، انتهت لصالح الذين باشروا أشغال التعرية استنادا إلى المخطط المشايخي الفرنسي، فيما منعوا من استغلال أراضيهم لعدم الترخيص لهم بتعريتها.