هل حقا ليس بمقدور الحكومة تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي ويعد ذلك ''أمرا مستحيلا''، حسب تعبير الوزير الأول أحمد أويحيى في اجتماع الثلاثية الأخير؟ أم أن الحكومة اختارت الحل الأسهل، وهو اقتطاع الضريبة مباشرة من أجور العمال والموظفين، حتى قبل أن تصل رواتبهم إليهم، عوض عناء البحث عن جيوب المتهربين من الدفع الضريبي، وبالتالي تريد أن تقول ''عصفور في اليد أفضل من عشرة فوق الشجرة''. برر الوزير الأول أحمد أويحيى موقف الحكومة الرافض لتخفيض ''ولو سنتيما واحدا من الضريبة على الدخل الإجمالي، بأن الجباية العادية في الجزائر تغطي أقل من 50 بالمائة من الأجور''، وهو مبرر لا علاقة للأجراء من عمال وموظفين به، لسبب بسيط أنهم غير مسؤولين عن فشل أجهزة الدولة ومؤسساتها الرقابية في محاربة التهرب الجبائي والغش من طرف المقاولين والتجار والمستوردين. من جانب آخر لا يستند رفض الحكومة لتخفيض الضريبة على أساس مقنع، لأنه لم يحدث في تاريخ الجزائر أن غطت الجباية العادية ميزانية التسيير (الأجور)، وكانت الحكومات كلها تعتمد أساسا على الجباية البترولية وصادراتها. أبعد من ذلك لقد تقرر في اجتماع الثلاثية ليومي 27 و28 سبتمبر 98 تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي، وتم تطبيقها في قانون المالية لسنة ,99 رغم أن وضعية البلاد المالية في تلك السنة لا مجال لمقارنتها مع ما تتوفر عليه اليوم خزينة الدولة من موارد واحتياطات صرف بالعملة الصعبة، وهو ما يعني أن الحكومة ظلت تتعامل مع هذا الملف ''الضريبة على الدخل الإجمالي'' بنظرة سياسية أكثر منها اقتصادية. وقد تكون الحكومة في رفضها لهذا المطلب قد حاولت الاختفاء والتحايل وراء المادة 121 من الدستور التي تنص ''لا يقبل أي قانون، مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية، أو زيادة النفقات العمومية، إلا إذا كان مرفوقا بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة، أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تساوي على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها''. فهل رفض الحكومة لتخفيض الضريبة على الدخل نابع من كونها لا تتوفر على مصادر أخرى بديلة لتغطية تكاليف هذا التخفيض في الضريبة على الأجراء؟ كل المعطيات تقول إن الحكومة لديها ألف حل وحل لتخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي، لكنها اختارت الضغط على الحلقة الضعيفة من دافعي الضرائب، وهم الأجراء من عمال وموظفين، وعدم إزعاج أو محاربة التهرب الجبائي الممارس من طرف لوبيات الحاويات والمستوردين وتجار السوق الموازية، التي تقدر التعاملات المالية فيها بأكثر من 14 مليار دولار خارج رقابة الدولة. الزيادة في الأجور بطريقة ''من لحيتو بخرلو'' كان تفكير الحكومة، وهي تدرس مطلب المركزية النقابية بتخفيض الضريبة على الدخل، مركزا أكثر على تصريح أحمد أويحيى الذي اتهم ''لوبيات خفية'' ب''فبركة أحداث الشارع في جانفي الماضي'' دون أن يسميها، فهو يحمل أكثر من جواب لماذا فضلت الحكومة قول ''لا'' لتخفيض الضريبة على الدخل لفائدة الأجراء والموظفين، لأنها عاجزة عن الخروج إلى المواجهة في محاربة الغش والتهرب الجبائي، خصوصا وأن هناك شركات أجنبية توجد ضمن قوائم المتهربين من دفع الضرائب. وتشير حصيلة للمديرية العامة للضرائب، حسب تصريح المدير عبد الرحمن راوية لوكالة الأنباء الجزائرية في شهر جوان الفارط، إلى أن مداخيل الضريبة خلال الثلاثي الأول من سنة 2011 على الدخل الإجمالي قد بلغت حوالي 90 مليار دينار، والضريبة على أرباح الشركات 63 مليار دينار، والرسم على النشاط المهني قرابة 39 مليار دينار، فيما بلغت تحصيلات الرسم على القيمة المضافة أكثر من 150 مليار دينار من الموارد. أما التحصيلات الجبائية للمديرية العامة للضرائب فقد فاقت 1235 مليار دينار سنة 2010 من بين مجموع الجباية العادية التي بلغت 1500 مليار دينار. في مقابل ذلك تقدر أرقام صحفية أن قيمة التهرب الضريبي في الجزائر تقارب ال 500 مليار دينار، تقف الحكومة تتفرج عليها. وبنفس طريقة تعاملها مع الضريبة على الدخل، اشترطت الحكومة لتحسين معاشات ومنح المتقاعدين، رفع الاشتراكات المدفوعة من طرف العمال لفائدة الصندوق الوطني للتقاعد، وهو ما يعني أن الحكومة تستعمل مقولة ''من لحيتو بخرلو''، فالزيادة في نهاية المطاف سيدفعها العامل وستقتطع من أجرته، في حين كان أولى بالحكومة أن تشن حملة لمحاربة الذين لا يصرحون بالعمال لدى صندوق ''لاكناص'' ولا يدفعون الاشتراكات ونسبة هؤلاء تقارب ال 30 بالمائة. ويعد في الظرف الحالي في ظل معطيات الإبقاء على المادة 87 مكرر، التي تحدد حساب الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، أن تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي هي الحلقة الوحيدة التي يمكن بواسطتها تحسين أجور العمال والموظفين، ودون ذلك تبقى كل الزيادات التي تقرها الثلاثية أو غيرها، تلتهمها الضريبة على الدخل قبل أن تصل إلى جيوب أصحابها، وهو ما يعني أن الحكومة تتظاهر بإعطاء زيادات في الأجور باليد اليمنى، لكنها سرعان ما تسترجعها باليد اليسرى.