عكفت الحكومة مع شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين، في إطار لقاء الثلاثية، على بحث الشق المتعلق بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، توازيا مع الشق السياسي للإصلاحات الذي أحالت مشاريع قوانينه على البرلمان. وبقدر التنازلات التي ستقدم من طرف السلطة في كلا الملفين سيتحدد مستقبل الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد. مثلما دعت بعض الأحزاب إلى ضرورة القراءة الجيدة لأحداث الشارع في جانفي الماضي، وكذا لما يدور في المحيط القريب للبلاد، فإن أطراف الثلاثية من حكومة ونقابة ومنظمات أرباب العمل، مطالبون هم أيضا بالاستشراف الدقيق لما هو مطروح من مشاكل اجتماعية واقتصادية، وتقديم الحلول المناسبة لها في الوقت المطلوب، حتى يتم تدارك نقائص الشق السياسي للإصلاحات من خلال التكفل بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والعكس صحيح، لأن هذه الإصلاحات هي بمثابة وجهين لعملة واحدة، لا يمكن إنجاح السياسي منها دون الاجتماعي. ومن بين القراءات المطلوبة أنه لا يجب التعاطي مع الواقع الاجتماعي من خلال القراءة ''النقدوية '' البحتة، كما لا يجب التعامل معها بالشعبوية المعهودة، لأنه لا الأولى نجحت في خلق اقتصاد خارج موارد المحروقات، ولا الثانية تمكنت من تحقيق السلم الاجتماعي. وضمن هذا السياق لا أحد، بما فيهم الشركاء ''المقصون'' من حضور الثلاثية من النقابات الجديدة، قد طلب من الحكومة أن تبسط يدها كل البسط، أو تجعلها مغلولة إلى عنقها، في التعاطي مع الملفات الاجتماعية والأجور والقدرة الشرائية، ولكن الحكومة مطالبة في المقام الأول، أن تقنع العمال والموظفين ومن خلالهم كل الجزائريين، بأن هذا هو واقع الحال، وأن إمكانيات الدولة واقتصادها من المحروقات والغاز والفلاحة والسياحة والخدمات، لا يمكنه تقديم أكثر مما قدمه في مجال تحسين معيشة المواطنين. المعضلة لا تكمن في نسبة الزيادات في الأجور المسموح للحكومة عدم تجاوزها، وليست في ارتفاع سقف المطالب العمالية والنقابية، ولا في ارتفاع الأسعار مقارنة بالأجور، ولكن في غياب الشفافية عندما يتعلق الأمر بالشأن العام والمال العام. فعلى أي أساس ترفع الأجور، وعلى أي مقياس تحدد أسعار المنتوجات الاستهلاكية المحلية والمستوردة، وبأي معيار تسقف الضرائب والرسوم، وعلى أي دراسة تضبط ميزانية الدولة ونفقاتها العمومية؟ هناك العديد من نقاط الظل، إن لم نقل الظلمة، التي تحيط بهذه القضايا. هذا الواقع خلق حالة من الريبة والشك، فالحكومة تطبق على الشعب المقولة التي قالها الرئيس الراحل هواري بومدين للعقيد الطاهر الزبيري في مذكرات هذا الأخير ''هذا الشعب كي الديس إذا رخفتلو يجرحك''، والشعب بدوره ينظر إلى حكامه أنهم يأكلون ''الكافيار'' والباقي يرمونه للحمار. ومثل هذه الاتهامات المتبادلة، التي تضعف الجبهة الداخلية، ليست مجرد كلمات للترفيه عن النفس قياسا لتكاليف الحياة ومعاناتها، بل مردها إلى غياب ثقافة الحساب والعقاب، على طول مؤسسة الحكم، وحتى البرلمان الذي من مهامه ممارسة الرقابة الشعبية، مثلما خولها له الدستور تحول نوابه إلى مشرعين لأنفسهم، من خلال رفع أجورهم إلى مستويات تقنط المواطنين محدودي الدخل، وهم الأغلبية الساحقة من الجزائريين. على الثلاثية والإصلاحات السياسية أن تجد أجوبة تقنع بها العقول قبل البطون، لأن كسب معركة العقول هو الأهم.